الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 1

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2010 / 5 / 22
سيرة ذاتية


دخلت مكتب محافظ أربيل (بهاءالدين أحمد)، بناء على طلبه، وكان واقفا خلف منضدته، على غير عادته، علامات الدهشة واضحة من معالم وجهه والحيرة فى عينيه، ولم يكن عسيراعلى ملاحظة مثل هذه التغييرات، النادرة، فى ملمحه. كان انسانا يتصرف بوقار ويتسم بالهدوء والمرونة واحترام المقابل مهما كان موقعه فى المجتمع ، بالأضافة الى نزاهته وترفُعه. التقط ورقة صغيرة مربعة الشكل من على منضدته، حال حضورى، وناولها لى، دون أن يُحرك شفاه. التقطتها لأقراء ما فيها:
((محافظ أربيل
يوجد فى محافظتكم موظف اسمه "خرو" شيوعى ابن شيوعى......(مجموعة من الشتائم ).....هجولة اطرده الى أن يأتيك أمر اعدامه من السيد الرئيس.
الحاج خيرالله طلفاح .))
بعد أن قرأت فرمان الحجى المدون على قصاصة ورق، بلا مبالات مقصودة أمام المحافظ، أعدتها اليه. وسألنى بحركات معبرة: ماذا تفعل؟ أجبته بنفس الطريقة: انه هذيان و لا يستوجب القلق.
لم تفاجئنى الورقة بما فيها لأن الموضوع برمته قد تسرب الى، قبل وصولها الى المحافظ، من قبل أحد الحاضرين فى جلسة المحاكمة الغيابية الوحيدة التى أُنعُقدت فى دار الحجى فى شارع فلسطين فى بغداد وكان القاضى : الحاج خيرالله طلفاح. المتهم الغائب: خسرو حميد عثمان. المُدعون(المشتكون) الحاضرون ووكلائهم: عدد من المسؤولين الحكوميين وممثلى الأهالى من مصيف صلاح الدين. الشهود المحلفون: تنكات مملوءة بعسل كوردستان النقى، الذى يُطول العمر، وأكياس من الجوز واللوز وعدة تنكات من لبن أربيل داخل أكياس من الخام الأسمر، من النوع الذى يستخدمُه الفقراء لأكفان موتاهم لرُخص ثمنه، لكى يترشح الماء من اللبن تدريجياحتى لا يتغير مذاق اللبن ليُشبع نهم الحجى الذى لا يعرف الشبع لو بلع الدنيا بأكمله .
ولكن ماذا كانت التهمة أو الجريمة، ليدفع هذا القاضى المتعجل لأصدار حكم الأعدام بحقى ؟
لو كانت الأمور تجرى بسياقها الصحيح لكنت أنا الجالس على كرسى القاضى وهو مع غيره فى قفص الأتهام ، ولكننى ما كُنت أحكُم ، على الأطلاق، كما يحكُم هو، ولا بطريقة المهداوى، وانما كنت أدعه يتكلم ويتكلم بملء حريته وفى جومن الأحترام، أمام الملأ، عن ما فعله ومسبباته ودوافعه وصداه ووقعه على الناس، قد يكون له الحق والحكمة والبصيرة ، عندها أترك له الكرسى مترجيا منه : دخيلك أحكم بالعدل وأجعل الناس يشعرون بأن لهم فُرصا متساوية ولهم وطن يعتزون به واترك الكرسى، كما تركته لك، عندما تجد من هو أجدر منك للجلوس عليه تنفيذا للحكمة القائلة : لو دام لغيرك لما وصل اليك، الكرسى الملائم يُليق بالأنسان الملائم لمدة ملائمة وفى الزمن الملائم، ما أحلى الحياة وما أجملها عندما تستطيع أنت وذريتك أن تعيشوا، بمحبة متبادلة، بين الناس ومثلهم وما أجمل القصور الذى يبُنى من الأثير وما أريحها ، قصور لا تُحيطها أسيجة ولا تحتاج الى عيون تراقب من يتفسح بجوارها ويتأمل فى روعة معمارها وينبهر بها.
سأجعل المحكمة، التى أنا القاضى فيها، مفتوحة بعيدا عن أجواء الرعب والخوف وفى جو من الطمأنينة لأن أمثال هؤلاء يعيشون فى جومن الرعب الداخلى فى الوقت الذى لا يوجد شئ فى الوجود يُرعبهم الا الموت ويتخيلون بأن كثر ة الحراس على شكل حلقات مغلقة، وحراس على حراس خوفا من خيانتهم يدفع عنهم هذا البلاء.
ولكن داء هذا البلد المنكوب، منذ قديم الزمان وقد يمتدالى الأخرة أو ينقرض هذه الملة ليحل مكانها قوم صالحون واعون لمصالحهم لا يخدعون انفسهم، أن يكون صاحب الشأن فيه ممن لا شأن له بمصيره وانما بامجاده ونرجسيته وذريته وعرشه وكيفية ضمان انتقاله بطريقة سلسة الى الذى يحمل اسمه بعد أن يصل الى أرذل العمر ويوارى التراب. والناس يهتفون بصوت واحد وبنغمة واحدة مات الملك ،عاش الملك .
قبل أن أبدأ بسرد هذه الحكاية الطويلة أود أن أذكر عندما خرجت من غرفة المحافظ كان سؤالا واحدا، لا غير، يدور فى ذهنى : ماسبب هذا الوضع غير المألوف للمحافظ ؟ هل هو خائف على مصيرى وحياتى اللذان وضعتهما على كف عفريت باختيارى وبمطلق ارادتى وبدون ندم. أوحائر فى كيفية تنفيذ أمر الحجى بهجولتى وطردى،انه لأمر شائك ومحرج بالنسبة لرجل فى مركزه. لربما تأنيب من الضمير لدوره فى احراجى ودفعى للدخول، وحيدا، فى معركة خاسرة ومهلكة، فى نظرهم، لأ صبح كبشا للفداء لأبعاد الضرر و المسؤولية عنهم . لم يكن الخبر صاعقا لى على الأطلاق، لأننى كنت واع جيدا، وغير نادم على ما فعلت.
ولم أتمكن ،فى حينها، الأستقرار على صحة أى الأحتمالات، لتفسير حيرة المحافظ، وقربها الى الواقع تركت ذلك للزمن. لأن الزمن، فى منظورى، له دور هائل وأُسطورى فى كشف النوايا الحقيقية للأنسان، المخادع والماهر فى ابقاء ما يدور فى اعماقه بعيدا عن أعين الأخرين. فعاليته تشبه فعالية حامض النتريك فى اذابة المعادن الرخيصة والشوائب من معدن لين وطرى وذو لون جذاب يسميه بنى البشر بالذهب الذى يحلمون به طوال حياتهم.
لماذا أسمانى هذا القاضى الفاضل ب(خرو) هل كان قصده أن يشبهنى ويقارننى ب(الغائط)، فى الوقت الذى يُشبه ابن اخته بالأسد أو بالبطل المحاط بألاف القائمين، علنا وسرا، على حراسته على مدار الساعة فى بلد غنى بالأ بطال وفقير بالبطولات، فقير بأغنيائه وغنى بفقرائه، غنى بما فى باطنه وفقير فى واقعه ؟ ما هو دور ومكانة خال السيد الرئيس فى دستور دولة نظامها جمهورى شعبها مصدر للسلطات على الورق وعلى الأرض قطيع من الماشية المنصاعة يقودها كبش له قرنان يبقر بطن من يقع فى دائرة غضبه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن| محطات في عام مر من حرب السودان المنسية


.. مازن الناطور: الشعب السوري نجح في كسر حاجز الخوف




.. لمواجهة تهديد أنصار الله باليمن.. إسرائيل توقع صفقة بالمليار


.. استمرار الغارات الإسرائيلية على منطقة تل الزعتر بشمال قطاع غ




.. دعوات أممية لصون أدلة الجرائم المرتكبة في عهد نظام المخلوع ب