الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 2

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2010 / 5 / 29
سيرة ذاتية


"ان الذين يقرأون التأريخ ولا يتعلمون منه فقدوا الأحساس بالحياة، وانهم اختاروا الموت هربا من محاسبة النفس أو صحوة الضمير والحس" أرنولد توينبي.

اليوم الأول.
بدأت الحكاية عندما استدعانى المحافظ، شخصيا، للحضور الى مكتبه على وجه السرعة، أثناء الدوام المسائى، دون أن يُنوه عن السبب. كان الوقت الذى يستغرقه الأنتقال من مقر عملى، مديرية بلديات محافظة أربيل، الى مكتب المحافظ فى ديوان المحافظة(أكثر من كيلومترين)عاملا مساعدا لأتمكن من تجميع أفكا رى وتهيئة ذهنى للأجابة على جميع الأستفسارات والأستعداد لكل الأحتمالات. لكى لا ُأُفاجأ بشئ غير متوقع ، وأُصبح فى موقف مُحرج، أو اتخذ قرارا غير مدروس بعناية. لقد تعلمت هذا الدرس، البسيط ، من بين عدة دروس مهمة من المهندس (نعمة الله حمدالله) عندما كنا نعمل فى الدائرة الصناعية التابعة لوزارة التخطيط فى بغداد. هو بدرجة رئيس المنهدسين وأنا بصفة معاون منهدس بأجرة يومية. هو فى المراحل الأخيرة من عمره المهنى، أى فى قمة المنحدر، وأنا أهئ نفسىى لأخطو الخطوات الأولية، المتواضعة، لصعوده والتمرس الجاد فى مهنة لها دور جوهرى، باعتقادى، فى ربط عالمى الذى كنت أشعربضيقه وقسوته من جميع الجهات، الوطن، بعالم أرحب يعرف كيف يبنى ويعيش ويتألف. هذه المسافة، والبون الشاسع، بين نعمت الله وبينى اختصرتها الذاكرة والأسم معا. ما كان مخزونا فى ذاكرة هذا الأنسان، الرائع حقا، من جانب وما كان يشير اليه اسمى الثلاثى من دلالات، بالنسبة اليه كما أظن، من الجانب الأخر. هناك أدركت أهمية الذاكرة الحقيقيه على مستوى الوطن وأسباب عداء المستبدين لها ومحاولتهم المستمرة لفنائها ومحو أثارها أوحشوها بما هو مزيف وتافه.
عند وصولى الى الممر المؤدى الى مكتب المحافظ، أفهمنى الفراش، الواقف الوحيد أمام باب مكتبه، من بعيد بحركه معبرة من يده، بأن المحافظ بانتظارى، مما تعنى عدم الحاجة لمراجعة السكرتير وضياع الوقت. قبل دخولى الى المكتب كنت مطمئنا بأننى مهيأ ومسلح بجميع المعلومات، بتفاصيلها الدقيقة وحيثياتها ، بكل ما يتعلق باعمال الدائرة التى أعمل فيها .
حال دخولى الى المكتب، ومن النظرة الأولى، داهمنى شعور أخربأن الحيرة والصمت كان سيد الموقف ساعة حضورى، وان خلية الأزمات فى حالة اجتماع، قد يكون الأمر خطيرا !!.كل ذلك فى غرفة كبيرة مستطيلة الشكل تقع فى الطابق الأول فى بناية قديمة نسبيا. شعرت، على الفور، بأن الموضوع الذى سيُطرح أمامى، أو ُأُستدعيت لأجله، لا علا قة له بتاتا بما أجهدتُ نفسى فى استحضارها ذهنيا، بكل تفاصيلها، وأنا فى الطريق الى هذا المكتب. من ايجابيات الغُرف بمثل هذه الابعاد، المختارة بوعى وذكاء، ولمثل هذه الأستعمالات الرسمية : اعطاء الفرصة المتكافئة لطرفين غير متكافئين،ابداع معمارى،. فى الوقت الذى يُعطى الوقت الكافى للجالس وراء المكتب ، على كرسى مُريح، معتمدا على قوة فراسته، ليتمعن جيدا فى ملامح القادم وهيئته وما يخفيه خلف (قناعه)وهو يخطو نحوه خطوة بعد خطوة. وبالمقابل يُعطى الطرف المقابل الفرصة الذهبية لأن يُبرمج خطواته، ويُنغم حركاته، ويُضبط ملامحه(قناعه) مستهدفا اثارة مشاعر الجالس وراء المكتب لصالحه، اذا كان القادم ساعيا لتحقيق مطلب أو نفع شخصى ما. قدرة و موهبة مجاملة السلطة من مقومات النجاح الأساسية فى ظل حكم عليل، وفى واقع لا يمكن الحصول على (الحقوق) أوتحقيق الرغبات و الأحلام بدون تقديم تنازلات، معذرة مجاملات . أما اذا كان القادم ، من الصنف الأخر، مطلوبا حضوره، لسبب يجهله، يستغل هذه المسافة لكسب الوقت لدراسة الموقف بسرعة خاطفة ويُخمن ما يُطلب منه وثقله، هل توجد صعوبة أكثر من ممانعة الأنسان، الدائمة والمستميته، لأن يتحول الى أداة صماء فى متناول السلطة، وهو فى مرماها، تستخدمها متى ما شاءت وكيفما شاءت . ان مثل هذه المسافات، وفى مثل هذه المكاتب السلطوية، كنت أشبهها، دائما، بخشبة مسرح هلامية تُعرض عليها مسرحيات صامتة ومتنوعة لا تستغرق عرضها أكثر من ثوانى. لكنها مليئة، رغم قصر مدة عرضها ، اما بالتمثيل المتقن والأنبهار المفتعل المبنى على المشاعر المزيفة لنيل المراد ، أو بمشاعرصادقة وعميقة مصحوبة بشعور داخلى من الألم والحزن و الرهبة من النوع التى تُصاحب انتظار مفاجئه مجهولة فى بلد يقف فيه الأنسان، المعتز بانسانيته، فى حالة توازن قلق، طوال حياته، بين الحياة والموت (بالمعنى الدقيق والوجدانى لكل من: الأنسان، الحياة والموت) باقدام عارية على حافة شفرة حادة لا تعرف الرأفة أو الخداع (ولا أقصد خداع النفس والتطبع بطباع النعامة).
جلست فى المكان الذى اخترته ، على الطرف الأيمن من المحافظ بجانب على السامرائى مسؤول مكتب تنظيم الشمال لحزب الحاكم ، وفى الجانب الأيسر كانا مديرا شرطة وأمن أربيل.
وبعد الترحيب المألوف للقادم الجديد فى المجالس العراقية من قبل الجميع، وجه لى المحافظ، ومن دون أية مقدمات ، سؤالا محددا : هل تعلم ماذا يحدث فى مصيف صلاح الدين؟ الجواب: لقد سمعت بأن زائرا مهما و ذو شأن يُقيم فيه منذ فترة. والناس يستغلون وجوده و يقدمون له عرائضهم ومطالبهم ويحوله، بتوقيعه، الى الجهات المعنية حسب الأختصاص للنظر فى الموضوع. وهذا عرف مألوف يُمارس فى العراق فى كل زمان ومكان. المحافظ: لقد تجاوز الموضوع ذلك كثيرا لدرجة خلقت التجاوزات العشوائيةعلى أراضى الدولة حالة غير مقبولة من الفوضى ، وانت باعتبارك مدير بلديات المحافظة من مسؤليتك معالجة الموضوع واتخاذ الأجرائات القانونية . بعد أن أدركت، بسرعة، تهرب هؤلاء من مسؤلياتهم ، واهتمامهم بتهيئة كبش للفداء لتقديمه قربانا عندما يجئ وقت الحساب أكثر من التفكير الجدى بممارسة صلاحياتهم لمعالجة الأمر ساعة ظهوره ، رميت الكرة بدورى الى ملعبهم: لماذا لاتُوضحوا الأمر لمن سبب فى خلق هذه المشكلة قبل أن تستفحل وتصبح الوضع خارج السيطرة،أليس الوقاية خير من العلاج؟ و فهمت من جواب المحافظ، وكان المتكلم الوحيد معى، بانه لا يريد أن يسترسل فى الموضوع أكثر باستثناء التأكيد مرتين بأن مدير الشرطة يضع تحت تصرفى القوة اللازمة لتنفيذ المهمة. واصبحت الكرة فى ملعبى مرة أخرى ! وبدورى كررت أثناء الحديث، مقصودا، عبارة : "انكم تطلبون منى التصرف وفق القانون فى هذه القضية". لأننى كنت أتوقع أن يُسجل كل ما يدور فى هذا المكان. وبعدها غادرت المكان، بعد الأستئذان، عندما انتفت الحاجة لبقائى بينهم أكثر.
وفى الطريق الى البيت راجلا، مسافة كيلومترتقريبا، كنت أفكر مليا، فيما اذا كان الخوف يدفع بالأنسان الى أن يتصرف ببلادة شنيعة ، الغريق يتشبث بقشة، حيث لم يلاحظوا تأكيدى على عبارة "التصرف وفق القانون". فهم تخيلوا أنهم أمنوا لهم خطا للرجعة والتهرب من المسؤولية، بتحفيز موظف بدرجة مدير ، ليس لديه صلاحية حتى تقشير رأس بصل بموجب القانون، ودفعه لمناطحة غول ولكن أى غول؟ الغول الذى يتحاشا مواجهته أكبر رؤوس البلد وأثخنهم شاربا بالرد عليه وايقافه عند حده، حتى ان تجاوز بالكلام البذئ على عرضه وشرفه ، وكان يفعل ذلك كثيرا بحضورهم، سليط اللسان، قليل الحياء لدرجة يقول فى العلن :" عندما كان..... (قضيبنا) يهد (يهدم) الحائط ما كنا نحصل على شئ ، والأن نحصل على كل شئ ولكن ما نقدر أن نسوى(نعمل) شئ." كما رواه لى صديق حضر بالصدفة مجلسا من مجالسه العامرة دائما. شعرت بأننى فى وضع اذا جلست يجرفنى التيار واذا وقفت يأكلنى الذئاب. أعيش فى بلد كلما ارتفع مركز المرء وعلا شأنه ضاقت مدى تفكيره ، اضمحلت جرأته و تواضعت مواقفه، يا لها من مصيبة .
قررت أن أذهب الى مصيف صلاح الدين لأستقراء الوضع ميدانيا وما على فعله، بحكمة وعقلانية، دفعا لبلاء قد يحرقنى ويحرق غيرى من دون أى ذنب أقترفناه. دون أن أنسى الدرس الذى تعلمته قبل قليل: الخوف يدفع بالأنسان أن يتصرف ببلادة. المهم أن أنام جيدا وبراحة بال بعيدا عن القلق، أمامى فى الغد، مهمة شائكة ومصيرية، الصباح رباح كما يقولون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيقاد شعلة دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024 في أولمبيا الق


.. الدوري الإنكليزي: بـ-سوبر هاتريك-.. كول بالمر يقود تشيلسي لس




.. الصين: ما الحل لمواجهة شيخوخة المجتمع؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. إسرائيل تدرس -الأهداف المحتملة- للرد على الهجمات الإيرانية




.. سلاح الجو الأردني ينفذ تحليقًا استطلاعياً في أجواء المملكة م