الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين مكة وجرينتش يا قلبي إحزن

رأفت عبد الحميد فهمي

2010 / 5 / 29
كتابات ساخرة


منذ تهالت الدولارات بلا حسيب و لارقيب على دول الخليج العربي الميمون منتصف السبعينات من القرن المنصرم من عائدات البترول خلال طفرات خيالية أيقظت سكان الصحراء من غفلتهم الطويلة والتي رانت قرنين من الزمان ونحن نرصد تلك الدول وهي في سباقها المحموم للإلتحاق بركب الحضارة وطبعاً لهم كل الحق في النهوض من وعثاء التخلف بعد ما قاسوا اهمالاً طويلاً منذ انهيار الخلافة العثمانية من ( رجل أوروبا المريض) بعد الحرب العالمية الأولى وبالطبع لابأس في النهضة وإقامة مشاريع التنمية فراحوا ينشؤون المدن والجامعات والمدارس والمستشفيات على أحدث الطرق العالمية في العمارة وملاعب كرة القدم ذات الطرز الإنشائية بالغة الفخامة و العصرية تكلفت المليارات ومراكز التجارة الضخمة (المولات والسوبرماركتات ) تشبهاً بالنموذج الأروبي أو النموذج الأمريكي كرد فعل منطقي للتبعية الإقتصادية لتلك الدول وبات الإنسان العربي الحديث متشوفاً ومحتذياً لنمط الإستهلاك الرأسمالي الغربي والأمريكي على وجه الخصوص من حيث تخطيط الطرق والكباري والأنفاق واقتناء أحدث السيارت حتى اندلعت الثورة المعلوماتية وما تضخه من كم هائل من المنجزات التي يلهث عالمنا العربي وراءها محاولاً اقتناء ما عّن له من ذلك الإنتاج السلعي الترفيهي لمختلف البضائع الرأسمالية والتي لا نهاية لإغراءتها الشيطانية في إساله لعاب إنساننا العربي الواعد والصاعد من حقبة التهميش والنسيان التي سادت في أعقاب انهيار الخلافة العثمانية .
و في ظل تلك التنمية والنهضة العمرانية الحديثة لم ينس القائمون علي شؤون البلاد والعباد أهمية التمسك والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية من الذوبان أوالتماهي مع ذلك الوافد المعلوماتي التكنولوجي الخطير والذي راح يغرق عالمنا العربي في بحار منتجاته الإستهلاكية المتوحشة .
وطبعاً يأتي الدين بمثابة طوق النجاة الوحيد للحفاظ على تلك الهوية الإسلامية ممثلاً في التركيز المهووس على طقوسه وشعائره سواء اليومية منها أوالموسمية من خلال اغراق القنوات الفضائية المفتوحة على مدار الأربعة وعشرين ساعة بلا كلل ولا ملل بمواعيد الصلاة وتقصي الهلال لبدء الصوم الرمضاني واللجوء إلى المراصد الفلكية لضبط أوائل الشهور القمرية بدقة لتحديد وقفة عرفات ورغم ذلك ظهرت عوامل الإختلاف بين الدول العربية في من يصوم أولاً ومن يفطر أولاً أيضاً .
ولكن ما يثيرالتساؤل هنا هو مدى تفتق العقلية الدينية العصرية والعاملة في كنف المشيخة الرسمية للدولة حينما تتعامل مع خط جرينتش أو التوقيت العالمي بالنسبة لجرينتش ذلك المنجز الحضاري الأروبي بمنطق الفهلوة والشطارة رغم أن هذا المنجز الحضاري كان ناتجاً لصراعات وإشكاليات للسفن المبحرة في المحيطات أو رصداً لمواقع المدن والعواصم والجزر في العالم الفسيح فأخترعوه اختراعاً حتى يمكنهم تحديد المدن والمواقع بسهولة واحكام بالنسبة لرحلات الطيران التي تجوب أنحاء المعمورة فجاءت تقسيمات خطوط الطول وخطوط العرض فيما عرف بعلم الجيوديسي أي جغرافية التضاريس ذات الأبعاد الرباعية ومن ثًم جاء اختيار ضاحية جرينتش و التي تقع تحت الإنحناء المميز لنهر التايمز في مدينة لندن دليلا ونبراساً عالمياً تلتزم به جميع دول العالم قاطبة للتحكم في شبكة التقاطعات الهائلة لرحلات السفن والطائرات حتى بعد ازدهار تكنولوحيا الأقمار الصناعية فتم الإستعانة والتعاون بينهما سواء في المجالات المدنية أوالعسكرية .
لكن تدهشنا مشيخة المشايخ العربية حين طالعتنا منذ سنوات باعتبار توقيت جهبذ جديد اسمه "بتوقيت السعودية" وتساءلنا هل نحن بحاجة إلى ذلك التوقيت الجديد أي هل هناك اعتبارات جدت تستدعي ذلك التخليق الغريب والشاذ فبالله ماذا يفيد هذا التوقيت في حركات الملاحة الجوية أو الملاحة البحرية مدنية كانت أو عسكرية فكل ما سعت إليه المشيخة في الفضائيات المملوكة لرؤوس الأموال العربية هو التوهم أن ذلك التوقيت ذو شأن أو حيثية دينية يلعب بعواطف المتدينين البسطاء والتي تهفهف أرواحهم نحو مكة المكرمة حيث الزخم الديني يبلغ قمته وذراه وبقليل من التحليل والرصد لشؤوننا العربية والإسلامية فلم نر له أي صدى على المستوى الشعبي والجماهيري إلا إذا كانت هناك مبارة كروية من مباريات كأس العالم أو تاريخ عرض للمواد الإعلامية كبرامج المسابقات والمسلسلات وأغاني الفيديو كليب وهلم جرا من المواد الفنية التافه منها والمفيد فلا تفرقة هذا اللجوء لتلك الألية من استعارة منجز أوروبي للتدليل على أهمية مفتعلة هو دليل على الشعور بالنقص والدونية ونستميح أخواننا عذراً كي لا تضحك منا الأمم فأي عائد جنينا نحن الأمة العربية والإسلامية من ذلك التوقيت الهش والذي لا رأس له ولا ذنب فقط هو استعارة خاطئة لمنجز حضاري ذو شأن خطير في العلوم الجيوسية المدنية والعسكرية على مستوى العالم أجمع ...........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية وتقدير
محمد البدري ( 2010 / 5 / 29 - 22:29 )
اعتقد انا لو راعينا ديننا الحنيف واستمسكنا بالعروة الوثقي وحبل الله وكتاب نبيه لما وقعت حادثة واحده في الطيران أو الملاحة. لنتخيل كيف تكون مواعيد الاقلاع لو اننا التزمنا بتوقيت مكة وصلواتها الخمس. فمثلا في مواعيد الاقلاع لا يجوز ان تقلع طائرة وقت الصلاه او تهبط اثنائها. بل علي كل طائرة في السماء ان تتوقف عن الطيران وتوجه مقدمتها الي مكة حتي يتمكن المصلون من ادائ الصلاه في مواعيدها. لنتخيل ان طائرة تسير عكس اتجاه تقدم الوقت فربما وغالبا ستتداخل الصلوات مع بعضها لانضغاط الوقت والفواصل الوقتية بين الصلوات لهذا ومن فضل هذا التوقيت المكي ان يظل الجميع في سجود حتي ينتهي الوقود من الطائرة وعندها سيكون الجميع تحت رحمة من يصلون له واليه. فهل نشك في قدرته علي اننقاذهم بعد سجود دائم في السماء وعلي الارض. اليس هو القدير علي كل شئ؟ اشكرك يا استاذ رافت علي تنبيهنا الي فضل مكة الذي نسيناه طويلا وعلينا تصحيح ما افتراه علينا اهل جرينتش. ولكن علينا اولا ان ندعوهم للدين الحنيف حتي يحولوا قبلتهم الي مكة قبل ان يبادروا هم الي الغاء توقيت جرينتش.


2 - أصبح لمكه تقويم
أيمن قدرى ( 2010 / 5 / 30 - 06:57 )
فقط لانهم أصبحوا يملكون دفع الدولارات لإقامة مؤتمرات يستحضر فيها ممن يسمون علماء جعلوا قبلتهم الدولار المبارك
فيجتمعون لإثبات ان مركز الارض هو مكه
وان التوقيت ينبغى أن يحسب وفقا لحسابات مكه
وان أى شئ ينبغى ان يبدأ من مكه وينتهى بمكه
فجاه أصبحت مكه هى مركز كل شئ
والزغاليل ما أكثرهم
وليس فقط من الناطقين بالأعاريبيه


3 - حضارة
حمورابي ( 2010 / 5 / 30 - 08:34 )
اخي رافت...لا تقاس الحضارة بالابنية والجسور والمصانع وغيرها من صنع الغرب وانما بالانسان واسلوب تفكيره .الحمار سيبقى حمارا ولو تغيرت بردعته...اي ما يوضع فوق ظهره .تحياتي

اخر الافلام

.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ