الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا....و( الخارجون عن القانون )

الطيب آيت حمودة

2010 / 5 / 22
الادب والفن


*فرنسا لا تستحي ( لا يصاب وجهها بالإحمرار) من ذكر تاريخها .
*فرنسا لم تقم أبدا عبر تاريخها بالإبادة الجماعية .
*فرنسا لم تخترع العملية النهائية ( الإعدام).
**وبالمقابل اخترعت حقوق الإنسان ، وهي الوحيدة التي حاربت من أجل حرية الآخرين .
(عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ).

قرأنا عن المدرسة التاريخية الفرنسية ، وأدركنا حينها بأن الفرنسيين أكثر خلق الله قدرة على تلوين التاريخ وكسبه لصالحهم ، وبل وجعله خادما مطيعا لإديولوجيتهم الإنسانية واللاإنسانية ، فهم لا يختلفون عن العربان في سياستهم الإستحواذية والتلوينية للتاريخ ، فالمدرستان يمكمن وضعهما في خانة واحدة ، لإخضاع قولهما لمبدأ الجرح والتعديل ، وإسقاط مبدأ الشك عليهما لاستخراج المعوج والزائف مما قيل منهما .
وقول الرئيس ساركوزي أعلاه فيه إنية مفرطة ، قد يستساغ من الوجهة السياسية التسويقية ، بكونه محب لوطنه فرنسا ، وممثلٌ لليمين ( المتطرف) ، إلا أن تصريحه تسجبه الأحداث والحقائق المقروءة والمسموعة ، ويستنكرها العقل المستنير المدرك بأن فرنسا فرنسيات فيها اليمين واليسار ، وفيها الحسن والقبيح ، وفيها الإنسانية الرحيمة ، وفيها القساوة القبيحة ، وقد يكون طه حسين محقا عندما وصف باريس بمدينة (الجن والملائكة ) وقد يصدق التعميم عن شعب فرنسا جميعه .
**تاريخ فرنسا في الجزائر .. قتل وترويع وتهجير وإبادة جماعية :
كيف لا تستحي فرنسا من تاريخها .. وتاريخها مليء بالعثرات ، في علائقها مع جيرانها ، ومع غير جيرانها ، وهي التي أنشأت امبراطورية استعمارية واسعة في القرن التاسع عشر مستغلة تفوقها الصناعي والحربي ، ولا يتسع المقام هنا لسجب ماقاله سيادة الرئيس عن كل تاريخ فرنسا ، وإنما أختصر العلاقة فيما بين فرنسا والجزائر ، خاصة وأن القول جاء تعليقا وتعقيبا على تشريحات إعلامية وانتقادات شجاعة لملف الصداقة الفرنسية وحول قضيتي التمجيد ( بالنسبة لفرنسا) والتجريم ( بالنسبة للجزائر)، التي لوى عنقها بتصريحات نارية من الجانبين فجرها القانون الممجد لإستعمار ( قانون 23 فيفري 2005) ، ولحقها ما ذكره وزير خارجية الكيدورسي (روبير كوشنير ) بأن التحاور والصداقة مع الجزائريين لا يستقيم إلا بانقراض جيل الثورة أوتنحيته عن تسيير دواليب الدولة !!. وأن العلاقة بين البلدين تتحكم فيها العاطفة والإنفعال والعنف ، وهو تصريح تحريضي ضد النظام القائم في أقل تقدير.
ويستمر الجدل بين النخب الجزائرية الفرنسية حول الوجود الفرنسي بالجزائر، هل من أجل الحضارة والتمدين كما قالوا ، أم هو استعمار استيطاني بشع أظهر نقيض ما تتشدق بها مباديء الثورة الفرنسية من جميل القول البراق الذي حسبناه ذهبا وما هو بذهب والذي لم يتعدى أثره حدود فرنسا ، لأن ما عشناه وما قرأناه لا علاقة مع شعار ( الأخوة ، العدالة ، والمساواة) الشعار الذي طبق بالمقلوب في تعاملات فرنسا مع الجزائر منذ احتلالها في 1830 الى استقلالها في 1962، وجاء فيلم ( الخارجون عن القانون ) لصاحبه رشيد بوشارب الذي سلط فيه الضوء على أحداث مسكوت عنها من الجانبيين ، وهم فيلم صادم للمشاعر بتقنية عالية الجودة ، وبسيناريو محكم التنزيل، وبالرغم من أن الفيلم من تمويل فرنسي ، إلا أن وطنية رشيد حولته إلى فيلم جزائري بامتياز ، وسيكون السند القانوني في التحاور مع الإستعمار ، لأنه أفصح عن مكنونات وحقائق كانت غامضة ، وهو سرد فني رائع لتاريخ أمة منذ 1925 الى الإستقلال ، بمشاركة مغاربية رائعة منهم جمال دبوز المغربي وآخرون ، وهو الفيلم الحدث في مهرجان (كان ) لهذه السنة ، وتسبب في خروج الآلاف من اليمين المتطرف للتظاهر في مدينة كان ، والذين استنكروا أحداث الفيلم باعتبار غير نزيه في التعامل مع الحقائق ، واعتقدوا بأنه ضرب وتنقيص من تاريخ فرنسا المقدس ؟ ولعل في الفيلم ما يجعل وجه الرئيس ساركوزي شديد الإحمرار من الخجل ؟ وقد يظفر الفيلم بأحدى جوائز المهرجان ، كما حدث ذات مرة من عام 1975 على يد لخضر حمينة برائعته (سنوات الجمر )الحاصل على السعفة الذهبية للمهرجان نفسه .
** دروس الثامن ماي 1945.
أحداث الثامن ماي 1945 ، والتي وقعت عقب نهاية الحرب الكونية الثانية في كل من خراطة وقالمة ، والتي راح بسببها أكثر من 45 ألف شهيد جزائري ظلما عدوانا ، لا لشيء سوى أنهم خرجوا للتظاهر بهجة ، بانتهاء الحرب على غرار ما وقع في كبريات المدن العالمية أنذاك ، باعتبار أننا طرفا فيها ، وأبناؤنا ماتوا على جبهات القتال دفاعا عن فرنسا ، غير أن فرنسا استحوذت على المجهود ، وتنكرت لوعودها بمنح الإ ستقلال للجزائر بعد تحررها ، فكان الجزاء قتل الجزائريين العزل بلا رحمة ولا وشفقة ، فكانت شعاب الأودية مفرغا لجثث الأبرياء التي كانت ترمى في ( شعبة الآخرة ) قرب خراطة بالشاحنات .
الحدث يفوق في بشاعته ( الهولوكست) ويزيد ، ويفوق ما قام به الأمير الأموي الحكم ابن هشام ألأموي الربضي ضد الأندلسيين في حفرة طليطلة وواقعة الربض ،أو ما وقع للأرمن على يد الأتراك في 1815، أو ما قع في عهد محمد علي المصري في إبادته للماليك في موقعة القلعة ،أو جريمة الصهاينة في صبرا وشاتيلا ،.... وما الحادثة إلا نقطة من بحر التظلمات العديدة التي عرفها التواجد الإستعماري الفرنسي في بلادنا ، ويقول ساركوزي بأن فرنسا لم تقم بالإبادة جماعية عبر تاريخها ؟ فإما جهل ، وإما تجاهل .
ورغم النكبة وهول الحدث ، إلا أن الدرس الذي استخلصه شعبنا من الواقعة كبير وعظيم ، سجلناه على ألواح ذهبية ، دونناه بدماء الشهداء ، تركت كشاهد عن تجربة أمة ، لعل الأجيال تنتفع بها مستقبلا ، وتسجلها في الأذهان حتى لا يطالها النسيان ، أولها أن الإستعمار الذي دخل إلى البلد بالقوة لا يخرج منها إلا بصنوها ، وأن الحرية تأخذ ولا تمنح ، وأن الانقسام يولد الوهن ، وأن تجربة الكفاح العسكري خلال القرن التاسع عشر لم يكن فعالا لنقص في التنسيق والوحدة ، وان الكفاح السياسي في النصف الأول من القرن العشرين لا نفع فيه ، لأنه لم يدعم بكفاح مواز له يسنده ويشد من أزره .... وهي أمور جعلت الأمة تنقلب في فكرها من أسلوب المطاوعة واللين ، إلى أسلوب التطويع والشدة والقوة والخروج عن القانون ، وذاك ما عبر عنه رشيد بوشارب في فيلمه الجريء ، والشيء ذاته عبر عنه كاتب ياسين بقوله ( في سطيف تكونت وطنيتي الأسمنتية ) ، وأقتنعت الأمة أخيرا ... بأن لا خيار لها سوى تفجير ثورة ، وهو ما كان في غرة نوفمبر 1954.
الخلاصة/
مفصل القول أن تصريحات ساركوزي صرخة في واد ، وتعبير عن سياسة تقول ما لاتفعل ، وهي عبارة عن طمس لحقائق ووقائع وقعت ، معبرة عن فكر وفعل يتناقض بالتمام والكمال مع مباديء طالما رددناها عن جهل وغباء ، وهي وجه من وجوه تمجيد الإستعمار، وتأكد الأمير خالد الجزائري ، صاحب دعوة المساواة بأن أفكار الثورة الفرنسية حبر على ورق ، وأن ليس كل ما يبرق ذهبا . وأن فرنسا تنين بأوجه ، وهي تظهر مالا تبطن ، وتمارس ما لا تقول ، وعلاقاتها معنا مشوبة بالحذر والتوجس ، مليئة بالأحقاد ، والتاريخ بحقائقه هاجس أكبر يؤرقها ويقلقها ، وشعارها غير المعلن في ذلك كله ( لتحيا فرنسا ويموت الجميع) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لك كُل الاحترام والتقدير .
رستم علو ( 2010 / 5 / 22 - 19:25 )
صدقت : وما نعاني اليوم من انظمة دكتاتورية شمولية عنصرية طائفية صناعة الدولتين فرنسا وبريطانية بواسطة المُجرمان سايس وبيكو ؟ و ما زالوا ومعهم امريكا يدعمون الانظمة المُجرمة بحق شعوب شرق الاوسط ودول الخليج وشمال افريقيا . والطالبان والقاعدة وصدام وكُل المُجرمين كانوا وما زالوا بيادق بإيديهم ؟ عندما ينتهي دور احدهم يتخلصون منه بحجة الدفاع عن الشعوب وحمايتهُم . ولكن في الحقيقة يخدمون مصالحهُم وهذه الطريقة . وقد يكون هذه حقهم في الدفاع عن مصالحهم ؟ السؤال المُهم ما هو دور شعوب المناطق التي ذُكرت ؟ وهل ينطبق علينا قول الاديب والمُفكر السعودي عبد الله القصيمي : حيثُ قال : باننا ظواهر صوتية ؟

اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود