الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصندوق ذي الجلد المرمري ..

صادق البصري

2010 / 5 / 28
الادب والفن


قصه قصيرة

هل يتحتم علي أن أموت يوميا تحت ثقل هذا السؤال الذي لطلما ارقني ،أم استسلم خاضعا لما وجدته مدونا رسميا في بطاقتي الشخصية ، مجرد تاريخ ميلاد بديل والأغرب انه مزيف كما اوحت لي أختي الكبرى ، لا ادري لماذا إصر والدي على كتابته في بيان الولادة يوم انبثاقي للحياة ؟ ربما لان فرحة الأب في لحظة إنجاب مولود ذكر أنسته تواريخ الأيام والأشهر والسنوات ، أو لأنه تعمد كتابة تاريخ ميلاد من اختراعه لغاية في نفسه؟ لم تهدأ سورة غضبي حتى اعرف السبب في عدم إدراج ذلك التاريخ الحقيقي ليوم ولادتي ، بدأت تتقاذفني الاسئله ترى ما هي الغاية في عدم إخباري بذلك التاريخ ؟مر زمن مات والدي وتبعته والدتي ،وتفرق الإخوة والأخوات كل إلى حيث حياته الخاصة موزعين في أصقاع الأرض ، لايربطنا رابط سوى تشابه اسم الأب وإلام والجد في بطاقاتنا الشخصية والجوازات .. ياله من زمن ميت !! ولكي أقف على الحقيقة وأنهي طوفان الاسئله بداخلي رحت أنقب بين الأوراق القديمة في صندوق العائلة ذي الجلد المرمري، تركة والدي ويالها من تركه !! صندوق قديم معفر بالغبار كان يحتفظ به والدي داخل غرفته ، ويحذرنا من التقرب منه ، كان والدي مزواجا ، على ما أتذكر انه قال لي ذات مره انه اقترن بأكثر من امرأة وفي أماكن متعددة ، نسوه غير اللواتي كنا نعرفهن وله منهن أولاد أخوه وأخوات لي من غير الأشقاء ،وكان يتباهى انه لم يبت يوما في فراش العزوبية - يالها من حياة صاخبة حياة والدي وياله من مغامر – !!فتحت الصندوق الخشبي القديم ذي الجلد المرمري بعد أن أزحت عنه غبار السنين المتراكم، باغتتني رائحة الخشب المتعفن التي ملئت انفي ،كان بمثابة أرشيف العائلة المنقرضة ،ليس سوى رزم لأوراق عتيقة !!
- إذا لماذا كان والدي يحذرنا من الاقتراب منه ما السر في ذلك !؟ كانت موجوداته عبارة عن اوراق عقود زواج ، رسائل قديمه، وصفات طبية، وصولات ضرائب حكوميه مدفوعة ، شهادات دراسية لي ولإخوتي ، كان يحرص والدي على رزم تلك الشهادات كل نهاية عام دراسي وإيداعهن في ذات الصندوق ، صور بالأبيض والأسود لوالدي ووالدتي والإخوة والأخوات ، لحظات متجمدة وصور محنطه من ذاكرة زمن غادرناه أو هو غادرنا ، كنت الوحيد في العائلة الذي لم يكبر منذ ولادته ، تداعت في مخيلتي الذكريات وأنا اقلب تلك الصور، كم ضحكنا ولعبنا وتخاصمنا، كم بكينا كم فرحنا، كم كنا نحلم ونتبادل الرؤى والآمال ، زمن طاف وتلاشى ولم يبق منه إلا هذا الأثر ، أنها ساعة متأخرة لا تريد أن تمر، لم أجد ما يبدد حيرتي في ما ابحث عنه وهوالتحقق من تاريخ ميلادي الحقيقي ، تملكني اليأس وخابت أمالي في العثور على ما يثبت إن تاريخ ميلادي مزيف ، كانت الذكريات تنساب متدافعة بعنف بداخلي في غمرة اليأس ، وأنا اقلب تلك الأوراق العتيقة اكتشفت انه بمجرد انك تبحث عن شيء معين في دهاليز الذاكرة تنكشف لك مغاليق وأسرار أشياء أخرى كثيرة وحوادث لم تخطر على البال ، غابت عنك أو غيبت في خضم زحمة الأيام ؟ وفي لحظة صمت انتابني شعور بالإحباط وتراجع اندفاعي ، أعدت الأوراق إلى قبرها داخل الصندوق وأغلقته، ورحت أتسائل مع نفسي وماذا يفيد الإنسان إذا عرف الساعة واليوم والشهر وألسنه التي ولد فيها مادامت السنون التي يقضيها في حياته مجهولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس