الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة من جاسم المطير إلى فخامة الرئيس مسعود البارزاني

جاسم المطير

2010 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



أولا ، لا بد من أن أقول لكم ، أنني ما كتبت رسالة شخصية إلى أي حاكم عراقي عن شرائع لا يحميها جنده أو أجهزته ، لأنني واثق أن في جميع أنظمة الحكم العراقية منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 حتى يوم سقوط الدكتاتور صدام حسين لم يوجد الحاكم القادر على توفير الأمن والطمأنينة للمواطنين أو تفعيلها على نطاق المجتمع . كان كل حاكم في العراق لا يقبل حوارا إلا مع نفسه وان علاقته مع الأدباء والصحفيين تقوم على نفس فهمه لــ(علاقة الجند بالدولة) لذلك لا أجد ، والله ، أية متعة في الحديث مع كثير من القادة والمسئولين الحكوميين لأنني اعتقد أن الحديث معهم لا يجدي نفعا .
اليوم قررتُ أن أحطم وعاء عادتي هذه . وبكل مظاهر الاحترام والتهذيب أتوجه لكم برسالتي هذه عسى أن أجد عندكم ملاذا ظليلا ينصف عينين قريرتين سعيدتين ليستا مغمضتين في قبر سردشت عثمان ترنوان معي إليكم لكي لا تصفحوا عن اليد الآثمة التي صوبت رصاصاتها الست بضراوة إلى الشاب المبتسم في كردستان سردشت عثمان . أنني ، أيها السيد الرئيس ، ما زلت اسمع في أذني صراخ النساء الكرديات الفاقدات لأولادهن في أيام حكم صدام حسين ، وما زلت أرى ذلك الشعاع ، الذي كان يتفجر من ظلمات سجون الأمن العامة والمخابرات والمقابر الجماعية وهو يبعث في القلوب المضنية بالكفاح والتضحية أمالا كبرى بانتصار (الحق) على (الباطل) ، بانتصار (المظلوم) على (الظالم) . لذلك تراءت لي ، اليوم ، أشياء كثيرة دفعتني لتوجيه هذه الرسالة إليكم ثقة مني بأنكم ، حتما ، ستولون أهمية نسبية لروح ِ إنسان ٍ ذهبت في هوة الموت في يوم ٍ قاحل ٍ من أيام كردستان حين صرخت والدة الطالب الجامعي الصحفي سردشت عثمان ولم يهفو لصرختها أي صوت مسئول في الحكومة الكردية، حتى الآن.
أيها السيد الرئيس مسعود :
لأنني من ممارسي النقد الأدبي ومتابعيه بكل صنوفه ، لدي الكثير من الدراسات في هذا الصدد ، اشهد أمامكم للشاب الصحفي سردشت عثمان بعد قراءتي لبعض مقالاته في أعقاب اغتياله أنني وجدت فيها ميزة تدل على نضج أسلوب أدبي معين ، مبهر ومثير . كما تتميز مقالاته بالجدية والحيوية حيث تتضمن مزاجا تجديديا محرضا في الكتابة الصحفية – الأدبية . كان يبغي من وراء ذلك أن تكون مقالاته مترددة الصدى ، بسرعة ، في كل مكان ، بين الناس القراء والمسئولين القراء ، أيضا ، من أصحاب الشأن . لم أجد فيها أي فكرة أو موقف أو أسلوب يدل على العبث بحرية التعبير . ليس فيها أي مساس بالأخلاق والمسئولية ، بل فيها التزام بموقف نقدي صارم مناهض لكثير من الممارسات الخاطئة للسادة المسئولين في إقليم كردستان بما يتعلق ببناء علاقات إنسانية بين الحكام والمواطنين . نعم أن في المقال وجهات نظر جريئة حقا لكنها لا تعدو عن كونها مجرد ممارسة لتعبيرات عن أساليب صحفية – أدبية ليست سوى أساليب جديدة بديلة تؤكد عن قوة الثقة الذاتية في التأثير على المسئولين . لكن ، كما يبدو لي ، أن الأسلوب الأدبي الذي اتبعه سردشت في مقالاته كانت مستفيضة بنقد الواقع السلبي ومفعمة بحيوية التأثير الاغترابي في استكشاف أسلوب صحفي مميز يؤكد الإخلاص وصدق الطوية حسب اعتقاد كاتبه سردشت عثمان ، هو بكل الأحوال لم يحد عن جادة الفعل الصحفي القدير والنظيف . هذا الذوق الخاص في المقالة السردشتية ربما أثار نزعة (اللوم) لدى بعض المسئولين الكرد . كما انتقل ، بشكل انفعالي حاسم ، عنصر (الكبرياء السلطوي ) إلى عقول بعض المسئولين القادة في الأجهزة الكردستانية أو إلى بعض العقول الإرهابية المتحجرة أو إلى عقول معادين لكم ولحكومتكم ولمصالح الشعب الكردي ، الذين قرءوا المقالات السردشتية بمستوى قراءة بوليسية أو قراءة سلطوية أو قراءة حكومية أو قراءة روحية في عصابات المافيا الإرهابية المسلحة في كردستان مما دفعهم إلى فعل جمعي منظم لاغتيال هذا الصوت الشاب بقصد إبقاء أو إشاعة نزعة تجهيلية في صفوف الصحافة الكردية وجعلها عاجزة عن ممارسة دورها في صنع التاريخ الاجتماعي – السياسي الجديد للشعب الكردي .
من هنا وجدت نفسي مضطرا لأن أكون محرضا لفخامتكم حول هذا الموضوع ،الأثير لدى كل مناضل ، لكي يملأ قلبكم شعور الحياة والفضول كي تكشفوا بشجاعة المناضل الحق وتحت الشمس مباشرة نتائج التحقيق في جريمة اختطاف واغتيال هذا الشاب الأديب ، الذي استطاع أن يفتح بابا رمزيا بين واقع السياسة وبين المدلول الصحافي فيما يؤرقه من معاناة أبناء شعبه دافعا إياه إلى الكتابة بمنهج المقامة العربية الشعبية ، مقامة بديع الزمان الهمذاني التي قال عنها التنويري الأمام محمد عبده : (عاث بها النساخ بما أفسد المبنى وغيــّر المعنى مع زيادات تضر بالأصول وتذهب بالذهن عن المعقول، ونقص يُهزّع الأساليب وينقض بنيان التراكيب، فالناظر فيها إن كان ضعيفاً ضل وحار، وإن كان عرّيفاً لم يأمن العثار..) .
بكل ما أوتيت من قوة أقول : أن جميع الاتهامات الموجهة إليكم والى الدائرة المحيطة بكم من حمايتكم وأهاليكم وأصدقائكم هي اتهامات ظالمة ومعادية لكرامتكم رغم أنكم شخصيا يا فخامة الرئيس لم تدلو شيئا بالحوار الدائر حول تلك الجريمة ، ورغم أنكم شخصيا تبدون متحفظين صامتين ، لكن ثقتي باقية بكم وبضرورة التدخل القضائي العادل والمستقل ، لأن في عينيكم ، كما أرى ، نظرة صارمة لا بد أن تكشف ، سريعا ، بيوم قريب ، كل تفاصيل جهود وجريمة شبكة العاملين باختطاف مواطنكم ، الضحية سردشت عثمان ، من أمام الحرم الجامعي واغتياله ورمي جثته بعيدا عن مكان الجريمة ، مما يعني أن المجرمين لم يقوموا بفعلتهم النكراء ارتجالا ، بل تخللها تخطيط درامي ، فيه الكثير من نوع الإخراج الدرامي ، السينمائي والمسرحي ، بل أقول الحقيقة أن المجرمين لم يعتريهم أي خوف لأنهم على ثقة أن الأعماق البوليسية والقيادية في كردستان سوف لن تصل عيونها إليهم . كما أقول لكم ، بصريح العبارة ، أن الكثير من متتبعي هذا الاغتيال ، داخل العراق وخارجه ، بل حتى في الأوساط الصحفية الأجنبية يعتقدون أن هناك شيئا مشتركا بين المجرمين والبوليس . هذا الشيء المشترك يضع المواقف السياسية القامعة للأصوات الصحفية فوق كل مصلحة كردية . وقد يقال ، مهموسا أحيانا وعلنا في أحيان أخرى ، أن ليس اختلافات الرأي بين سياسيي كردستان كانت وراء اغتيال الصحفي سردشت ، بل التحدي المبهم الذي لا يتضمن مذهبا معقولا ولا أسبابا معقولة غير الانفعال الفردي المفضي إلى فكرة الانتقام الفردية .
بعض الأصوات ، الخفيضة وغير الخفيضة ، وكثير من المثقفين أصابهم الأرق حين اعتقدوا أن الوافد الجديد لإقلاق حال الاستقرار الأمني الكردستاني قد جاء محفوفا بالغضب الشخصي من فخافتكم إذ ربما تظنون أو تتصورون أن المقالات السردشتية التي تميزت بصدق المنطق والموضوع حين استخدم كاتبها أسلوبا رمزيا قد مسكم أو مس كرامة ابنتكم فتحول الموضوع بنظر بعض المحرضين إلى نموذج من نماذج ا(لكتابة الشريرة ) وهي ليست كذلك ، لا من قريب ولا من بعيد ، من وجهة نظر الأدب الواقعي والرمزي ومن وجهة نظر الضمير الصحفي ، أيضا .
أقول لكم ، أيها السيد الرئيس ، أن المقالات السردشتية ليس فيها أية شرور أو أية إساءة لشخصكم الكريم على الإطلاق . لقد استخدم كاتبها نصا صحفيا – أدبيا متميزا في الكتابة الناصحة للسلطان من خلال غزارة الرمز الأدبي لتذكير الرجل الحاكم بأن محكوميه مظلومون . كان سردشت عثمان يظن أنكم ستستجيبون لضمير كلمته بحماس باعتباركم رئيسا لإقليم كردستان ، كي يعلو صوتكم الكريم ، كالشهب اللامعة على جميع أصوات كل من يريد الإساءة لواقع نضال الشعب الكردستاني من اجل توفير الحق والعدل .
أنا ، أيها السيد الرئيس ، أظن كما كنت طوال عمري أن ( الحق والعدل ) في العراق كله هو معدن نفيس ، نادر وقليل ، في القضايا العراقية وقد كان (الحق والعدل) في الزمان العراقي كله ملك بيد الخاصة من الناس بينما العامة من الناس محرومين منهما .
لكي لا يعتري الصدأ قضية اختطاف وقتل سردشت عثمان فأنني انتظر منكم ، يا سيادة الرئيس مسعود البارزاني ، أن يتحقق توتركم من هذه القضية وان يكون جهدكم منصبا على معاقبة الجلادين المجرمين ، ففي مثل هذا الجهد انتصار للحق والعدل وتحقيق هدف مركزي من أهدافكم في تقوية دعائم القضاء المستقل ودعائم الديمقراطية في كردستان العراق . ليس من الصفات الملازمة لشخص الحاكم العصري العادل تحقيق الهيبة والوقار ، بل استقصاء كل أسباب ضياع (الحق والعدل) ورفع الظلم عن أبناء شعبه . أملي أن تتكرس جهودكم وأوامركم الرئاسية لتجلية كل ظلام يحيط بهذه الجريمة .
ختاما أقول : لو كان الحق والعدل زهرة صغيرة ، حمراء وعذبة ، لقطفتها من غصنها في لاهاي عاصمة الحق والعدل لأنوّط بها قبر شهيد المقامة الكردستانية سردشت عثمان .
تقبلوا تحياتي واحترامي لكم ، أيها السيد الرئيس ، مقرونة بدموع الألم الصافية على عراق يتعذب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 24 – 5 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أؤيد الكاتب
ملفان الباشا ( 2010 / 5 / 24 - 22:27 )
الأخ جاسم

أضم صوتي لصوتك ولأصوات بقيه الخيرين ونطالب حكومه الأقليم الكوردي الفتي بأن تكون أكثر تسامحاً مع النفد فهو السبيل الى بناء وترسيخ الديمقراطيه.


2 - تحية لجاسم المطير
ابو علقم ( 2010 / 5 / 24 - 23:27 )
عرب وين تنبورة وين


3 - عصفور كفل زرور واثنينهم طيارة
عبد الحسين سلمان ( 2010 / 5 / 25 - 02:39 )
الاستاذ جاسم المحترم
نضم صوتنا معك
لكن كما قال العرب قديما : انت كمن يستجير بالنار من الرمضاء
وكما قال اهل السواد يوما : حاميها حراميها
وكما قال اهل الاهوار يوما: لا تطلب الحاجات الا من اهلها
وكما علمنا شارع المتنبي يوما ما : عصفور كفل زرور واثنينهم طيارة
والعمر المديد لك


4 - عصفور كفل زرزور
قارئ ( 2010 / 5 / 25 - 07:16 )
تحية لك ايها الكاتب الرائع جاسم المطير الاحرى بنا ان نسائل السيد مسعود البارزاني كيف يغمض لك جفن وانت تتذكر جيدا اباك عندما قتل ماركريت بتلفيق تهمة لها وهي البريئة فلا زالت في في ذاكرة المخلصين ولن ينسوها وسياءتي يوم توضيح الحقائق


5 - ساعي البريد تعب ياجاسم
محمد الرديني ( 2010 / 5 / 25 - 10:56 )
والله اتعبت ساعي البريد ياجاسم بكثرة الرسائل التي تبعثها الى فخامات القادة اصحاب السمو والوزراء ومن ناب عنهم حفظهم الله واسمنهم فسيح جناته
وقد همس لي ساعي البريد مؤخرا انه لولا كلمتك التي تختم فيها ظرف الرسالة والتي تقول فيها شكرا لساعي البريد لما اهتم بتوصيلها رغم انه يعرف تمام المعرفة ان هؤلاء القيادات الذين كتبت لهم ليس لديهم الوقت ليحكوا روؤسهم فكيف يقرأون رسالة من 100 كلمة

اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة