الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مارك ستراند: مرثية إلى أبي

عادل صالح الزبيدي

2010 / 5 / 27
الادب والفن


مارك ستراند: مرثية إلى أبي

ترجمة: عادل صالح الزبيدي


شاعر وكاتب مقالات ومترجم أميركي من مواليد كندا عام 1934، تلقى تعليمه في كندا والولايات المتحدة وايطاليا، ألتحق عام 1962 بمشغل كتاب ايوا ليحصل بعدها على درجة الماجستير في الفنون. عمل ستراند ومازال في التدريس الجامعي ونشر إحدى عشرة مجموعة شعرية، فضلا عن ترجمته أعمالا للشاعرين رافائيل البرتي و كارلوس دراموند دي آندراد وشعراء آخرين. انتخب في 1981 عضوا في الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب، ونال شعره جوائز عديدة لعل أهمها جائزة البوليتز عام 1999 عن مجموعته بعنوان (زوبعة ثلجية لأحدهم)). من عناوين مجاميعه الشعرية الأخرى: ((النوم بعين مفتوحة واحدة)) 1964،((قصة حياتنا))1973، ((الساعة المتأخرة)) 1978، ((مرفأ مظلم)) 1993، و ((الإنسان والجمل)) 2006.



مرثية إلى أبي
(روبرت ستراند 1908 – 1968)

1- الجسد الفارغ
كانت اليدان يديك، كانت الذراعان ذراعيك
لكنك لم تكن هناك.
كانت العينان عينيك، لكنهما كانتا مغمضتين ولن تنفتحا.
كانت الشمس البعيدة هناك.
القمر المعلق على كتف التل الأبيض كان هناك.
الريح فوق ((حوض بدفورد)) كانت هناك.
ضوء الشتاء الأخضر الشاحب كان هناك.
فمك كان هناك،
لكنك لم تكن هناك.
عندما كان أحدهم يتكلم، لم يكن هناك جواب.
هبطت الغيوم
ودفنت المباني في غمرة الماء
وكان الماء صامتا.
كانت النوارس تحدق.
السنوات، الساعات، التي لم تكن لتجدك
دارت في معاصم الآخرين.
لم يكن ثمة ألم. لقد ذهب.
لم يكن ثمة أسرار. لم يكن ثمة شيء نقوله.
نثر الظل رماده.
كان الجسد جسدك، لكنك لم تكن هناك.
ارتعش الهواء على جلده.
انحدرت الظلمة نحو عينيه.
لكنك لم تكن هناك.

2- أجوبة
لماذا سافرت؟
لأن المنزل كان باردا.
لماذا سافرت؟
لأن ذلك ما كنت دوما أفعله بين شروق الشمس وغروبها.
ماذا كنت ترتدي؟
كنت أرتدي بذلة زرقاء وقميصا أبيض وربطة عنق صفراء وجوارب صفرا.
ماذا كنت ترتدي؟
لم أكن أرتدي شيئا. وشاح من ألم كان يدفئني.
مع من كنت تنام؟
كنت أنام مع امرأة مختلفة كل ليلة.
مع من كنت تنام؟
كنت أنام وحيدا. كنت دائما أنام وحيدا.
لماذا كذبت عليّ؟
كنت دائما أعتقد أنني أقول الحقيقة.
لماذا كذبت عليّ؟
لأن الحقيقة تكذب أفضل من أي شيء آخر وأنا أحب الحقيقة.
لماذا أنت راحل؟
لأن لم يعد أي شيء يعني لي الكثير.
لماذا أنت راحل؟
لا أدري. لم أدر قط.
كم سأنتظرك؟
لا تنتظرني. إنني متعب وأريد أن أضطجع.
أأنت متعب وتريد أن تضطجع؟
أجل، إنني متعب وأريد أن أضطجع.

3- احتضارك
لم يستطع شيء أن يوقفك.
لا أحسن نهار. لا الهدوء. لا المحيط متأرجحا.
لقد واصلت احتضارك.
لا الأشجار
التي سرتَ تحتها، لا الأشجار التي ظللتك.
لا الطبيب
الذي حذرك، الطبيب الشاب ذو الشعر الأبيض الذي أنقذك مرة.
واصلت احتضارك.
لم يستطع شيء أن يوقفك. لا ابنك. لا ابنتك
اللذان أطعماك وحوّلاك طفلا مرة ثانية.
لا ابنك الذي كان يعتقد انك ستعيش أبدا.
لا الرياح التي كانت تهز طيات صدر سترتك.
لا السكون الذي قدم نفسه لحركتك.
لا حذائك الذي أصبح ثقيلا.
لا عينك اللتان رفضتا النظر إلى الأمام.
لم يستطع أي شيء أن يوقفك.
كنت تجلس في غرفتك وتحدق بالمدينة
وتواصل احتضارك.
كنت تذهب إلى عملك وتدع البرد يدخل ملابسك.
كنت تدع الدم ينزّ على جواربك.
وجهك استحال أبيضا.
صوتك انصدع إلى نصفين.
انحنيت على عصاك.
لكن لم يستطع أي شيء أن يوقفك.
لا أصدقاؤك الذين قدموا لك النصيحة.
لا ابنك. لا ابنتك التي كانت ترقبك وأنت تصغر.
لا الإعياء الذي يحيا في تأوهاتك.
لا رئتاك اللتان كانت تمتلئان بالماء.
لا ردناك اللذان يحملان ألم ذراعيك.
لم يستطع أي شيء أن يوقفك.
وواصلت احتضارك.
عندما كنت تلعب مع الأطفال كنت تواصل احتضارك.
عندما كنت تجلس لتتناول طعامك،
عندما كنت تستيقظ ليلا، مبللا بالدموع، جسدك ينحب،
كنت تواصل احتضارك.
لم يستطع أي شيء أن يوقفك.
لا الماضي.
لا المستقبل بجوه الرائق
لا المنظر المطل من نافذتك، منظر المقبرة.
لا المدينة. لا المدينة الرهيبة ببناياتها الخشبية.
لا الاندحار. لا النجاح.
لم تفعل شيئا سوى مواصلة احتضارك.
كنت ترفع ساعتك إلى أذنك.
تشعر بنفسك تنسل
تضطجع على الفراش
تطوي ذراعيك فوق صدرك وتحلم بالعالم بدونك.
بالفضاء تحت الأشجار،
بالفضاء في غرفتك,
بالفضاءات التي ستصبح الآن خالية منك,
وواصلت احتضارك,
لم يستطع أي شيء أن يوقفك.
لا تنفسك. لا حياتك.
لا الحياة التي كنت تريدها.
لا الحياة التي كنت تمتلكها.
لم يستطع شيء أن يوقفك.

4- ظلك
لديك ظلك.
أعادته الأماكن التي كنت فيها.
أعادته أروقة دار الأيتام ومروجه الجرداء.
أعادته دار ((نيوزبويز)).
أعادته شوارع نيويورك وكذلك شوارع مونتريال.
أعادته الغرف في ((بيليم)) حيث كانت السحالي تلتقط البعوض.
أعادته شوارع ((ماناوس)) المظلمة وشوارع ((ريو)) الرطبة.
أعادته مدينة مكسيكو حيث أردت أن تغادرها.
و((هاليفاكس)) حيث كان الميناء يغسل يديه منك.
لديك ظلك.
عندما سافرت أرسل أثرُ ذهابك الأبيض ظلَّــك إلى الأسفل، ولكن عندما وصلت كان هناك ليحييك. كان لديك ظلك.
المداخل التي دخلتَها رفعتْ ظلك عنك وعندما خرجْتَ، أعادته. كان لديك ظلك.
حتى عندما كنت تنسى ظلك، كنت تجده ثانية؛ لقد كان معك من قبل.
عندما كنت مرة في الريف غطى ظل شجرة ظلك ولم تكن معروفا.
عندما كنت مرة في الريف ظننت أن ظلك رماه شخص آخر. لم يقل ظلك شيئا.
حملت ملابسك ظلك إلى الداخل؛ عندما خلعتها انتشرت مثل ظلام ماضيك.
وكلماتك التي تطفو مثل أوراق الشجر في الأثير الضائع، في مكان لا يعرفه أحد، أعادت لك ظلك.
أصدقاؤك أعادوا لك ظلك.
أعداؤك أعادوا لك ظلك. قالوا انه ثقيل وسوف يغطي قبرك.
عندما مت نام ظلك في فم الأتون وأكل الرماد خبزا.
كان يبتهج بين الأنقاض.
يرقب بينما ينام الآخرون.
يشرق مثل البلور بين القبور.
يشكل نفسه مثل الأثير.
أراد أن يكون مثل الثلج فوق الماء.
أراد أن يكون لاشيء، لكن ذلك لم يكن ممكنا.
أتى إلى بيتي.
جلس على كتفيّ.
ظلك ملكك. أخبرته ذلك. قلت انه ملكك.
لقد حملته معي طويلا جدا. إنني أعيده.

5- حداد
إنهم يقيمون الحداد عليك.
عندما تنهض عند منتصف الليل،
والندى يلمع فوق حجر وجنتيك،
يقيمون الحداد عليك.
يعودون بك إلى المنزل الخالي.
يحملون الكراسي والمناضد إلى الداخل.
يجلسون ويعلمونك التنفس.
ونفسك يحترق،
يحرق الصندوق الصنوبري ويسقط الرماد مثل ضوء الشمس.
يعطونك كتابا ويقولون لك أقرأ.
يصغون وأعينهم تغرورق بالدموع.
النساء يمسّدن أصابعك.
يمشطن شعرك ليعيدن اللون الأصفر إليه.
يحلقن الجليد من على لحيتك.
يدلكن فخذيك.
يلبسنك حلة جميلة.
يفركن يديك ليبقينها دافئة.
يطعمنك. يقدمن نلك المال.
يركعن على ركبهن ويتوسلنك ألاّ تموت.
عندما تنهض عند منتصف الليل يقيمون الحداد عليك.
يغمضون عيونهم ويهمسون باسمك مرارا وتكرارا.
لكنهم لا يستطيعون أن يسحبوا الضوء المدفون من عروقك.
لا يستطيعون أن يصلوا إلى أحلامك.
أيها العجوز، لامناص.
تنهض وتواصل النهوض، ولكن لا فائدة.
إنهم يقيمون الحداد عليك قدر ما يستطيعون.

6- العام الجديد
انه الشتاء والعام الجديد.
لا أحد يعرفك.
بعيدا عن النجوم، عن مطر الضوء،
تنام تحت أنواء الأحجار.
ليس ثمة خيط يعود بك.
أصدقاؤك يغفون في ظلمة
الملذات ولا يستطيعون أن يتذكروا.
لا أحد يعرفك. أنت جار للاشيء.
أنت لا ترى المطر يسقط والإنسان يسير بعيدا،
الريح المتربة تنفخ رمادها على المدينة.
لا ترى الشمس تجر القمر كأنه صدى.
لا ترى القلب المرضوض يصعد مشتعلا،
جماجم الأبرياء تتحول دخانا.
لا ترى ندب العديدين، العيون بلا نور.
لقد انتهى الأمر. انه الشتاء والعام الجديد.
الخنوعون يجرون جلودهم نحو السماء.
اليائسون يعانون ن البرد مع أولئك الذين ليس لديهم شيء يخفونه.
لقد انتهى الأمر ولا أحد يعرفك.
ثمة ضوء نجوم ينجرف على الماء الأسود.
ثمة أحجار في البحر لم يرها أحد.
ثمة شاطئ والناس ينتظرون.
ولا شيء يعود.
لأن الأمر قد انتهى.
لأن ثمة صمت بدلا من اسم.
لأنه الشتاء والعام الجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام