الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاجعة احمد مزبان... مصيبة صديق، ام مأساة وطن؟؟!

رزاق عبود

2010 / 5 / 25
الادب والفن


فاجعة احمد مزبان... مصيبة صديق، ام مأساة وطن؟!
ابادة السلطات العراقية للعراقيين عبر شبكة خطوط كهربائها العنكبوتية!

اثنان وثلاتون عاما منذ ان فارقته، ابتعدت عنه، اضطررت ان لا التقيه. سنوات طوال، ونحن نتبادل الاماني، والاحلام، والامال. سنوات قاسية، ونحن نترجى اللقاء الجميل. عندما سمحت الظروف، صرنا نتبادل الاحاديث، والتحايا، والاخبار، والافكار عبر التلفون، او الانترنيت، او رسائل شفوية من الاهل والاصدقاء. سنوات، وانا اضع اسمه على راس قائمة من سازورهم اولا. عرفت انه قاسى، وتعذب، وتالم! اعتقل، وسجن، وطورد، وحورب في رزقه، بل حاصروه في بيته. منعوه حتى من ممارسة هواياته الرياضية المحببة. سمعت انه شبه مقعد نتيجة لما عاناه، وعائلته نفسيا، وجسديا ايام الحكم الفاشي الصدامي.

وحانت الفرصة، والتقيته، ولم اصدق انني التقيه! لم يكن ذلك النابض، المرح، الحرك، النشط. ذلك الدينمو الدائم للحيوية، والانطلاق، والاقدام في ساحة القدم، او كرة السلة، او أي لعبة رياضية يمارسها! جائني شبه كسيح، وذكرني بما قاله لي مرة تعبيرا عن اخلاصه، ووفائه لايام الصبا، والشباب، والصداقة، والرفقة، ومسيرة عمر، وعمل، وزمالة فريق، وابن محلة أبي: "اجيك امشي على ايدي گبل رجلي"! وفعلها، جائني بعكازة. يمشي على ثلاثة، كما يحلو له ان يسخر بحرقة! لم اصدق! تصورته يمزح، او يبالغ، او ان تواضعه الجم يجعله يقول ذلك! لكنه جاء! وشعرت بالذنب الحاد. نفس الشعورالذي انتابني، وانا اغادر العراق دون كلمة، ولا وداع. انتحبنا كالاطفال. غسلت دموعنا ادران الزمن. كانت فرحة اللقاء لا توصف. حضان الاحبة يتكرر، ويتجدد، وقبلات الشوق ترتسم على الجباه، والخدود، والرؤوس.

وغادرنا، على امل اللقاء ثانية، لكنه اصر رغم تاخر الوقت: "تعال تعرف على ابنتي، وابني، وحفيدتي"! هرعت البنت تصافح عمها، الذي سمعت عنه الكثير كما قالت برقة، وادب. التقيت الملائكة في جنة احمد مزبان. بعد يوم زرته بلا موعد، هكذا، كما كنا شبابا. كانت الملائكة حاضرة: لبنى، حسان، الحفيدة فاطمة، والابن الاكبر المؤدب ايمن، وزوجته الوديعة. التقيتهم بسرعة، فانا اعرف انشغاله كمدرس. واتقفنا ان نلتقي من جديد. انتظرت يومان، كي يتصل، فانها نهاية الاسبوع. لم يفعل، استغربت، قلقت، لكني فضلت الانتظار. في اليوم الثالث، في وقت متأخر رن تلفون احدهم وقال: هناك من يبحث عنك! وبدل صوت احمد سمعت من يقول بصوت يهدج: الم تسمع؟ الم يخبرك احد؟ وحدثني عن المصيبة. لم اصدق، لم استوعب، فقدت توازني، خرجت اركض الى بيتهم القريب. كانت الساعة قد تعدت العاشرة ليلا. لم يكن احدا هناك.البيت اظلم، كئيب.اثار حريق في ظلمة قاتمة. جنة تحولت الى محرقة. بيت صار مقبرة.لافتة سوداء حسمت الشك باليقين. اسماء الملائكة تنعاهم قطعة قماش سوداء. لطمت على رأسي، صرخت، تاوهت بحرقة، ضاقت انفاسي. خاف مرافقي على وضعي الصحي مقدرا مشاعري، وحيرتي، وقسوة الخسارة، وحجم المصاب، وقوة الصدمة. لم انم ليلتي، لا اعرف اين اتجه، ولا اعرف له مكان. انتظرت الصباح لاهرع لصديقي، حبيبي، رفيقي احمد مزبان.

في مجلس الفاتحة جلس ذلك الاستاذ الجليل محاطا بالاقارب، والاصدقاء، والمعارف، وما اكثرهم! ورغم انه كان اليوم الثالث لمجلس الفاتحة كان الجامع مزدحما بالمعزين. ذهول عجيب لخبرغريب! كيف يمكن لنيران ان تحرق الانوار؟ كيف يسمح القدر باختطاف الارواح البريئة؟ كيف تسافر الاجساد الغضة في سفينة الموت القاسية؟ كيف تحترق الزهور؟ كيف، ولماذا تغتصب الحياة، وقد بدأت لتوها؟ لماذا تؤد الملائكة؟
رغم محنته، وفاجعته، ومصيبته، وهول، وفداحة مصابه جلس يحدثني عن حالات مماثلة! شعر بفطنته، ان الصدمة افقدتني تماسكي. فهم، ان المصاب غيب توازني. ادرك انني الوع جزعا. بادرني بهمسة متوسلة: "خلوني متماسك"! حملني مسؤولية اضافة الى الكرب الذي اصابني. وانا اصرخ مع نفسي ليتني لم ارهم! حدثني عن عائلة اخرى فقدت اربعة، واخرى فقدت احد عشر شخصا! يحاول ان يخفف لوعته بمقارنتها مع الاخرين.

خطوط الكهرباء اللعينة تختطف الارواح، وكأن هذه المدينة المحطمة لم تشبع من مجالس العزاء، او تمل من ترديد سورة الفاتحة، او نحيب النساء، او حزن الرجال، اوتيتم الاطفال؟؟! ماذنب الطفلة فاطمة ذات الاربعة اشهر، ان تضيف اسمها قائمة اهمال الخدمات، وحرمان الناس من ابسط متطلبات الحياة اليومية؟؟! سبع سنوات، والبصرة في ظلام دامس. تعاني ضجيج المولدات، وروائح غازاتها القاتلة. لماذا تبنى صحراء دبي بسبع سنوات، ولا تعاد الكهرباء الى بيوت الناس في بصرة النخيل والبساتين؟ لماذا نتبجح بالحضارة، وخطوط الكهرباء العنكبوتية تلوث شوراع المدينة، وتشوه صورتها، وتصعق اهلها، وكأن الالغام الارضية، التي تقتل، وتعوق يوميا العشرات لا تكفي، فوضعوا الغاما في اجواء، وسقوف، واسطح البيوت، وسماءات الشوارع! كأنه لايكفي تلوث الاجواء، والمياه باثار الحروب والارهاب، فوضعوا الغاما سامة حتى في مياه الانابيب المنزلية تنشر الموت، والامراض، وتثير قرف المرأ بحياته.

احاطوك بالموت من كل مكان ايها البصري، ايها العراقي! ابتلاء شعب بساسة فاسدين، ومحنة وطن بحكام جاهلين، وحراس خائنين، ومسؤولين مرتشين. ورطة بشر يعيشون في ارض موهوبة لالهة الموت، والقتل، والحرائق، والقصف، والحروب، والتقاتل، والاختناق، والاحتراق، والتسمم، والامراض الغريبة العجيبة. اشعاعات لا يسلم منها الحديد فكيف اجساد البشر؟! هلي يخفف الالم، واللوعة، ان المصيبة عامة وشاملة؟ هل يشفي الجرح ان المصائب انواع؟ هل يجوز السكوت، لان هذه الحوادث تتكرر يوميا، وفي اكثر من مكان، وتدمر اكثر من بيت، وتفجع اكثر من عائلة؟؟! لماذا لا تنطفأ الكهرباء في بيوت المسؤولين؟؟! لماذا لاتتعرض عوائلهم لنفس المصاب والعذاب؟ لماذ لا تحترق قصور الحكام الفخمة؟؟!

لماذا كتب على احمد مزبان ان يحتفي بصديقه العائد بثلاثة قرابين بشرية؟ لماذا قتلوا فرحة اللقاء؟ لماذا منعونا من متعة الالتقاء، والحديث، وتبادل، الذكريات، واستعادة الايام المسروقة من حياة الصداقة؟! هل يعقل ان الناس تتحدث عن الموت، كما تتحدث عن الافلام، او الاغاني، اوالقصص العادية؟! هل يعقل، هل هو مقبول في ظل حكام العراق، والمدينة الجهلة، القساة ان يحاربوا الارهاب، ويمارسونه في نفس الوقت عبر زرع الغامهم في اسلاك الكهرباء، وانابيب المياه، وبث السموم في فضاءات، واجواء البلد؟ هل صار الانسان العراقي عامة، والبصري خاصة مجرد رقما باهتا في سجلات الموتى، او قصاصة في سلة المهملات، اوفضلات ترمى في اكوام المزابل؟! ان كل طفل، كل شاب، كل مسن، كل روح زهقت نتيجة الاهمال المتعمد، والمقصود، والمرسوم (جوع كلبك يتبعك) في توفير الخدمات، هي جريمة كبرى، يجب ان، يحاكم عليها المسؤولين وهي عبأ، اثمآ، ثقلا باعناقهم، يسحبهم الى اسفل درجات جهنم(ان امنوا بها) غير ماسوف عليهم.

ان مصيبة احمد مزبان ليست حالة منفردة، ولا وحيدة، ولا شاذة، بل هي جريمة مركبة، ومرتكبة من قبل المسؤولين الذين تخلوا عن واجباتهم، ونسوا ضمائرهم، وعهودهم، ووعودهم، بل شرفهم. فمن يتسبب في قتل طفل برئ واحد، فكيف بالمئات يوميا، لا يستحق ان يكون موظفا مسؤولا بل مجرما مطلوبا للعدالة. والامر يشمل مسؤولي الدولة العراقية من ابسط موظف الى اعلى بيروقراطي فاسد في هرم الدولة الطائفية المنخور.

لن يعيد كلامي هذا اطفال احمد مزبان، وزوجته، ولن يواسيهما في حزنهما، ولن يعوض خسارتهما، ولا يخفف من الامهما، او يعوض خسارتهما. لكن الاستمرار في السكوت على تقاعس، واهمال، وخطايا المسؤولين بحق المواطنين الابرياء، يعني، استمرار الجرائم، والضحايا، والخسائر، والحرائق، واخبار الموت حتى ينتهي اخر نفس في المدينة الحزينة، والعراق المنكوب.

رزاق عبود
16/5/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة


.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد




.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم


.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?




.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد