الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصانيف النهب

علي شايع

2010 / 5 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كمتابع لأخبار العراق، وقفت هذا اليوم في لحظة تأمل مر أمام ثلاثة أخبار أجد إنها تستحق السؤال والمناقشة:

الخبر الأول وكما ورد في صحيفة عراقية.. "عرب وين طنبورة وين"..شركة بترانوس الماليزية تتعرض إلى تهديد عشائري في حقل الغراف النفطي.

الخبر الثاني.. "الشركات اليابانية بانتظار تشكيل الحكومة لدخول العراق".

الخبر الثالث.. "العثور على الكنز الأصلي لعلى بابا والأربعين حرامي في إحدى القرى التابعة لمحافظة ماردين بجنوب شرقي تركيا".

ربما يربط هذه الأخبار - مجتمعة في سياقها- الوضع العراقي وإشكاليات تأسيس الدولة، حيث تمرّ البلاد بسنوات لم تتكرّر وقائعها في أي بلد، وهو في هذا صاحب حظوة يواصل خلالها ريادته حتى في ضرب المثل الأسوأ عالمياً.فالخبر الأول ربما يكون غرائبياً بكل معنى القسرية في رؤية هذا المشهد بصورته العراقية، وهو تحت وطئ آلية بدائية،وعشائرية في ظل غياب المرجعيات الحضارية التي تؤسس لديموقراطية لا تدركها ماهية العشيرة.
ولفهم هذا الخبر من وجهته الآنية سنرى حجم القطيعة بين الدولة بصورتها الحلم، وبين العشيرة المنشغلة باستحصال غنائمها في حمى وطيس النهب، ولعلّ من المثير للضحك الشبيه بالبكاء، ما تضمنه الخبر من تعليق عابر كعنوان رأي يشير إلى هذا الخبر،مُذكراً بمثل محلي شهير يقول: "عرب وين طنبورة وين ". و "وين" بمعنى أين في الدارج العراقي. أما طنبورة فهي إمرأة شبقة ليست سوية العقل تماماً، اعتادت الاستلقاء على عباءة زوجها كلما فرشها لها كعلامة دعوة لمتعة الفراش. لكن لحظة المثل المُستنكر لفعل تلك المرأة المسكينة- المظلومة بقياس واقع الحال عموماً- جاءت حين فرش هذا الرجل عباءته قصد جمع ما خفّ حمله وغلى ثمنه فراراً من طوفان كان يجتاح القرية.بينما ذهب احتمال المرأة إلى لحظة المعاشرة المُنتظرة تلك.
وربما أخذ دور "طنبورة" شيوخ عشائر وأهل قرى رؤوا ما رأوا فهالهم أن لا يغتنموا مع الغانمين.فليس بمقدر أي إنسان في الكون أن يتصور حجم النهب في العراق ولا يتوقع من الجميع الاشتراك، فهل يعقل أن يكون المعلن في حصيلة ما يناله أهل الفعل السياسي كمرتبات شهرية تتجاوز المليارين.وهل تعقل كلّ أرقام ميزانيات الدولة الانفجارية في سنوات مررن كسنين يوسف السبع العجاف؟.
أين ذهبت تلك الأموال؟..
أقول أسمعت لو ناديت حياً.. ولكنها سنوات في وصف الموت والنهب..
وأقول نادماً على عودتي للكتابة مجدّدا: دع المرء مطوياً على ما ذممته ولا تنشر الداء العضال فتندما..
وأقول لعلّني أنشر غسيلاً متسخاً لا يليق بأملنا في الديموقراطية..
وأقول لعلّ الوضع يتغيّر ولابد من فائدة..إذ لا شيء يشاركنا في هذا الحيز من الكون دون فائدة.. فحتى الساعة الخربة المعلقة على الجدار قبالتي منذ يومين مرّت بلحظات صدق وأنصفها الزمن .. وكانت على حق لمرتين في اليوم الواحد..ولكن إلى م ننتظر هذه المصادفات..وهل ستجلب لنا المصادفات المأمولة من يطابق عقارب زمانه ومكانه كل لحظة،ولا يمضي الى وقته الشخصي؟.
وهل سيأتي الرجل الموعود بالأمل ليشرح كيف ان قيمة المبالغ المهدورة بسبب الفساد سنويا بلغت 46 مليار دينار..حسب تقرير لهيئة النزاهة كشف عن ارتفاع نسبة الفساد المالي في العراق بشكل يدّق صفارات الإنذار..ولكن لمن تقرّع الأجراس؟..
هل سيحلّ ذلك الزمن العراقي فنراه؟..
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..سيقولها معي كل من كان يسأل: هل سيأتي زمان ونرى زوال الطاغية وجبروته الفارغ الجاثم على رقبة العراق؟..
لنترك هذه الحكايات الآن ولننتظر زمناً قريبا لحكومة تنصف أهل القرى في الخبر المذكور، فربما كانوا أصحاب حق في أرض يريدون التفاوض عليها..
ولكن لنسأل قبل أن نلوم الدولة:هل تلك الأرض تحمل صفة التمليك، أم إنه عقد ضمان زراعي؟..ثم مهلا أليس الحري بالدولة أيضا متابعة هدر أراضي الدولة الزراعية وتجريف بساتينها من أجل بيع تلك الأراضي - من قبل الفلاحين - كمناطق سكنية لمن يملك الثمن ..يحدث هذا في الجنوب وعلى مشارف مدينة قلعة سكر،كما أطلعني صديق قادم من هناك على صور لمجازر النخيل..وما خفي كان أعظم.

وكيف ستأتي الشركات اليابانية التي أعلنها الخبر ونحن لا نملك حكومة سلطة..تحمينا وتحميها قبل أن نضيع كدم بين العشائر؟.

والى متى نصطبر..لأننا لدينا ديموقراطية تتشكّل؟..الم يقل المثل: لا تشرب سماً ..اعتماداَ على انك تملك ترياقاً يمكن أن يشفيك..

إنها تصانيف نهب تضجّ بأخبارها لحظات العراق كلّ يوم..حتى لتسمعن وببرود خبر مقتل عدد كبير من صاغة الذهب ومن أبرياء كانوا يرتادون السوق..على أيدي عصابات منظمة ..
إنها تصانيف نهب يختلط فيها حابل الجشع بنابل الإرهاب والعنف..

ولكن هل سنجد في الناهبين وأهل "الفرهود" * من يعي روح الخبر الثالث؟.. فها هو الكنز الأصلي لعلي بابا والأربعين حرامي أصبح تراثاً وأثراً لم يقصد سارقه ان يبقيه حيا في التاريخ، لحظة دسّه في التراب، ومع هذا كان السارق القديم أشرف بكثير ممن نهبوا خيرنا في الدولة الحديثة من السابقين واللاحقين، ووضعوها في حسابات وأسماء لا يعلمها احد، ضاع رصيدها وتلاشى بريق كنوزها حبراَ على أوراق في البنوك العالمية.



* عنوان المقال مأخوذ من نص رائع للشاعر سليم بركات اعتمد البحث عن الوجه الآخر للموت كثيمة دخلت في تفاصيل النهب، ونهاية تستحق تقليب وجوهها الأخرى.

* الفرهود كلمة تركية أو قيل فارسية تعني استباحة المدينة: كان الجنود العثمانيون لا تدفع لهم مرتباتهم بانتظام لذا كانوا قبل حلول الأعياد يهجمون على أسواق بغداد فينهبونها، حتى أعتاد الناس على ذلك فسموه ب(فرهود) وهي مصطلح فارسي، فره (الكثرة) هود (الدكاكين). ولعلّ أقسى ما بقي في الذاكرة الحديثة حكاية فرهود يهود العراق و ما تعرضوا له من نهب منظّم أسهمت فيه الحكومة أيام العهد الملكي وشاركها رعاع القوم كالمعتاد.

وطرفة بالمناسبة ..يحكى أن إمرأة عجوز، راسخة كعمرها في الجشع، سألت عن معنى الديموقراطية، فقيل لها إن تغييرات ستحصل يتبدل فيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كل أربع سنوات، ففرحت قائلة: "يعني كلّ أربع سنوات راح نفرهد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى