الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حي السلّم: خارطة النسيان

خضر سلامة

2010 / 5 / 28
حقوق الانسان


في 27 أيار 2004 ارتكب الجيش اللبناني مجزرةً بحق سكان منطقة فقيرة في ضاحية بيروت، هي منطقة حي السلم، أثناء مظاهرة لمجموعة من السائقين العموميين اعتراضاً على سلّة تجاوزات وصفقات ضريبية قامت بها الطبقة الحاكمة على حساب لقمة عيشهم، ذهب ضحية "هيبة" الجيش خمسة قتلى، لم يستقل وزير الداخلية، ولا وزير الدفاع، ولا رئيس الحكومة ولا الجمهورية ولا النواب، لم يتحرك حتى رئيس بلدية، لم ينزع أي موظف رسمي من درجة عاشرة، كل ما فعله النظام اللبناني السافل كان: الانتصار على حي السلم، بمجزرة! لأرواحهم، وروح النقابات العمّالية، ولروح الكرامة الوطنية رحمها الله، هذه الكلمات الآتية، للذاكرة.

قد تصل أحياناً الى حقيقة تداعب انتمائك للجياع، وهي أن الفقراء حين يسقطون، تعلقهم الس ماء زينةً للأمطار القادمة مع الربيع، تلك الأمطار القادمة صدفةً، لتدهش العالم المأخوذ بالمال، وبالدين أيضاً، لتدهش الكوكب بالفقراء الفرحين ولو جوعاً، والمتعبين ولو أمواتاً.
تلك هي، تلك الأمطار التي قرعت دبابات الدولة المقسمة بين قطعان الطوائف، وهزت المسار والمصير المتنازع على وجوده، وزلزت ثوابتهم الوطنية واللاوطنية والمصرفية.

تصور ايها الوطن المجبول بالغبار – يا حي السلم- تصور يا وطننا الصغير، تصور نفسك يا حيّنا المغدور من الأقربين، وقد وقفت وحدك والعالم ضدك، برجوازيتهم وثيوقراطيتهم وحتى شيوعيتهم، وقفوا اما مشدوهين بالصمت وبالعجز او التنظير، واما مدافعين عن قتلتك، فقراؤك ليسوا سوى أرقامٍ في بورصة التجارة الطائفية والسياسية، ذنبهم، انهم لم يقتلوا قبل الانتخابات البلدية بل بعدها، ربما لو اختاروا موعداً آخر لموتهم، ربما لتحرك نوابهم الذين يرشقون الشيطان الأكبر والأصغر يومياً بأقدح العبارات، أو أولئك الذين يحاربون طواحين الهواء السورية كل يوم، ربما.. ربما كسب الفقراء شيئاً من العناية السيادية الاستقلالية او الالهية المنزلة بعين الطائف، ربما لو اختاروا موتاً آخر، وقتاً آخر.


27 أيار، لم يك في جدول اجتماعات انتفاضات الأرز والصنوبر على مدى ثلاث أعوام، لا قبيل االتشكل ولا بعده، فتلك ال"كمية" تفتقد الكثير من "النوعية" المطلوبة كي نذكرها، أو ربما لأن حي السلم يتبع إيديولوجياً للكوكب السوري الايراني، تباً لحي السلم، تباً لتلك البروليتاريا القذرة التي كادت أن تدنس برجسها "لبنان الأخضر" أو كادت تشوه وجه الجيش اللبناني "الخط الأحمر"، فليُقتلوا اذاً، فليُقتلوا، ربما حي السلم ليس شيئاً من "المستقبل" الموعود، ثم إن أبناؤه لم يتبنوا يوماً "التقدمية الاشتراكية" وهو ليسوا طبعاً من "القوات"، ليسوا حتى لبنانيين طالما أن لا وجه حضاري لهم، إلا الغبار والتعب! 27 أيار سقط من ثورة الأرز وفعل الاستقلال، فأسقط معه أرزهم وخطاباتهم ودعايات الوطن الكذبة.

27 أيار، كربلاء نسيتها الضاحية الجنوبية بسهولة، ربما لأن الاعلام الحربي لا وقت عنده ليلتفت لمن طالب برغيفٍ خارج أطر التكليف الشرعي.. أو لمن اكتشف أن ليس بالشعارات وحدها يحيا الانسان، ربما يحتاج لصفيحة بنزين أيضاً، لا مكان ل"مجموعات على علاقة مع السفارة الأميركية" خرجت لتعتدي على "الجيش الوطني اللبناني الذي نحترم" لا مكان لهم بين ألوان شاشة المنار أو موجات النور.. فالأمر لم يأتهم من شرفة الكتب المقدسة كي يتظاهروا، ثم ما مصلحة الطائفة بقضية البنزين والكهرباء؟ قضية الثلث المعطل أقرب إلى المستضعفين من قضية الفقر.


اسمع، كي لا تنسى قتلاك.. كما نسيهم الدستور اللبناني:
كان خميساً آخر من ايار ال2004، إضراب موعود تحول لقطع طرقات، السبب؟ صفقة قام بها حاشية أحد الرؤساء الثلاثة بتغطية من الآخرين، على حساب السائقين وضرائب من نوعٍ مؤذٍ للسلامة العامة والكرامة، دخل الجيش الوطني إلى حي السلم وانهمر الرصاص على رؤوس المعتصمين، وبعد أن قُتِلوا، اتهمهم الإعلام السافل بالقتل، وتحول الجندي المصاب بحجر إلى ضحية قاتلٍ مصاب بقذيفة دبابة، نهار حي السلم أصبح ليلاً، وليله أصبح مأتماً.
استل الزعماء حينها كل ما أتقنوه من كذبٍ وربا سياسي، أطلقوا سيل الحملات ونظم الأشعار والشعارات والوعود، ثم لبسوا دروعهم وسبقوا الضوء ليحموا الجيش المظلوم الذي كان ضحية الجوع "الحقير"، لفرط انشغال الجميع باللون الأحمر لخط الجيش، لم يميزوا اللون الأحمر لدمائنا، لفرط انشغالهم بالوحدة الوطنية، لم يسألوا عن وحدة حي السلم في معركته مع قاتله، لفرط انشغالهم بحدود هيبة الجيش، لم يسألوا عن حدود الدمع في مآقي طفلٍ ينتظر الرغيف ليلاً.

حي السلم، لا تسامحنا، فأنا من الجموع التي خانتك في النهار التالي، أنا من الجموع التي تلقمت أبرة المورفين الخطابية على التلفاز وتركت الشارع الذي احترق خجلاً من خيانات الزعماء، تركتُ أول ثورة حقة كانت لأجل الجوع لا لأجل الكرسي ولا لأجل ضريحٍ ولا ثلث، تركتُك تمسح بخرقة الطوائف عن وجهك جراح المغول الكاكي الذي عبر من هنا، وحدك أنت، بصليب البؤس، وبسمتك التي احتضنتنا دوماً وجعلت منا رجالاً، فآهٍ لنعال أطفالك يا ضاحيتي الجميلة، يا ضاحيتي المستفردة كالكرامة في زمن البوليس.

حسناً لا بأس، حي السلم كما ولدته الضاحية، بقي وحيداً، ويتيماً، ستظل وحدك يا حي السلم، تلملم بقايا بنفسجك الذابل، وشظايا من عيون سقطت، وحدك وشهداؤك الخمسة، او الستة او السبعة أو المئة، لا فرق، وعدوك بتحقيق، وعدوك بتعويض، وعدوك بأشياء كثيرة، وعدوك أن تدخل في الوطن، وما دخلت بعد يا جرحنا الأطهر من بسماتهم، وبذلاتهم، حي السلم، أيها المأخوذ بالتحزّب والتعصّب.. فمن يتعصب الآن لدمك؟

قدّسوا ما شئتم من مصطلحات فارغة، فنحن نعلم أن لنا معبداً في عيون القتلى.. محراباً يشهد أننا نحن، نحن أجمل الفقراء..
في 27 أيار – ذكرى مجزرة حي السلم، نكمل خاطرة الكفر بأصنام الوطن المسخ السياسية، ونسجد نستغفر من إلهٍ بثيابٍ رثة، يكنس شوارع مدينتنا.. ويغني لربيع آت لا محالة، ليزرع في كل حي سلمٍ في العالم، مليون أقحوانة"

ستظل وحدك يا حي السلم.. سنظل وحدنا.

أسماء ضحايا اتفاق الطائف ممثلاً بمجزرة حي السلم في 27 أيار 2004 نقلاً حرفياً عن الصحف اللبنانية:
علي خرفان (19 عاما) وشيع في حي السلم في اليوم التالي، وكان قد أنهى خدمة الجيش قبل حوالي الشهر من استشهاده كما أخبرنا أخاه في مقابلة مصورة قائلا: "البدلة (بزة الجيش) التي خدم سنة كاملة من أجلها قتلته".
زكريا أمهز (33 عاما) وشيع في قضاء الهرمل. وتلا الدفن اعتصام أمام سرايا الهرمل حيث طالب أهله بمحاسبة المسؤولين عن قتله.
حسام ياغي (20 عاما) وشيع في بلدته يونين، قضاء بعلبك.
خضر شريف (21) وشيع في بلدته اللبوة، قضاء بعلبك. وأصدر أهله بيانا جاء فيه " إن إبننا لم يسقط في سرقة أو قتل أو نهب بل سقط دفاعا عن لقمة العيش التي أرادها شريفة"، مطالبين بكشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين.
حسن شرارة (23) وشيع في بلدته برعشيت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة




.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا