الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شفير الهاوية [الجزء 3 الاخير ]

رويدة سالم

2010 / 5 / 29
الادب والفن


أشفقْتُ عليها فرافقتُها في اليوم التالي برفقة نوفل إلى شقّة "نورة".
كانت الساعة قد شارفَتْ على الرابعة عندما وصلنا. البرد يلف المكان و الرذاذ يلفحُ الوجوه و يُجبر الجميع على الاختباء حيث يكون الدفيء . كان الشارع هاديء إلا من بعض السيارات التي تمزِّق من حين إلى آخر السكون لتختفي سريعاً كالأحلام و كُنّا لا زلنا نَـتَـناقِش بشأنها، عندها رأيتُ نوره تقف في النافذة. أنها الدقائق الأخيرة قبل الكارثة. كانت تصرخ و كانت رفيقاتها في السكن يَـبكينَ و يحاولنَ جذبها إلى الخلف. كان الكل يُشَاهِدُ ما يحدث برعب و صيحات مكتومة. المارّون توقفوا و نظروا مشدوهين حيارى.. تملصت نوره من رفيقاتها و قفزَت من الطابق الرابع.
هوَتْ إلى الأرض و تهشَّمَ رأسُها. أحسسْتُ إني أهوي معها. إنقطعت أنفاسي و تزايدَتْ دقّات قلبي. شابة بعمر الزهور تعجز عن المواجهة فتقرر الهرب من المسرح. تلفظ أنفاسها في حين تتواصل المسرحية. يستمر الممثلون في التحرك كدمى تدفعهم مشاعر متناقضة. نظرتُ إلى وجه هند فهالني ما قرأت على صفحتِهِ. ارتسم شيء يشبه الفرح أو الارتياح على أساريرها. بدا لي هذا الإحساس الغريب عند رحيل زميلتها نورة انتقاماً داخلياً من الأُم الحقيقية التي لم توفَق في معرفتها يوماً.
وصلت سيارة الإسعاف و الشرطة بسرعة لكن البنت كانت قد لفظَت آخر أنفاسها وودّعت عنائها المرير الى الأبـد. بدأ الفضوليون يتجمَّعون. يقتربون من الراحلة و من أعوان الأمن الذين بدأوا تحقيقاتهم و يتساءلون. و كثُرَ اللغط. كانت شابة نحيفة و قصيرة تبدو أصغر من سنها الحقيقي. كبر بطنها جاء مُفسِّـراً أسباب قرارها الرحيل إلى الأبد. قال احدهم
- إنها شابة مُنحرفة لم تجد من حل للتخلص من الفضيحة ففعلت ما فعلته و خسرت الدنيا و الآخرة.
- أنظروا إلى وجهها. إنني أعرفها. رأيت صورها على شبكة الأنترنت عارية و في وضعيات مُخزية. موتها تطهير للمجتمع من أمثالها من الزُناة.
هذه الثرثرة أثارَت حُنقي. تمالكتُ نفسي لكي لا أثور بوجه أحدهم. نورة كانت أكثر براءة مما يدَّعون. كانت ساذجة بسيطة. لكن لم يرحمها احد. ستتحمل أخطاء كل الفتيات لأنها ضعيفة و غبية.
هند لم تقوى على النظر إلى زميلتها الممدَّة على الأرض. أخفَتْ وجهها بين يديها و بدأت تبكي. أحسست أني سأنهار فإنسحبنا و عُدنا إلى البيت.
نورة شابة بسيطة و فقيرة. تسكن بعمارة مخصصة للطلبة و قريبة من الجامعة. تركت ريفها و رحلت إلى المدينة و كلها أمل. مكَّنها إتحاد المرأة التونسية من مُنحة سنوية و ساعدها إتحاد الطلبة على التمتّع الدائم بالسكن الجامعي المجاني. بدون أية خبرة أو خبث أحبَّت أستاذها. كان حبه كل حاضرها و مستقبلها. إعجابهُ و إهتمامهُ كان ممتعاً لها ورائعاً . شعرَتْ أنها مميّزة. إختارها من بين الكثيرات. و ردَّد على سمعها معزوفة الغرام ووعود الوفاء الأبدي.
أستدرجها إلى بيتِهِ. هناك تقِف مستسلمة بين يديه. يُجرّدُها من ثيابها ببطء في حين تختطف هي قُبُلات سريعة من وجهه و يديه بكل سذاجة المراهقات. فيضحك. و تبقى أمامهُ عارية صامتة تتأمل عيونه التي تلتهم جسدها و يديه تتلاعب بخصلات شعرها الأسود المنسدِل على كتفيها. يملأُ الرضا نفسها لانه سعيد فتستسلم لشفتيه الغليظتين ترسمان بنهم هوسَـهُ بالصغيرات البسيطات. يثرثر و تستمع بعينين مغمضتين لكلماته البذيئة. ينزع رداء الإحترام و الهَيْبة و يغدو نذلاً مجرماً حقيراً. يقشعر جسدها لنسيمٍ باردٍ تسللَ من الشبّاك المفتوح. يقول :
- صغيرتي ستمرضين. يجب ان ترتدي شيئاً...
السعادة التي تغمرها لإهتمامه تُنسيها خطيئتِها و والديها الذَيْن ينظُران من شباك غرفتِهِما المفتوح رغم البرد إلى النجوم القليلة البادية في السماء و يحلُمان. ستنجح نوره و تسطعُ نوراً دافئاً في سماء حياتِهِما. و يرتسمُ وجهها مبتسماً في الفضاء ملوِّحاً لهما فيخلُدانِ إلى النوم في دِعَةٍ و استسلام في حين تستسلم هي لجنون أستاذها و حبيبها.
يحتويها. يختفي الجسد الصغير في حضنِهِ. تتلاعَبُ النشوة بروحها في تسلقها المستمر نحو الهاوية.
حرص كعادتِهِ على أن تستمر العلاقة أطول فترة ممكنة. كما فعل سابقاً مع "نُهى" قدَّم لها كل ما يلزم لتفادي الحمل.
لكن نورة كانت مختلفة عن باقي الشابات اللواتي تعرَّف بهن. صمتُها و سذاجتُها. أشياء أطربتْهُ. إنها الفتاة الأولى التي لا تُتْعبُهُ بطلبات لا تنتهي. تُعطيه دون مُقابل. كلمات فقط تكفيها و تروي ظمأها للحب.

في غفلةٍ منهما انبعثَتْ حياةً بأحشائها تستحثُّ الخُطى للنمو. ويومَ اكتشفها عنَّفها و ضربَها بقوة. جلدها بلسان مُقذِع و يد خشنة ثم رمى بها في الشارع شبه عارية. عادت إلى غرفتها في السكن الجامعي بدون روح. لم تحتمل التفكير في شيء. لكنه ثمرة حبها الكبير و سيبقى . هذا ما قالته. بإمكانها الاحتفاظ بطفلها ومنحه أسمها كأمٍ عزباء.
ثارت هند مُعترضه. صاحت بها أن أفيقي أنهُ عارٌ و خزيٌ. إستسلمتْ "نورة" لما تقرره صويحباتِها. أخذوها إلى طبيب نسائي فرفض الإجهاض متعللاً بفوات الأوان . لكن العائلة سمعت الخبر. الأب المسكين مات من هول الصدمة قبل أن يرَها أو أن تَشرح لهُ.
رحيل الأب كان أعدل حكم بالإعدام لروحها التائهة. في لحظة يأس قررت الهرب فحلَّقت في الفضاء بصمت. عانَقَت اللانهاية و غابَت في العَـدم.
رحيلها أثار ضجة كبيرة في الصحف. نُشِرَت فيديوهات و صور إنتحارها على الأنترنت. صارت قضيتها حديث الساعة.
كم هو بائس هذا المجتمع. ذُكِرَتْ كل تفاصيل الانتحار و أسبابه المحتملة. و لم يُذكر الأستاذ.
ذاك المحترم لم تَطُلْهُ الألسُـن و لم يحاكمه القانون رغم جرمه. فهو رجل و الدليل الوحيد على أدانته اختفى إلى الأبد. سيستمر في عمله رغم ما يمثّلُهُ من خطر. سيواصل إستغلال سلطته المعنوية و الأدبية في التغرير ببريئات كل ذنبهن أنهن لا يمتلكن أية خبرة. شابات بسيطات لا يحتكمن إلّا إلى قلوبهنَّ الرقيقة التي تتحطم سريعاً على الشواطئ الصخرية القاسية للواقع التعيس.
رحلت نورة لأن حبيبها خذلها و لم تقوى على إحتمال الخيانة. رحلت نورة لأنها خَذَلتْ أحلاماً بريئة لعجوزَيْن طيبين شريفين. رحلت لأنها وثقَت في الآخر و آمنت أن الدنيا بخير. رحلت بكل بساطة لأنها أحبَّت بكل كيانها. منذ متى صار الحب جريمة عقابها الموت ؟؟؟ موتها كان حتمياً و لا يُحزِن أي قلب مهما كان رقيقاً عطوفاً.

كما تمر العواصف القوية مرَّت أحداث رحيل الطالبة "نورة"
مع الأيام صارت مجرد ذكرى إلى أن شاعت علاقة الأستاذ بمها الغانية على شبكة الانترنات.
حُضِرَ المنتدى و سُـويَّ الأمر ..
في خضم تلك الأحداث عادت "ليال" من بلاد خليج البترول.
لكنها كانت مختلفة تمام الأختلاف. فقدت جمالَها المتوحِّش. بل لم تعد جميلة. جسدها فقد كل فتنتِهِ, روحها كسيرة وجهها تعلوهُ ندوبٌ وآثارغائره.
الأميرة المتوَّجة كانت مُغطاة بغبار و عفن الشوارع التي حامت بها ، بعد أن نال الجميع حقّه منها..ثمن الفتاة الجميلة المثقفة الحالمة بالمجد و العز في بلاد البترول كان مساهمات من شباب عابث ، تمتَّعَ صاحب السهم الأكبر بلذة الصيد و الليلة الأولى.. إصطادها بحرفية من تعوَّد الحصول على أمثالها من المغفَّلات ، و كانت في الليالي اللاحقه من حصّة الآخرين الأقل مشاركه بتكاليف الزواج الصوري .
وبعد ان استنزفوها رموا بها في الشارع بدون أي أوراق قانونية و لا مال. جردها الشارع مما تبقى من إنسانية و كرامة بجسدها و روحها. داستها النعال الوسخة كما القمامة. في حين سافر الصيّاد المتمرس الى بلد عربي آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت