الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيرمانا كهوية شعرية .. قراءة في ديوان البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية ل شريف الشافعي

محمد سمير عبد السلام

2010 / 5 / 23
الادب والفن


في ديوانه " البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية " – الصادر عن دار سندباد للنشر بالقاهرة 2010 - ينشئ شريف الشافعي حالات شعرية ، و نصية ، و إنسانية ، و كونية تتطور من خلال اتحاد الصوت المتكلم بنيرمانا ؛ و كل منهما يعاد إنتاجه في أخيلة النص ، و إحالاته المتغيرة ؛ و لهذا يظل الشاعر في حالة بحث عن الذات ، و عن التحقق الافتراضي – التاريخي لنيرمانا دون نهاية ؛ لأنه في تلك الفسحة من البحث الآلي ، أو الداخلي يتداعى النص في مقاطع توليدية لدوال الذات ، و الوعي ، و الأنثى في اتحادها المادي ، و الخيالي بالكون ، و الثقافة ، و الأشياء الصغيرة .
ثمة انتشار خيالي في الديوان يؤجل نقطة الوصول لنيرمانا ، أو المتكلم من داخل عملية البحث نفسها ، و كأن انفتاح النص على الأنا ، و الآخر ، و العناصر الكونية مشروط بهذه الاحتمالية التي تتطور ، و تتشابك ؛ لتؤول الدال ، دون أن تكشفه .
و بهذا الصدد يرى رولان بارت في لذة النص أن النص يتخذ شكل النسيج في خاصيته التوليدية ، و من ثم تنحل فيه الذات مثل العنكبوت ( راجع / رولان بارت / لذة النص / ترجمة د منذر عياشي / مركز الإنماء الحضاري بحلب مع سوي بباريس / ط 1 / 1992 / ص 109 ) .
هكذا يعيد شريف الشافعي قراءة الذات من خلال الانتشار اللانهائي لدال الأنثى نيرمانا ، و تعدد السياقات المادية التي يتوحد فيها كل منهما بالآخر بدرجات متفاوتة .
إننا هنا نعاين التجربة الشعرية في تطورها خارج الأصول ، و المرجعيات الأولى ، و كأن تلك المرجعيات في حالة لعب ، و تغير دائم يمنح الأصالة للخيال ، و الآلية الزائفة التي يفجرها النص في سياق صوفي مضاد للسيطرة الميكانيكية من داخلها .
و يمكننا تحليل ديوان البحث عن نيرمانا من خلال ثلاث تيمات هي :
أولا : التوحد بنيرمانا داخل الذات ، و خارجها .
ثانيا : تعدد صور نيرمانا .
ثالثا : البحث المستمر عن الكينونة .
أولا : التوحد بنيرمانا :
تلج نيرمانا الصوت المتكلم ، أو هي هويته الشعرية الأخرى . هل نبعت نيرمانا من الوعي ؟ أم أنها فاعلية إبداعية غير مرئية تعيد تشكيل الذات من منظور شعري ؟
نستطيع القبض على دال نيرمانا في الديوان في تلك اللحظة التي يسخر فيها الشعر من حتميات الواقع ، أو المرجع الشخصي .
يقول :
" كانت نيرمانا جالسة في المقعد الخلفي / رغم عدم حصولي على الرخصة / شعرت بسعادة لا توصف / لأنني تمرنت على قيادة ذاتي / في المشاوير الاستثنائية " .
تتخذ نيرمانا موقع الأصل هنا رغم هامشيتها ؛ فهي الوجود الشعري للمتكلم ، أو حالة الاستثناء التي نعاينها في الديوان كأنها أصل متغير . نيرمانا تؤول العالم الداخلي في سياق الشاعرية الخارجية ؛ فالفضاء / السيارة - اكتسب طاقتها المجازية ، و من ثم بزغ الصوت في حضور آخر .
و قد يتحد الشاعر بطاقة نيرمانا حتى يتوقف وجوده على الاتحاد العضوي ، و الخيالي بها ؛ و من ثم تتشكل هويته المجازية في عملية الانتشار النصي – الكوني المقترنة بها .
يقول :
" و ظهرت نيرمانا ستة ملايين مرة / لأنها – ببساطة – الأعداد الطبيعية كلها / و غير الطبيعية / باستثناء الصفر / الذي هو أنا بدونها " .
يكتشف الشاعر هنا خاصية التضاعف اللعبي / الشعري المميزة لنيرمانا ؛ فهي الرقم ، و الدال ، و المرجع في حالته الاستعارية ، و هي طاقة تحول الذات / الصفر إلى موجود مضاف لهذا التراكم المجازي ، أو أي مرجع محتمل لها .
ثانيا : تعدد صور نيرمانا :
تتعدد المجالات التكوينية ، أو الفضاءات التي توجد بها نيرمانا ، أو تهيمن عليها ، أو تنبثق منها ؛ فدال نيرمانا في حالة انحراف عن اكتمال الحضور دائما ؛ و لهذا اختار الشاعر لها أسماء عديدة ؛ مثل نيرمانا ، و نونا ، و نيرفانا ، و نيرميتا و غيرها .
إننا نعاين صور نيرمانا ، و دلالاتها في السياقات الإنسانية ، و الكونية ، و النصية من خلال تجليات إبداعية فريدة ، تؤكد شاعرية الوجود .
و يستعيد شريف الشافعي نيرمانا كثيرا في سياق تكنولوجي ؛ إذ يعيد اكتشاف وعي المتكلم من في سياق استبدال دوال الكمبيوتر ، و آليته ، و ارتباطاته الشرطية لمكونات الذاكرة ، و الانفعالات ، بحيث تبدو الدوال الآلية في حالة لعب من جهة ، و يبرز المتكلم كتابع لفاعلية نيرمانا الإبداعية في السياق التكنولوجي من جهة أخرى .
يقول :
" لم تكتف نيرميتا بتنشيط الملفات المرئية / في أقراصي الصلبة و المرنة / لكنها نشطت أيضا الملفات المخفاة / و الملفات الملقاة منذ زمن في سلة المهملات / نشطت أيضا غددي العرقية "
نيرمانا هنا هي طاقة الحياة في الجسد ، و الخلايا ، أو هي وهج الذاكرة ؛ فهي تتوحد بصوت المتكلم ، و ماديته ، و كذلك تقوم بمحاكاة إبداعية للتنشيط الآلي في الكمبيوتر ؛ إذ تفجر حضور الملف / الشعور ، أو الإدراك ، وتنتجه كقراءة متجددة لصوت الشاعر ، و هويته .
و قد تنقلب الآلية على حتميات البرمجة عندما تختلط بالتوحد المتعالي بنيرمانا ؛ فيصير مدلول التبعية إغواء مجازيا لانهائيا باتجاه تكرار الحضور الإبداعي المتغير لتكوين الشاعر ، و الأنثى .
يقول :
" القانون صفر الذي وضعته لي نيرفانا / ووافقت عليه غير مضطر ... / لا يجوز للشخص الوحيد الذي يؤمن بنيرفانا إيذاؤها ... / يجب على هذا الشخص إطاعة أوامر نيرفانا " .
القانون يؤسس لارتباط ، و حتمية مضادة لفكرة الهيمنة ؛ فهي تفاعل إبداعي يبدأ من طاقة غير محددة تلج العالم الداخلي للمتكلم ، ثم تعيد إنتاجه كموضوع جمالي مؤجل دائما مثل الحضور الأول لنيرمانا .
إن الحتمية في النص تبدو كوسيط مادي لقوة الارتباط الطيفي بين الدوال المجازية ، و صيرورتها اللاحتمية .
و قد تأتي نيرمانا في سياق كوني ، أو تتوحد بأخيلة الماء ؛ لتؤكد فكرة الاتساع في وعي ، و لا وعي المتكلم . إنها لحظة الاندماج الأولى بالعناصر ، و ما تحمله من مرح يتجاوز الاستسلام للحدود ، و الحتميات .
يقول :
" لا أزال بحاجة إلى ارتياد نونا / و الغوص في أنسجتها ببذلة الفضاء / ... علمتني الرقص الإيقاعي مع الأسماك / في قاع البحيرة / و قذف الصيادين بالقواقع الملغومة " .
هل هي نشوة العناصر قبل انفصالها عن الاتساع اللاواعي للتكوين ؟ أم أن الصوت الشعري يقيم احتفالية كونية بالرحابة الاستثنائية التي اقترنت بتعدد مجالات نيرمانا في الزمان ، و المكان ؟
إن نيرمانا تحاكي العناصر ، و الحالات الاستعارية ، و الغريزية ؛ لتبقى دون حدود من جهة ، و تؤول المتكلم في بكارة التكرار الشعري لتلك الحالات ؛ فهي تندمج بحالة الاختلاط بين الإيروس ، و العدوان كما يصفها فرويد ؛ فيلتبس التوحد بالغياب ، و الحب بأخيلة الموت ، و كأن هذا الاختلاط الغريزي يقع بشكل دائري دون نهاية للأنثى ، أو الشاعر .
يقول :
" ثورة مؤكدة سوف يقوم بها الجياع / عندما ألتهم نيرمانا / و لا يتبقى منها شيء / ثورة مؤكدة سوف تقوم بها السباع / عندما تلتهمني نيرمانا / و لا يتبقى مني شيء " .
و يشير دال الالتهام هنا إلى قوة الحب ، و اختلاطها الأصلي بالتلاشي ، و الغياب ، و لكن الحدث يبدو متواترا ، و يرتبط شرطيا بالعناصر الطبيعية ، و الثقافية في العالم ؛ فهو جزء من دورات كونية تتعالى على الصوت الواحد .
هل انفجرت الاستعارة الغريزية ؟ أم تؤجل مثل التكوينات الجزئية حين تتخذ مظهر القصيدة ؟

و يتناص دال نيرفانا مع حالة النرفانا التي ارتبطت بفكر بوذا ؛ فنيرمانا هنا ترتبط بالغياب الروحي ، و الذوبان في المتكلم ، و العناصر الكونية . إنها الامتداد الطيفي للغياب بوصفه حضورا مستمرا ، و تأويلا للمتكلم ، و العالم .
يقول :
" بعد أن ترحل نيرفانا خلف الغيوم / ستبدأ – كما أتصور – غيبوبة الصباح و المساء / و ربما أفيق أنا من غيبوبتي " .
الاندماج الروحي بالعنصر الكوني ، أو بوعي المتكلم هو الأصل في تجليات نيرمانا ، و انحرافاتها ؛ فهي طاقة التلاشي لا التلاشي نفسه ؛ إذ تتجسد فيها مادة جديدة للغياب .
و قد تصير نيرمانا محاكاة للعمل الفني Artwork ، و ما يتجاوزه من تشبيهات تقع في نسيج الواقع ، أو السير الشخصية ؛ فهي القصيدة ، و القدرة التوليدية للمجاز خارجها في آن .
يقول :
" في اليوم التالي / ذهبت إلى المسرح اليوناني الروماني / نيرمانا هي بطلة العرض وحدها كما علمت / الغزو المباح هو عنوان المسرحية / لم تكتف نيرمانا باحتلال خلايا جسدي / بل تمكنت أيضا من سلب خبايا الروح " .
تقع نيرمانا في المقطع السابق بين الذات المتكلمة كفضاء إبداعي ، و المكان / المسرح ، و العمل الفني / المسرحية ، و كأنها تتجاوز الأبنية ، و تحاكيها ؛ لتعيد تكوينها خارج الاكتمال الذاتي ؛ و من ثم أشار عنوان العمل الفني إلى الغزو ؛ ليفكك أي تطابق ممكن مع نيرمانا .
ثالثا : البحث المستمر عن الكينونة :
ثمة رغبة سرية لدى المتكلم في الإمساك بالكينونة المجازية ، و علاقتها المعقدة بالأنثى في الديوان ، و في الوقت نفسه ينفلت الوعي دائما من الهوية الخاصة باتجاه الانتشار النصي – الكوني للدوال ، و السياقات التي تجمعه بنيرمانا .
يقول :
" أنا اليوم تمنيت أن أنقسم ثنائيا كالأميبا آلاف المرات .. / أنا أكون بوجودك ، هكذا أفهم ، و لا تعنيني المسميات " .
إن الكينونة الإبداعية هي انشطار نيرمانا ، و الصوت وفق صيرورة التشبيهات ، و المجالات المولدة من التوحد المتغير بالآخر خارج الحتميات الانفصالية بين الدوال ، و الأصوات .
إن شريف الشافعي يطور الوعي من داخل التمرد ، و رفض الآلية المطلقة ، و من ثم تظل نيرمانا دالا للخروج ، و تفكيكا للعلاقات الآلية ، و تأويلا مجازيا لها .
يقول :
" صرت لا أقبل أن أوصف بالآلة / ربما لأن أهم تعليمات نيرمانا / التي أحرص على اتباعها / ألا أحرص على اتباع أي تعليمات " .
لقد برز ضمير المتكلم في المقطع السابق ؛ ليؤكد تواتر بحثه عن الهوية ، و كأن البحث الإبداعي عن نيرمانا ، أو الكينونة المؤجلة هو بحد ذاته الممثل للصوت الشعري .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث