الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العربية والتنمية

فؤاد بوعلي

2010 / 5 / 23
الادارة و الاقتصاد


ما فتئت المؤسسات الدولية والعربية والوطنية تصدر التقارير تلو الأخرى حول التنمية البشرية في العالم العربي. وفي كل مرة نصطدم بالمكون اللغوي كعنصر تحديد لمستوى الرقي الحضاري والمعرفي. ففي تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني (2003) نجد تأكيدا على أن اللغة "هي الآلة التي ندرك بها العالم من حولنا، وهي الأداة التي نعبر بها عن هويتنا الفردية والاجتماعية. وبهذا المعنى تشخص اللغة، بما هي فاعل جوهري، في بعث الحيوية وتجسيد مناحي الإبداع في شتى وجوه المنظومة الثقافية في مجتمع المعرفة. واللغة محورية في تقانة المعلومات وذكائها الاصطناعي، كما أنها الوسيلة التي تستخدمها جملة قطاعات المعرفة الإنسانية، والقاعدة التي تؤسس مهارات التواصل الإنساني. وفضلا عن ذلك كله، فإنها ضرورية لعالم المال والتجارة والسيطرة السياسية والإيديولوجية والإعلامية". ليصل بعد تشخيص الواقع اللغوي العربي وأسباب الأزمة ـ كما يزعم ـ إلى ضرورة مواجهة الإعصار المعلوماتي المتدفق باستحداث وسائل برمجية جديدة مبتكرة لمعالجة النصوص ولزيادة فاعلية النفاذ إلى المعرفة، سواء أكانت هذه المعرفة مصاغة باللغة العربية أم بلغات أخرى .
نفس الموقف يعبر عنه تقرير المعرفة العربي للعام 2009 نحو تواصل معرفي منتج حين يقر بأن التحدي الذي تفرضه تقنيات المعلومات على المجتمع العربي هوية ولسانا يجعل وضع العربية في العالم العربي مميزة بالقصور وعجز الوسائط اللغوية ليستجمع الكل في غياب استراتيجية لغوية حقيقية ومعلنة .
هذه التقارير ، وغيرها كثير، تؤسس رؤيتها على الارتباط بين العربية كلغة تداول أساسية ومجتمع المعرفة . وبتعبير الدكتور علي القاسمي : {إن النظريات الاقتصادية الحديثة تؤكّد أن التنمية البشرية لم تعُد تتوقف على وجود مجتمع زراعي أو مجتمع صناعي، وإنما على إيجاد " مجتمع المعرفة " الذي يمتلك المعلومات العلمية والتقنية ويوظّفها في الإنتاج والخدمات والإدارة، فيمتاز بالتنويع الاقتصادي، وتتكاثر فيه فرص العمل، ويرتفع عنده دخل الفرد. ومجتمع المعرفة لا يكون كذلك إلا بلغة حمالة للمعرفة}. ولذا تقر جميع التقارير بوجود أزمة حقيقية في اقتراب اللسان العربي من فضاء المعرفة الحديثة بتوصيف الأزمة في مستويات ثلاثة : التعليم والأنترنت والبحث العلمي. فولوج مجتمع المعرفة لا يتم إلا من خلال تعليم راشد منتج وجيد، وتقنيات معلوماتية راقية، وإبداع علمي غزير. بكل بساطة هو الانتقال بالعربية نحو عالم السوق والإدارة والمعرفة الحداثية.
لكن السؤال الواجب طرحه في هذا المجال هو: عن أي شكل تنموي نتحدث؟ وهل العربية قادرة على مواكبة مجتمع المعرفة المنشود؟
يحلو لكثير من المتغربين أو دعاة الخصوصية الربط بين أزمة المجتمع ولغته باعتباره متمسكا بلغة جامدة قيدت في مدونات أهل البيداء ومازال البعض يعتبرها لغته الأساس . لكن الواقع الحضاري للأمم والشعوب أثبت أن التنمية لا يمكنها أن تتحقق بغير لغة وطنية /مواطنة. فوطنيتها تكتسبها من تراكم حضاري واعتراف مؤسساتي وتواصل رسمي استقر في المشترك الجمعي. تمتحها من خلال اعتبارها لغة تداول وسوق وتقنية . وقد اكتسبت العربية في التجربة التراثية مناعة مكنتها من النفاذ إلى كل ميادين العلم حتى غدت معاجمها مكتنزة باصطلاحات وبنية مفرداتية غنية وقابلة للتوظيف . كما استطاعت مؤسسات التعريب والترجمة أن تراكم قدرا مهما من المفاهيم المنقولة إلى فضاء العربية والمستفيدة من واقع التجربة المعيشة. فما الذي ينقص إذن ؟ الذي ينقص هو إرادة سياسية حقيقية في جعل العربية بوابة المجتمع المعرفي المنشود وذلك عبر مستويات متداخلة المسؤوليات :
أولا من خلال ترشيد البحث العلمي في مجال العربية وعلومها وتنشيط الترجمة من وإلى العربية. ونعتقد أن إطلاق مشروع أكاديمية محمد السادس للغة العربية قد يساهم في هذا المجال .
ثانيا من خلال تعريب شامل وتدريجي للإدارة الوطنية وأسلاك التعليم المختلفة ونشر المعلومة عبر اللسان العربي الفصيح .
ثالثا إنتاج ترسانة قانونية تجعل العربية لغة التواصل الرسمي والمؤسساتي وتحافظ على وضعها التداولي .
بهذه الإجراءات المتوازية تستطيع العربية المساهمة الفعالة في توصيل المعرفة ونقل المجتمع المغربي نحو فضاء الحداثة والتقنية والسوق . يقول الدكتور الجابري: (من هذه الزاوية، زاوية توصيل المعرفة، يجب أن ننظر اليوم إلى مسألة التعريب. ... نحن لا نستطيع أن نتخيل أن الشعب المغربي سيصبح في يوم من الأيام شعبا يتكلم الفرنسية أو الإنجليزية! .نحن إذن أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن نعرب التعليم وإما أن نفرنس الشعب! ).
إن ما نشهده اليوم في عالم التواصل الإعلامي والمدرسي يوحي بأن العربية قد انتقلت في خطاب صناع القرار السياسي إلى لغة على هامش التنمية. فغدا خطاب التنمية موجها بآليات غير عربية. ويكفي أن نستدل على ذلك بما تعانيه العربية في التعليم التقني والعلمي الذي يخرج أفواجا من المسؤولين عن إدارة الاقتصاد المغربي. إذ يبدو أن عالم المهن والتقنيات يحكمه منطق آخر، غير منطق التربية والتأهيل وإنما منطق السوق والحاجة. فالذي يحكم التوجه السياسي هو منطق نفعي/ ربحي يغيب كل مرتكزات الهوية
فإلى متى هذا الإجحاف والإهمال ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج


.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع