الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجماهير وإغتيال حقوق الإنسان

خالد الكيلاني

2010 / 5 / 24
حقوق الانسان


مرت سنوات طويلة منذ قيام الثورة الفرنسية التى أقرت قيم الحق والعدالة والمساواة ، وقبلها كانت نظرية العقد الإجتماعى التى تحدد العلاقة بين الحكام والمحكومين وتنظمها والتى إستقرت على يد جان جاك روسو .
وساهم إنتقال أوربا من العصر الإقطاعى إلى العصر الصناعى وثورة العمال ثم الزنوج فى أمريكا فى ترسيخ تلك المبادىء التى أصبحت فيما بعد الأسس التى قامت عليها مواثيق وعهود حقوق الإنسان حيث خرج للنور أول ميثاق دولى لحقوق الإنسان فى العالم عن الأمم المتحدة فى 10 ديسمبر عام 1948.
وفى عالمنا العربى فإن مفاهيم حقوق الإنسان تأخرت – كالعادة – فى الوصول إلينا، وإن كانت إرهاصاتها النظرية قد بدأت على يد بعض الكتاب والصحفيين فى ستينيات القرن الماضي، ولكن المسألة لم تترسخ كمنظمات لحقوق الإنسان إلا فى عقد الثمانينيات من القرن العشرين حين أنشأت أول منظمات لحقوق الإنسان فى العالم العربى فى كل من مصر ولبنان والمغرب والبحرين وتونس. ولم يكن الطريق لإنشاء تلك المنظمات معبدا أو مفروشا بالورود بل قاومت الحكومات والأنظمة العربية بالقانون تارة وبالتعنت البيروقراطى تارة أخرى، وبالقمع مرات كثيرة قيام منظمات لحقوق الإنسان فى بلدانها، إلا أن ضغوط العديد من الشرفاء من الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والعولمة وما أتت به من تدخلات وضغوط الخارج على دول العالم الثالث للأخذ بمفاهيم حقوق الإنسان .. كل ذلك أدى الى أن أصبحت مفاهيم حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية لعدد كبير من بلدان الوطن العربى، وإنتشرت العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان فيها، وأنشأت في عدد منها وزارات لحقوق الإنسان ( المملكة المغربية كمثال )، وفى عدد آخر هيئات ومجالس ذات طابع استشارى تعنى بقضايا حقوق الإنسان وأصبحت حقوق الإنسان مواد تدرس فى الجامعات والمعاهد وخصصت لها لجان فى البرلمانات والوزارات والمنظمات الإقليمية ( جامعة الدول العربية كمثال ).
كل ذلك جميل ومحمود ... ولكن بعد كل هذه السنوات الطويلة هل ترسخت مفاهيم حقوق الإنسان لدى المواطن العربى نفسه؟!!، ذلك المواطن الذى هو المستفيد الأول من ترسيخ تلك المفاهيم وسيادتها فى المجتمع ليواجه بها عسف وقمع الأنظمة العربية الحاكمة وسلطاتها الغاشمة في الأمن والحكومة والقضاء. فانتشار وسيادة مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان تحمى المواطن الضعيف من بطش وجور أجهزة الأمن فى الأقسام والسجون، ومن بطش القوانين فى المحاكم ودهاليز البيروقراطية فى دواوين الحكومة ... للأسف فإن معظم المواطنين فى عدد كبير من بلداننا العربية أبعد ما يكونون عن مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان وليس أدل على ذلك سوى ما حدث للمواطن المصرى قتيل قرية " كترمايا " اللبنانية في الشهر الماضي، فهذا العامل المصرى المسكين الذى كان يعمل فى لبنن تم اتهامه في جريمة قتل وقعت على أسرة فى هذه القرية، وقدمته سلطات الأمن للنيابة العامة اللبنانية للتحقيق معه والتي كان من ضرورات تحقيقاتها أن تصحب المتهم فى حراسة الشرطة إلى القرية التي وقعت بها تلك الجريمة النكراء ليعيد تمثيل الجريمة حتى يتبين للمحقق بجلاء ما إذا كان هذا المتهم هو نفسه الذى إرتكب الجريمة التى قيل أنه إعترف بها أم أنه لم يرتكبها وأن إعترافاته كانت وليدة إكراه مادى أو معنوى تعرض له في مقار أجهزة الأمن ... إلى هنا وكل شىء طبيعي وعادي، فهناك جريمة قد وقعت، وأجهزة الشرطة والبحث الجنائى قدمت شخصا ما على أنه مرتكب لتلك الجريمة، والنيابة العامة بدأت التحقيق وإذا ما توصلت إلى ثمة أدلة تفيد بإرتكاب المتهم لتلك الجريمة فإنها سوف تقدمه للقضاء لتبدأ المحكمة فى التحقيق من جديد فى الواقعة حتى إذا ما تيقنت من ثبوت إرتكاب المتهم للجريمة حكمت عليه بالعقوبة التى تتناسب معها، ثم بعد ذلك يكون له – للمتهم – حق إستئناف أو نقض هذا الحكم حسب الأحوال لتعاد محاكمته مرة أخرى فربما أخطأت المكمة الأولى فى الحكم على المتهم، وبعد إستنفاد كل درجات التقاضى وبعد أن يصبح الحكم الأخير الصادر على المتهم من أعلى درجة قضائية باتاً ونهائياً ... يمكن وقتها القول أن هذا المتهم هو مرتكب تلك الجريمة.
وبديهيات العدالة ومبادىء حقوق الإنسان تقول أن هذا المتهم فى كل مراحل الإتهام والتحقيق والمحاكمة هو إنسان برىء حتى تثبت إدانته بحكم قضائى نهائى لا يقبل الطعن فيه. ورغم كل هذه البديهيات فالذى حدث أن بعض أهالي القرية التي وقعت بها الجريمة إستنفروا بقية سكانها عن بكرة أبيهم عندما أحضرت النيابة العامة المتهم لتمثيل الجريمة وقاموا بإختطافه من أيدى حراسه وسحله ثم قتله طعنا بالأسلحة البيضاء والعصى فى وحشية لم نر لها مثيلا فى القرون الوسطى، وتعليقه كالذبيحة على أحد أعمدة الكهرباء والتقاط الصور التذكارية بجوار جثته !!.
لقد جعل أهالى قرية ( كترمايا ) اللبنانية من أنفسهم القاضى والجلاد ... وإغتصبوا من الدولة سلطات الإتهام والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ، وحكموا على المتهم الذى مازال بريئا - طبقا لبديهيات القانون ومبادئ العدالة ومفاهيم حقوق الإنسان - بالإعدام بعد أن قرروا أنه هو المتهم مرتكب الجريمة وأن قتله سحلا بهذه الطريقة الوحشية هى العقوبة المناسبة لجريمته!! فى أبشع إغتيال عرفته البشرية فى عصرها الحديث لمبادىء العدالة وثقافة حقوق الإنسان. والغريب أن هذا الاغتيال تم على أيدي جماهير هي أحوج ما تكون لتلك المبادىء وهذه الثقافة!!.

(هذا المقال سوف ينشر في مجلة نشطاء- مجلة غير دورية تصدر شهرياً عن البرنامج العربي لنشطاء حقوق الانسان - بعددها الذي سوف يصدر نهاية الشهر الحالي)...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | متطوعة سعودية تلفت الأنظار.. ولاجئون يسمون مو


.. الترحيل إلى رواندا.. هواجس تطارد المهاجرين شمال فرنسا الراغب




.. نشرة الرابعة | النواب البحريني يؤكد على استقلال القضاء.. وجه


.. لحظة استهــ ــداف دبـ ـابة إسرائيلية لخيام النازحين في منطقة




.. عشرات المستوطنين يعتدون على مقر -الأونروا- بالقدس وسط حماية