الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش مئوية شفاعمرو برعاية بيرس: بحر الدم الهادر من كفر قاسم حتى شفاعمرو

وليد ياسين

2010 / 5 / 28
القضية الفلسطينية


إذا كان هناك من يظن أن رئيس الدولة الاسرائيلية شمعون بيرس كان سيتطرق في كلمته خلال احتفال مدينة شفاعمرو بمئوية بلديتها، إلى مطلبي رئيس بلدية شفاعمرو ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية بإغلاق ملفات شبان شفاعمرو، وإنهاء مهزلة "العدالة ذات الاتجاه الواحد" في إسرائيل، فهو بلا شك كان يعيش أضغاث أحلام وأوهام ويسبح في بحر الفانتازيا التي يعجز عنها صناع أشهر أفلام الخيال.
لقد عبر رئيس البلدية ناهض خازم في كلمته عن وجع أهل شفاعمرو حين قال لبيرس انه "طالما بقي الملف مفتوحا فستبقى الجراح مفتوحة" داعيا إياه إلى إلقاء كل ثقله "من اجل إغلاق هذا الملف المؤلم "في سبيل بث الشعور بالتعامل المتساوي مع أحداث مشابهة وقعت في أماكن أخرى في الدولة مع أشخاص آخرين حصلوا على أوسمة بدل المحاكمة". وأكمل رئيس بلدية الناصرة رامز جرايسي الرسالة حين طالب بيرس بإغلاق الملفات قائلا إن هذا هو مطلب الجماهير العربية، لكن بيرس وكما تقول جداتنا وكما كان متوقعاً "وضع في هذه الأذن طينة، وفي الأخرى عجينة"، واخذ يحكي للحضور عن ضرورة "شبك الأيادي بالعدل والحكمة من اجل إصلاح التشوهات وتضميد الجراح"، وكأنه يحكي عن ضحايا حادث طرق دام أو طوشة وليس عن مجزرة استهدفت أناس كانوا عائدين من أعمالهم وجامعاتهم وقتلوا بدم بارد، تماما كما قتل أهالي كفر قاسم حين كانوا عائدين من أعمالهم في البيارات والمحاجر والمصانع الإسرائيلية فاستقبلهم رصاص السفاحين شدمي ومالينكي وزمرة حرس الحدود، في حكومة الأب الروحي لشمعون بيرس، دافيد بن غوريون. لقد بدا بيرس في تطرقه المختصر للمجزرة وكأنه جاء متلفعا بعباءة رجل الإصلاح والواعظ ليحث على التسامح والمصالحة دون أن يعتذر حتى لأهالي الضحايا. ليس هذا فحسب، بل اعتبر المجزرة مجرد "حادث أليم يجب استخلاص العبر منه كي لا يتكرر"! واثبت بيرس للقاصي والداني انه لم يصل حتى إلى جرأة اريئيل شارون، الذي وعلى الرغم من سياسته الدموية، أعلن بملء فمه، وكان في حينه رئيسا للحكومة، أن ما حدث في شفاعمرو "هو عمل حقير نفذه إرهابي يهودي متعطش للدماء، بهدف المس بمواطنين إسرائيليين أبرياء".
إن اقل ما يمكن قوله عن تطرق بيرس إلى مطلب إغلاق ملفات شفاعمرو هو توجيه صفعة قوية لمن توقع منه غير ذلك، فبيرس الذي حضر إلى شفاعمرو بعد المذبحة، بصفته نائبا لرئيس الحكومة آنذاك، قال خلال زيارته لعائلات الشهداء إن "ألمكم هو ألم دولة إسرائيل كلها، ولن نسمح للمجانين والإرهابيين بهدم حياتنا".
ونسأل بيرس أين أنت من تصريحك، آنف الذكر في شفاعمرو، ولماذا لم تتحرك عندما قررت نيابة دولتك "المتألمة" – حسب قولك – هدم حياة الشفاعمريين، بتعميق جراح المذبحة من خلال محاكمة شبان، كانوا من بين آلاف الشفاعمريين الذين هبوا منتفضين في ذلك اليوم الأسود مدافعين عن كرامتهم وأمنهم؟
لم يتضح حتى الآن لماذا تم اختيار هؤلاء الشبان بالذات من بين آلاف الشفاعمريين الذين تواجدوا في منطقة المجزرة آنذاك، ولم يُثبت أحد للمحكمة حتى اليوم أن هؤلاء الشبان بالذات هم من كفوا يد السفاح عن مواصلة القتل، ولكن محاكمتهم بحد ذاتها هي محاكمة لكل الشفاعمريين، ولكل المواطنين العرب، لأن حكومة ونيابة إسرائيل تكيل بمكيالين في كل ما يتعلق بالمواطنين العرب في البلاد. فهذه الحكومة، وهذه النيابة لم تحرك ساكنا حين قتل مواطنون يهود العديد من الفلسطينيين بعد السيطرة عليهم أحياء، وأكثر الأدلة سطوعا، قضية منفذي عملية الباص 300، على شاطئ تل أبيب. ففي حينه اعتقل بعض منفذي العملية أحياء، وتم التقاط صور لهم وهم يسيرون على أقدامهم بعد اعتقالهم بأيدي رجال المخابرات، لكنه ما لبث أن تبين أنهم اقتيدوا إلى مكان مظلم، وقتلوا بدم بارد. ولم يحاسب احد على تلك الجريمة، بل ان بعض "أبطالها" حصلوا على ترقيات ووصل بعضهم إلى مناصب قيادية في الدولة.
لم نفهم في حينه، ولا زلنا لا نفهم حتى الآن، عن أي ألم تحدث بيرس، وكيف تتألم دولة سمحت، رغم كل التحذيرات التي تلقتها مؤسساتها العسكرية والأمنية، لذلك السفاح بمواصلة التحرك والعمل والتخطيط في إطار بؤرة الإرهاب الكهانية "مستوطنة تفواح"، لتنفيذ المجزرة! لكننا كنا نفهم، وما زلنا، أنه لو كان السفاح عيدن نتان زادة على قيد الحياة، لكان يمكن أن يمضي عدة سنوات في السجن، يعتبر بعدها مجنونا، أو غير مسؤول عن تصرفاته، وربما كانوا سيبررون جريمته بالدفاع عن النفس، وهناك أمثلة حية وصارخة لا تُنسى ولا تغتفر، بدء من مجزرة كفر قاسم التي حوكم مرتكبوها بتخفيض درجات عسكرية وبدفع قرش ثمن عشرات الضحايا الأبرياء - "قرش شدمي المشهور"، مرورا بقتل الشهيد محمد أبو رعد، ابن شفاعمرو، في "ثورة الجياع" (أو ما يعرف بـطوشة الباصات)، والذي لم يحاكم قاتله حتى اليوم، وصولاً الى مجزرة يوم الأرض، ثم إغلاق ملفات قتلة الشبان العرب في أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000، ثم شاي درومي الذي تم سن قانون خاص ليس لتبرئته من جريمة قتل الشاب خالد اطرش، فحسب، بل لتبرير كل جريمة يرتكبها أمثاله تحت ستار "الدفاع عن النفس"؟ وإن نسينا فلا ننسى كم من المستوطنين لم يحاكموا بفعل جرائمهم بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، وما زالوا طلقاء يخططون وينفذون المجازر في ظل قانون يشرع قتل العربي ودمغ المجرم بشهادة "مجنون". هل نسينا السفاح ليفنغر الذي قتل فلسطينيا وهو مقيد الأيدي بعد اعتقاله؟ هل ننسى الارهابي يعقوب تايتيل الذي قتل فلسطينيين وزرع لغماً على طريق إحدى القرى الفلسطينية، تسبب باصابة فلسطيني، بل وارتكب جرائم بحق مواطنين يهود، ثم جاء تقرير "الطب النفسي" ليزعم أنه "مختل عقلياً"، وغير مسؤول عن جرائمه. وهل ننسى دمغ المجرم الذي حرق المسجد الأقصى المبارك في عام 1968 بشهادة "مجنون" لتخفيف بشاعة جريمته؟ وهل ننسى يا بيرس عامي بوبر قاتل العمال الفلسطينيين في عين قارة الذي تم تخفيض مدة محكوميته، المرة تلو الأخرى، ومن ثم حصل على عفو رئاسي سيعيد له حريته، التي يتضح انها ما سلبت منه حتى وهو في السجن؟ وهل ننسى تقديس السفاحين الذين قتلوا عربا، أمثال باروخ غولدشتاين، سفاح الحرم الابراهيمي؟
كثيرا ما شارك بيرس في حفلات الإطراء ومنح أوسمة ليهود قتلوا فلسطينيين تحت شعار حماية وأمن المواطنين الأبرياء، أما في قضية شفاعمرو، فيختلف الأمر. هنا يحاكم الشفاعمريون لأنهم قتلوا سفاحا، وهي مسألة يشكك حتى اليهود المتعقلين بأنها كان يمكن أن تحدث، لو كان الأمر معكوسا. والأمثلة التي أوردناها هي نقطة في بحر جرائم لم يحاكم أصحابها.
**من المعراخ والليكود وحتى ليبرمان
أما عن مشاركة بيرس في مئوية شفاعمرو، فقد قال الشفاعمريون كلمتهم، منهم من أيد ومنهم من عارض، وفي مراجعة لما حدث، يجب القول إن دعوة بيرس لرعاية الاحتفال المركزي، وشكل أحياء الذكرى، داخل قاعة مغلقة، كانت خاطئة، وأميل إلى الاعتقاد بأنه لو فكر أصحاب الشأن مليا وتدارسوا أبعاد دعوة بيرس وشخصيات صهيونية أخرى لهذا الحفل، قبل أن يوجهوا الدعوة، ربما ما كانوا قد تسرعوا باتخاذ القرار، الذي يتأكد لنا اليوم أنه حرم جانبا كبيرا من الشفاعمريين من مشاركة بلديتهم ومدينتهم احتفالها بالمئوية، قسم بفعل قرار المقاطعة، وآخرون بفعل اختيار المكان وشكل الدعوة للاحتفال.
سيقول قائل إن الدعوة كانت مفتوحة لكل الشفاعمريين للمشاركة على حد سواء، ولا يستطيع احد أن ينكر أن رئيس البلدية وجه دعوة كهذه مرارا لأهالي شفاعمرو للمشاركة في الاحتفال، ولكن في المقابل كان هناك من اهتم من المسؤولين عن الاحتفال، بتوجيه دعوات شخصية لمواطنين دون غيرهم، وبمجرد الإقدام على هذه الخطوة فقد وقع التمييز بين (x) و(y)، لأن الناس تتشابه ولا أحد أفضل من غيره، وشخصيا أعرف الكثير من الناس الذين سألوا لماذا يدعى فلان بدعوة شخصية، خلافا لغيره، ومنهم من لم يحضر لهذا السبب وهذه حقيقة يجب أن يقر بها أصحاب المسؤولية، فإذا كانت دعوة مفتوحة، فلتكن لكل شفاعمري على حد سواء، أما بطاقات الدعوة الشخصية فلتكن للضيوف من خارج شفاعمرو فقط.
وأما عن المشهد العام في حفل المئوية فما زال هناك الكثير مما يمكن قوله، وهذا نتركه للناس، لكن مشهدا واحدا عكسته بعض الصور يثير القلق: في الحفل غابت الكثير من الفئات الوطنية في شفاعمرو، وحضرت فئات وطنية قبلت بحضور بيرس، جنبا إلى جنب مع فئات صهيونية ومتصهينين، من معراخ وليكود وكديما، وحتى حزب ليبرمان...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اسرائيل ليست غزة
يعقوب ( 2010 / 5 / 27 - 22:58 )
في اسرائيل لا يجوز قتل شخص مقيد اليدين والتمثيل به
من يفعل ذلك يقدم إلى العدالة لأن اسرائيل هي دولة قانون وليست دولة حماس


2 - يبدو انك لم تقرأ الامثلة المذكورة
وليد ياسين ( 2010 / 5 / 28 - 00:59 )
يبدو يا سيد يعقوب ( والسرال من هو يعقوب هذا) لم تقرأ الامثلة المذكورة. هل سمعت عن الباص 300؟ الم يقتل الاسرى بعد اعتقالهم وتكبيل اياديهم من قبل رجال الشاباك؟ الم يقتل ليفنغر فلسطينيا وهو مقيد الايدي وعلى سمع وبصر جيش الاحتلال؟ الم يقتل شرطي سائق الجرافة في القدس بعد السيطرة عليه؟ هل تريد المزيد من الامثلة على دولة القانون هذ؟؟؟؟
عن اي دولة قانون تتحدث؟ وهل قدم مرتكبوا هذه الجرائم الى العدالة؟


3 - هل قدم مرتكبوا هذه الجرائم الى العدالة؟
يعقوب ( 2010 / 5 / 28 - 21:42 )
الجواب: نعم
مرتكبو وليس مرتكبوا

اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في