الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكرا للميتافيزيقا و لوزير الاتصال!

عبد الرحيم الوالي

2010 / 5 / 27
حقوق الانسان


"السماء التي كانت مليئة بالآلهة أصبحت اليوم مليئة بالأقمار الاصطناعية الدقيقة و لم يعد هناك مكان لأي دكتاتورية في العالم".
هذا القول ليس لي و إنما هو للدكتور توفيق رشد، أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني ـ المحمدية، و الذي أوجز فيه و هو يدرسنا مادة "نقد العقل" كيف تحولت الميتافيزيقا إلى تقنية، و كيف أنها بذلك تجسد ما عبر عنه ب"القبضة الهيجيلية" على العالم.
استحضرت هذا القول و أنا أرى على موقع يوتوب الشهير كيف جاء وزير الاتصال المغربي، خالد الناصري، إلى شارع محمد الخامس بالرباط، و تحديدا إلى أمام البرلمان، لكي يخلص ابن معاليه من أصفاد الشرطة.
تقول الرواية التي نشرتها الصحف المغربية إن ابن معالي الوزير كان يقود سيارته و حدث سوء تفاهم بينه و بين مواطن آخر كان بدوره على متن سيارته. و تطور الأمر إلى ملاسنة ثم نزل بعدها ابن الوزير و في يده آلة حادة لكي يصيب المواطن بجرح في رأسه. بعد ذلك تدخلت الشرطة و ألقت القبض على ابن الوزير و قامت بتصفيده إلى السياج الحديدي الذي يحيط بمبنى المؤسسة التشريعية. فما كان من ابن الوزير إلا أن اتصل بأبيه لكي يحضر هذا الأخير و يرغم الشرطة على إطلاق سراح ابنه و يلوذ بمعيته بالفرار بينما هتافات المواطنين الغاضبين تشيعهما معاً و الشرطة تتدخل لحماية الوزير و ابنه.
و طبعا، فالناصري نفى لاحقا أن يكون ابنه حائزا لأي سلاح أبيض أو أن تكون الشرطة قد قامت بوضع الأصفاد في يديه. لكنه على كل حال ـ وسيدنا يوتوب خير شاهد ـ كان هناك بقده و قامته. و لا دخان بدون نار!
بالنسبة لي شخصيا ليس خالد الناصري مجرد وزير في حكومة. فقد عرفت الرجل و أنا في بداية الشباب. كان آنذاك رئيسا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، و محامياً، و أستاذا جامعيا بكلية الحقوق، و عضوا قياديا في "حزب التقدم و الاشتراكية". و كنت بدوري مناضلا بسيطا في نفس الحزب. ثم عرفت الناصري فيما بعد متعاونا بجريدة الحزب الناطقة بالفرنسية حينما كنت صحافيا بصنوتها الناطقة بالعربية و كان يجمعني مع الناصري مقر الجريدتين بشارع لاجيروند بالدار البيضاء أيام كان زعيم الحزب، الراحل علي يعته، مديرا لليوميتين.
لم أكن أشك لحظة واحدة في أن المقالات التي كان يدبجها الناصري، بفرنسية بليغة جدا، عن حقوق الإنسان كانت مجرد حبر على ورق. و لم أكن أشك لحظة بأن مرافعات الناصري أمام المحاكم، في عدة قضايا تتعلق بالشطط في استعمال السلطة، كانت مجرد كلام في الهواء. و لم أكن أشك لحظة واحدة في أن الخطب العصماء التي كان الناصري يلقيها في مؤتمرات الحزب كانت محض مزاعم و ادعاءات. بل ما كنت لأصدق أن الناصري يمكن أن يقف ـ و هو وزيرـ إلى جانب الغطرسة و الظلم، بل و أن يمارس بنفسه الشطط في استعمال السلطة الذي طالما أبدع الخطب، و المرافعات، و المقالات، في فضحه و التنديد به و إدانته.
نعم، ما كنت لأصدق ذلك لولا هذه الميتافيزيقا التي تحولت إلى تقنية و التي بواسطتها تمكن المواطنون من تصوير معالي الوزير و هو يعطي أسوأ مثال يمكن أن يعطى عن الشطط و احتقار الحقوق و الدوس على القانون و المؤسسات. و أين؟ أمام المؤسسة التشريعية.
ليست لي أية مشاكل شخصية مع خالد الناصري، و لا أحمل تجاهه أي حقد أو ضغينة أو حسد، لكني أشعر الآن بإحباط كبير لم أشعر به حتى حينما كنت شخصيا عرضة للظلم و الاضطهاد من طرف أشخاص بعينهم في حزب وزير الاتصال. بل أشعر أنني أضعت زهرة عمري في الكذب على الناس حينما ظللت لسنوات أكتب ركنا يوميا في جريدة حزب وزير الاتصال، و أشعر أنني مارست الكذب على نفسي أيضا حينما صدقت أن الناصري كان مناضلا من أجل حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية، و أشعر ـ أكثر من ذلك ـ أنني أمام كذبة كبرى اسمها دولة الحق و القانون انطلت علي و ساهمتُ في تمريرها على الناس من خلال كل ما كتبت طيلة ستة عشر عاما من العمل الإعلامي منها ثمان سنوات في جريدة حزب وزير الاتصال. بل إني أصبحت أشعر بالخوف على أبنائي من هذا المغرب الذي يمكن أن يأتي فيه غدا أو بعد غد ابن وزير، أو أي "مسؤول" كبير في الدولة المغربية، ليشج رأس إبني أو ابنتي بآلة حادة و يغادر المكان تحت حماية الشرطة فوق ذلك رفقة أبيه الوزير أو "المسؤول".
عندما تورط أخ وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي في قضية مخدرات بفرنسا اعتبرت العدالة الفرنسية قرابته مع وزيرة العدل ظرف تشديد و أصدرت في حقه عقوبة مشددة. أما في مغرب "مولاي الحق و القانون" فالقرابة مع وزير تسمح لك بأن تعنف الناس و أن تذهب حرا طليقا و متغطرسا على متن سيارة وزارية اقتنيت من المال العام و يحترق في جوفها بنزين من المال العام و تحرسها شرطة تتقاضى أجورها من المال العام و يفترض فيها أنها تسهر على تطبيق القانون و احترام النظام العام.
صحيح أنني لست معنيا بما حصل أكثر من باقي المغاربة، لكن شعوري بالإحباط و الخيبة و الغبن لا يمكن أن يزيحه إلا أمران: أولهما ـ و هو رهان ضعيف ـ أن يخجل خالد الناصري من نفسه و من يوتوب و يقدم استقالته من الحكومة و من الحياة العامة برمتها كما يفعل كل مسؤول يحترم نفسه في البلدان الديموقراطية، و ثانيهما أن يقوم الملك، باعتباره ضامن حقوق الأفراد و الجماعات بقوة الدستور، بإقالة الناصري. و إذا لم يحصل هذا و لا ذاك فسيكون من الأليق إجراء تعديل دستوري يلغى بموجبه ذلك الفصل الذي ينص على أن "جميع المغاربة سواسية أمام القانون" و تعدل بموجبه أيضا ديباجة الدستور التي تنص على أن المملكة المغربية تتشبث باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
و في انتظار حصول واحد من هذه الأمور الثلاثة أقول شكرا للميتافيزيقا التي مكنتني من رؤيتك يا خالد تقف، مستغلا منصبك الرسمي و سلطتك، لتحول دون تطبيق القانون؛ و شكرا لك أيضا لأنك جعلتني أفيق من حلم القانون كي أدرك ـ متأخرا بعض الشيء ـ أن المغرب الذي أعيش فيه لا يختلف عن مغرب القائد العيادي و الباشا الكلاوي الذي عاش فيه جدي.
بربكم أيهما أكثر دكتاتورية من الآخر: صدام حسين الذي سجن ابنه عدي و كاد يرسله إلى حبل المشنقة بسبب الاعتداء على الناس لولا تدخل الملك حسين؟ أم صاحبنا خالد الذي ينقل ابنه على سيارة وزارية و تحت حماية الشرطة بعد أن اعتدى على مواطن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدام حسين اكثر اجراما
عبد الحسين سلمان ( 2010 / 5 / 28 - 04:22 )
صديقنا الطيب عبد الرحيم
شكرا لك على هذة المعلومات التى كشفت زيف ونفاق المناضلين عندما يتربعون على السلطة
لكن يا صديقي المحترم سئلت ايهما اكثر ديكتاتورية صدام حسين ام خالد؟
وانا اجيبك على السؤال
صدام حسين اكثر اجراما من صاحبكم خالد وقضيية عدي كانت تحدي ل..الوهية صدام.. صدام كان يعتقد هو اللة واللة لا يشاركة في ملكة احد حتى لو كان ابنه..صدام كان مستعدا لحرق الاخضر باليابس من اجل مجده الالهي..لا اذكر لك جرائمة ضد المعارضة له لكن ما ان تربع على سدة الحكم حتى بدا ومن اليوم الاول بذبح رفاقة واستاتذتة وفي مقدمتهم عبد الخالق السامرائي الذي لو كان حيا اليوم لما وصل العراق الى ما دون الصومال.
وشكرا لك


2 - ماذا لو كان خالد مكان صدام؟
عبد الرحيم الوالي ( 2010 / 5 / 28 - 20:02 )
الصديق العزيز جاسم
شكرا على تعليقك. صدام فعل ما فعل و هو رئيس دولة، أما الناصري فهو مجرد وزير في أسوأ حكومة شهدها تاريخ المغرب المستقل. و هو وزير في حكومة لا حركة و لا سكون لها إلا بإذن رئيس الدولة، أي الملك. بمعنى أنه مجرد موظف لفترة محدودة لدى الدولة المغربية. و لك أن تتخيل ما الذي كان يمكن أن يفعله الناصري لو كان رئيس دولة مثل صدام.
طبعا، لست مدافعا عن صدام حسين الذي أعرف ما فعله و ما فُعِل به. و ما كتبته و صدام رئيس دولة، في أكثر من مناسبة، كان إدانة واضحة لجرائم نظامه. كما أن ما كتبته بعد قتل صدام كان إدانة لجريمة قتله لأنني من مناهضي عقوبة الإعدام، ناهيك عن أن ما حصل لصدام لم يكن إعداما بقدر ما كان جريمة قتل. لكنني في كل الأحوال أحترم تحمل صدام لمسؤوليته عن أفعاله من كرسي رئاسة الدولة إلى حبل المشنقة. أما بعض الناس فهم يستأسدون فقط على الضعفاء طالما أنهم يتمتعون بحصانات و يقعون خارج منطقة العقاب.
و تقبل تحياتي و مودتي.


3 - شكرا للميتافيزيقيا
farid youssef ( 2011 / 11 / 16 - 13:43 )
شكرا لك على هذا التحليل
ليس فقط هو لوحده من له سلطة في المغرب يستغلها لصالح عائلته،فكل من شغل منصبا في الحكومة المغربية ،يستعمل مختلف أشكال الإستبذاد،و نحن نتطلع لتحقيق دولة ديمقراطية
نافلة القول شكرا للميتافيزيقيا باعتبارها جوهر التقنية


4 - الا ستغلال المفرط للسلطة
YOUSSEF CHARROUK ( 2011 / 11 / 17 - 01:27 )
ا ستغلال المفرط للسلطة هدا الكلام ليس جديدا على السيد الوزير أو غيره من رجال السلطة هدا هو حالنا من لديه خليله في السلطة يفعل ما يشاء ولا يحاسب ....... لكن لا يجب السكوت والتكلم من وراء الحائط عن هده آلأفعال المشينة والتي تتعارض مع دولة الحق و القانون


5 - الا ستغلال المفرط للسلطة
YOUSSEF CHARROUK ( 2011 / 11 / 17 - 01:28 )
ا ستغلال المفرط للسلطة هدا الكلام ليس جديدا على السيد الوزير أو غيره من رجال السلطة هدا هو حالنا من لديه خليله في السلطة يفعل ما يشاء ولا يحاسب ....... لكن لا يجب السكوت والتكلم من وراء الحائط عن هده آلأفعال المشينة والتي تتعارض مع دولة الحق و القانون

اخر الافلام

.. حديث السوشال | في الأردن.. معلمة تصفع طفلاً من ذوي الاحتياجا


.. مشاهد لاكتظاظ مدينة دير البلح بالسكان النازحين من رفح




.. تونس: متظاهرون يطالبون بتحديد موعد للانتخابات الرئاسية وإطلا


.. الجيش الإسرائيلي يخلي مراكز الإيواء من النازحين الفلسطينيين




.. منظمة الأمم المتحدة للطفولة -يونيسف-: 600 ألف طفل في رفح لا