الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبعثر الحقل الاجتماعي وأزمة علاقة النقابي والسياسي

علي أوعسري

2010 / 5 / 27
الحركة العمالية والنقابية



1- أزمة علاقة النقابي والسياسي وإفلاس مقولة "الأكثر تمثيلية"
كان ملفتا للنظر هذه السنة خفوت حدة التظاهرات العمالية بمناسبة فاتح ماي، الشيء الذي دفع بنا إلى تناول المسألة النقابية من جديد بغية تحليل وتفكيك المشهد النقابي الوطني، ليس كما يتبدى، أو قل ليس كما يتمظهر في ذلك التصنيف الشائع بين الأكثر والأقل تمثيلية، بل باعتبار هذا المشهد فضاء من بين فضاءات أخرى تترابط وتتقاطع داخل الكل الاجتماعي بمستوياته السياسية والاقتصادية والإيديولوجية والثقافية المعقدة. لذا باتت أية محاولة لتشريح هذا المشهد، وفقا لذلك التصنيف الرسمي، عاجزة عن الإيفاء بغرض الوقوف على عمق ما يجري من حراك في الساحة الوطنية، سواء على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي.
وإذا كنا قد تناولنا سابقا المسألة النقابية بخلفيات فكرية وثقافية وإيديولوجية أبانت عن وجهة نظر معينة في تقديراتنا للوضع النقابي آنذاك، فانه من المؤكد أن تلك الخلفيات ليست هي هي اليوم بسبب من محاولاتنا الحثيثة والمستمرة لمطابقة رؤيتنا مع متطلبات الواقع وتحولاته الذي أفرز في سيرورته أزمة مجتمعية أرخت بضلالها ليس فقط على المستوى النقابي، بل على كافة واجهات العمل ذي الصلة بالشأن العام.
يتبدى اليوم أن الأطراف "الأكثر تمثيلية" تتسم بكونها مبعثرة، فمنها نقابات تدعي "استقلالية" النقابي عن السياسي، أو قل عن الحزبي على وجه الدقة، باعتبار ذلك - في نظرها - شكلا "ديمقراطيا حداثيا" في ممارسة العمل النقابي الذي ينبغي في مراحل تاريخية معينة أن ينفصل نسبيا عن السياسي الذي له مجاله الخاص، وأخرى مرتبطة ارتباطا واضحا ببعض الأحزاب السياسية باعتبار ذلك ضرورة من ضرورات العمل النقابي الذي لا يمكنه أن يحقق أهدافه إلا إذا كان مدعوما ومسنودا بالعمل السياسي الذي لا يمكن أن يكون إلا حزبيا.
فبين تبني أطروحة الفصل بين النقابي والسياسي لدى الأطراف الأولى، وبين واقع ممارساتها النقابية اللاديمقراطية، يتكشف مأزق تناقض هذه الأطراف مع ادعاءاتها وشعاراتها في الديمقراطية والاستقلالية والحداثة.... ذلك أن هذه النقابات ضلت، لردح من الزمن، لا تعقد مؤتمراتها ولا تغير قاداتها "التاريخيين الكاريزميين"، كما هو حال كل المركزيتين، الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اللتين تشكلان ملاذا آمنا لهؤلاء "الزعماء التاريخيين".... إن ديمومة هذه العناصر في مواقع القيادة ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة كثيفة من البيروقراطية والانتهازية و الرغبة في المحافظة على المصالح والمواقع عبر شبكة من العلاقات ذات طبيعة ما قبل رأسمالية.
مقابل ذلك، فان أطراف أخرى من دائرة "الأكثر تمثيلية" ترى في علاقة النقابي بالحزبي، ليس فقط علاقة عضوية جدلية مبررة وضرورية، بل علاقة قائمة على تبعية النقابي للحزبي ليس بالمعنى التنظيمي المباشر، بل بمعنى توجيه السياسي للفعل النقابي بحسب الضرورات الحزبية لكل مرحلة سياسية محددة، وبحسب مواقف كل طرف سياسي وموقعه من، وفي، الحكومة. لذا ترى النقابات المرتبطة بأحزاب "الأغلبية الحكومية" لا تتحرك، اجتماعيا، إلا وفق الضرورة السياسية التي تقتضيها مصالح تلك الأحزاب في تكريس تموقعاتها في الحكومة، وأيضا بحسب حاجاتها في تحسين نتائجها في الاستحقاقات الانتخابية.


إن الحاجة السياسية لهذه الأحزاب، والنابعة من ضرورات تحصين مواقعها الاجتماعية والسياسية، تدفع بها إلى توجيه هذه النقابات إلى الانخراط تارة في الفعل الاجتماعي ضدا على طرف من أطراف "الأغلبية الحكومية"، وتارة أخرى ممارسة نوع من الانتظارية دعما منها لطرف حزبي مرتبطة به وتابعة له. بهذا المعنى، أمكننا أن نفهم كيف أن الاتحاد العام للشغالين انخرط في تبني الخطاب الحكومي بوجه عام والخطاب "التعادلي" بوجه خاص، منذ تولي عباس الفاسي منصب الوزير الأول!. بمعنى مماثل، يمكننا كذلك أن نفهم لماذا الفيدرالية الديمقراطية للشغل تمارس نوعا من الازدواجية في فعلها الاجتماعي الذي ليس سوى تجليا صريحا لما سمى "المساندة النقدية" التي يمارسها الاتحاد الاشتراكي منذ انتخابات 7 شتنبر 2007.
إن الحوار الاجتماعي، في انحباسه أحيانا وفي استئنافه أحيانا أخرى، بين الحكومة والأطراف النقابية "الأكثر تمثيلية"، ليس يستند إلى ما يفرزه الحراك الاجتماعي في شيء، وإنما هو نتاج صراع وتهادن سياسيين يجريان، بداخل الأغلبية الحكومية، وأساسا بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال.
يفصح هذا التناحر بين المكونات الحكومية عن نفسه اليوم من خلال ما يجرى من حين إلى أخر من تلاسن بين الحزبين الأساسيين في "الأغلبية الحكومية"، أي بين الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، أما ذلك التلاسن فتجاوز كل حدود اللياقة لما خرج شباط يقذف في حق المهدي بنبركة خلال السنة الماضية، وهو ما اعتبرناه في حينه تصارعا حول مشروعية "وطنية" متجاوزة.
ثم إن هذا الصراع الدائر في الحقل الاجتماعي، بخلفيات سياسية، يزداد تعقيدا وضبابية بدخول مكونات أخرى على الخط، رغم عدم استنادها الى قوة نقابية واضحة المعالم، مثل حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي لم يكتف بتكتيكات سياسية وانتخابية وتنظيمية، بل حاول الدخول على خط الاجتماعي في بعديه النقابي والاحتجاجي، من خلال حواراته مع الدكاترة المعطلين، ومن خلال مفاوضاته مع مهنيي النقل أثناء إضرابات 2009. انه من حق أي طرف سياسي إيجاد موطئ قدم له في الحقل النقابي، بعد أن يستتب له الوضع في الحقل السياسي؛ غير أن ما هو مدعاة للسخرية في هذه المحاولات، أن يكون ذلك في مشهد نقابي يتسم بتشرذم مكوناته وبفقدانها الثقة في العمل النقابي والسياسي.
إن حوارا اجتماعيا، كهذا الذي ينقطع ويسترسل تبعا لممارسات سياسوية بين أحزاب "الأغلبية الحكومية" وأحزاب "المعارضة"، لن يفضيا الى نتائج محمودة ومقبولة من طرف الشغيلة المغربية؛ فالحوار الاجتماعي، بدلا من أن يؤدي وظيفته في إرساء السلم الاجتماعي عبر الاستجابة للمطالب المشروعة للشغيلة المغربية خاصة مع تزايد ارتفاع الأسعار، بدل ذلك ترى هذا الحوار الاجتماعي ينزلق في خضم الصراع الدائر بين مكونات الأغلبية الحكومية والمعارضة، إلى متاهات وشعارات سياسوية وشعبوية غالبا ما تكون ذات خلفيات انتخابوية.

2- في الدلالات السياسية والتاريخية لتبعثر الحقل الاجتماعي
في ضل هذه الشروط السياسية التي تتسم أساسا بتحركات تلقائية لفئات شعبية واسعة سواء من طرف الشغيلة المغربية (إضرابات مهنيي النقل) أو من خلال تنسيقيات مناهضة الأسعار أو من خلال حركات المعطلين، في ضل هذه الشروط تتبدى إشكالية التمثيلية ومأزق المأسسة المزعومة. ذلك أن الحقل الاجتماعي، بما هو انعكاس - وعكس - للمستوى للسياسي العام، إنما يتسم، في المرحلة الراهنة، بنوع من البعثرة القصوى، لا يملك فيها أي طرف، كيف ما كان وزنه الاجتماعي، حق احتكار التمثيلية.
تستبطن هذه المعطيات إذن مؤشرات سلبية عما آل ويؤول إليه الوضع السياسي العام بالبلاد. كان يجب على الدولة – وليس الحكومة- التقاط هكذا مؤشرات والعمل، بكل حيادية، على توفير الشروط السياسية الملائمة لتجاوز هذا الوضع المختل الذي ينذر، لا محالة، بانفلاتات واسعة وخطيرة، ليس فقط على السلم الاجتماعي، بل على السلم الأهلي بمفهومه السياسي العام.
من زاوية نظر سياسية، ما ذا يعني أن ترفض مدونة السير من طرف فئات شعبية واسعة، بعد موافقة البرلمان والنقابات والحكومة عليها؟ ....ألا يعني هذا بداية فك الارتباط بين البنيات الفوقية المؤسساتية/القانونية، وبين البنية التحتية باعتبارها بنية تضم ذلك الحس المشترك (بتعبير غرامشي في تحليله للكتلة الإيديولوجية) لمجموع الجماهير الشعبية التي هي، في مثل هذه المراحل التاريخية، توجد في حالة انفصام بين ذلك الحس المشترك، وبين وعيها المبعثر (الفلكلور بتعبير غرامشي دائما في الكتلة الإيديولوجية) الذي يعيق كل إمكانية في اصطفافها وتنظيمها في تنظيم اجتماعي سياسي وازن وعريض، أي بكل بساطة في تيار مركزي قادر على تأهيل الجماهير الشعبية للانخراط في العمل السياسي، من حيث هو عمل نضالي يستهدف إرساء دولة الحق والقانون، وليس البحث عن مناصب وتموقعات في دولة الاستبداد.
إن ذلك الوعي المبعثر ينجم عن ضعف أو غياب ذاك التنظيم المركزي الاجتماعي الوطني الحامل لطموحات سياسية وثقافية طبقية مشتركة، كنتيجة لتفكك، أو قل على وجه الدقة لاستنفاذ المهام السياسية والاجتماعية والثقافية لتلك الكتلة الإيديولوجية/التاريخية التي تشكلت وتطورت قبيل ومنذ الاستقلال. إن تفكك تلك الكتلة الإيديولوجية بما هي أيديولوجيا "الحركة الوطنية"، ليس فقط في بعدها السياسي بما يعنيه ذلك من تحالفات بين قوى اجتماعية تاريخية، وإنما في بعدها الإيديولوجي العام، أي الثقافي وهذا هو الأهم، كان بسبب تبني إيديولوجيات برجوازية تتخذ من العروبة والقومية العربية السلفية أسسها التي لا تعبر في شيء عن العمق الثقافي والأصول الإنسية والهوياتية للشعب المغربي وأيضا لا تتماشى وطموح وآمال هذا الشعب التعددي والاختلافي.
مقابل ذلك يوازي هذه العملية التاريخية المعقدة من التفكيك، بداية تشكل/صعود جدلي لكتلة إيديولوجية تاريخية جديدة حاملة لقيم مغايرة لقيم العروبة والقومية التنميطية، إنها بالضبط تلك الكتلة المتمحورة أساسا على الحركة الثقافية الأمازيغية التي باتت الحركة الراديكالية الوحيدة التي تطرح التغيير من خارج الثوابت الإيديولوجية التي تستند إليها الدولة المغربية، وهي ثنائية العروبة والإسلام؛ إنها تطرح بهذا مسألة جوهرية وأساسية، وهي العلمانية بما هي فصل الدين عن الدولة. لقد تجاوزت الحركة الثقافية الأمازيغية منطق التنميط العروبي وباتت حاملة لقيم النسبية والتعددية والديمقراطية التي عجز اليسار عن طرحها والدفاع عنها بعد انخراطه في مشروع الدولة العروبي والمركزي.
لذا بات ضروريا ومستعجلا أن لا تنغلق الحركة الثقافية الأمازيغية في السؤال الثقافي والهوياتي بعيدا عن السؤال الاجتماعي والسياسي؛ بمعنى آخر بات من الضروري على مكونات الحركة الثقافية الأمازيغية البحث في البدائل النقابية والحزبية لتحويل ذلك الزخم الثقافي والإيديولوجي الذي تحقق لها إلى ممارسة سياسية واجتماعية قمينة بتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي تغييرا تاريخيا وليس سياسيا تكتيكيا. معنى هذا أن الحركة الثقافية الأمازيغية باتت إيديولوجيا وتاريخيا المؤهلة الوحيدة لفرض تغييرات سياسية واجتماعية أي الدفع نحو انجاز انتقال تاريخي نحو إقرار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الفردية والجماعية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والهوياتية بعيدا عن خطاب التخوين والتشهير الذي ما فتئ العروبيون والاسلامويون يتوسلون به في صراعهم مع الحركة الأمازيغية وخاصة في حق تيارها الرئيس الذي هو التيار الامازيغي العلماني.
ونظرا للأهمية النظرية والسياسية اللتين يتيحهما رصد هذا المخاض التاريخي، بتداعياته الجذرية على الكل الاجتماعي، مع ما يطرحه ذلك من تعقيدات وصعوبات في الرصد والتحليل، فإننا نعود ونؤكد على محورية وأهمية السؤال حول ماهية الكتلة التاريخية الناشئة في المرحلة الراهنة، وهذا السؤال إنما يستبطن إشارات الى نوع من التحولات العميقة – التفكك - في الكتلة التاريخية ذات الايدولوجيا العروبية.
ما يؤكد صيرورة تفكك تلك الكتلة الإيديولوجية العروبية، هو الاشتباك الحاصل بين الأطراف الحكومية المتحدرة من "الحركة الوطنية" وعدم قدرتها على بناء تحالفات سياسية واضحة البرامج والأهداف. ولهذه الصيرورة من التفكك نتائج مباشرة على مستوى تبعثر الحقل السياسي والاجتماعي، خاصة بعد انتخابات 7 شتنبر 2007، وما أفرزته من تقاطبات وتحالفات هجينة.
ما يهمنا هنا أساسا هو أن ذلك التقاطب ليس يجري فقط على المستوى السياسي، وإنما أيضا في الحقل الاجتماعي وتحديدا النقابي، بحيث أننا اليوم أمام محاولات حثيثة يقوم بها أكثر من طرف سياسي لاقتحام مسرح الأحداث النقابية. في هذا السياق يمكن فهم محاولات حزب الأصالة والمعاصرة الظهور بمظهر القادر على تنقية الأجواء وإقناع مهنيي النقل خلال السنة الماضية بوقف إضراباتهم المهنية، خاصة بعد فشل محاولة الوزير الأول عباس الفاسي في إقناع ذلك الجمهور الغفير من ممثلي مهنيي النقل في تعليق الإضراب. في هذا السياق أيضا يمكنا إدراج خرجات شباط ومواقفه النقابية المتغيرة باستمرار، وأيضا المواقف الشعبوية لنوبير الأموي.
فإذا نظرنا إلى محاولات الأصالة والمعاصرة، في إقناع المضربين في وقف الإضراب، فنحن لا نعرف من أي موقع كان هذا الحزب يفاوض المهنيين: هل من موقع الحكومة ومن دون التنسيق مع مكوناتها، وفي ذلك تجاوز لصلاحيات الوزارة الوصية ولصلاحيات الوزير الأول، أم من موقع ذلك التنظيم الاجتماعي "المسيطر" في ذلك التكتل النقابي التنسيقي الذي أشرف على تأطير الإضراب وفي إقناع المهنيين برفع الإضراب!!..
ليس هذا الذي يجري حاليا سوى بعض من مؤشرات اجتماعية وسياسية عديدة لما آل إليه الوضع السياسي العام من رداءة ومن تشوه، وهو وضع يحمل معه العديد من المخاطر ما لم يتم إعادة النظر في كيفية تدبير الشأن السياسي العام، وفقا للأهلية والكفاءة والتمثيلية الحقيقية المستمدة من انتخابات حرة ونزيهة، ولكن أيضا بصلاحيات سياسية ودستورية للمنتخبين؛ وهذا لن يتأتى إلا بمباشرة إصلاحات سياسية ودستورية تفصل بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية وتقر بالامازيغية لغة وطنية.
في غياب ذلك سنشهد استمرارا لهيمنة بعض الفئات/الأسر الارستقراطية العروبية على كل مفاتح تدبير الشأن العام الوطني الذي يجب أن لا يبقى حكرا لهذه الفئات التي تتقلد المناصب العليا في الدولة، عبر شبكة من الولاءات والروابط الأسرية الخ ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصوات من غزة| في يومهم العالمي.. العمال يعانون البطالة وقسوة


.. لمن ستذهب أصوات العمال الأميركيين في الانتخابات المقبلة؟




.. كل يوم -د. أحمد غنيم لـ خالد أبو بكر: قانون التأمين الصحي ال


.. الشرطة في جورجيا تفرق محتجين حاولوا اقتحام البرلمان احتجاجا




.. العالم الليلة | عنف الجامعات يثير انقساماً في أميركا.. وجورج