الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام مقاهي(1) : شاعر الحداثة وشاعر الربابة

خلف علي الخلف

2004 / 8 / 8
الادب والفن


بدأت كتابة الشعر مبكرا وقد كان لي مشاركات في أمسيات الشعر في جامعة حلب في عقد الثمانينات المنصرم من القرن الماضي بما في ذلك المشاركة في ملتقاها العتيد صاحب الآباء الكثر(1 ) غير أني لم انشر من القصائد إلا القليل ولم انشر أي مجموعة شعرية ** وذلك لأسباب عديدة منها أني دائما أتسائل عن جدوى النشر .. وعمن يقرأ الشعر في هذه وتلك الأيام ..إذ لم يعد الشعر ديوان العرب !
ومنها أيضا أن الصحف والمجلات التي تنشر لنكرات قد أصبحت قليلة جدا أن لم نقل معدومة .. ولو أرسلت نصا لأحد رواد الحداثة الآنن إلى إحدى الصحف لما نشر لان مشرفو الصفحات الثقافية أصبح جلّهم من الموظفين الذين لا علاقة لهم لا بالشعر ولا بغيره من الآداب فلم أكلف نفسي عناء إرسال قصائد للنشر لأنها لن تنشر وجميع النصوص التي نشرتها سلمت باليد (2 ) وقد اسرّ لي احد الأصدقاء إن هناك كاتب يرسل مع كل مقال له للنشر كيلو زعتر وكم لوح صابون غار لمسؤول الصفحة ..
وهذا شئ مقبول إذ قارنا هذا الموظف بموظفي الدوائر الأخرى ، الذين لم يعد يقبلون إلا النقد ، لتمشية معاملات المواطنين والشاعر مواطن والنشر هو أيضا أصبح معاملة
النقطة الأخرى وهي الأساسية : أني من منطقة تراثها الاجتماعي ينظر بازدراء إلى صفة الشاعر ويعود هذا إلى الالتباس الذي يحصل عندما تعرف عن نفسك انك شاعر إذ فورا يتبادر إلى الذهن انك شاعر ربابة ولست شاعر حداثوي ..
إذ أن شاعر الربابة هذا يجول المناطق حاملا ربابته ويقول على الطيبين إذ نادرا ما يبنى بيت لعرس إلا وتجد قد خرّ إليه شاعر الربابة هذا(3)
وغالبا ما يكون ذو هندام نظيف حليق الذقن تفوح منه رائحة العطر على غير عادة شعراء الحداثة ويرحب به أهل العرس اشد ترحيب كونه غريب أولا وتبدو عليه الهيبة ثانيا ويوسعوا له مكان في صدر المجلس وغالبا ما يضعون رأس احد الذبائح أمامه !! وبعد أن يأكل ويشرب يسل ربابته ويبدأ يقول الشعر العامي على وجيه الجلسة ولا يسكت إلا بعد أن يقبض ثمن سكوته نقدا ..
إلا أن أهل العرس والحاضرين يبدون السخرية لما حصل متذمرين يخسا ....يخسا ...يخسا حسبناه شيخ أحد العربان طلع شاعر باطل.. باطل ، ويبدؤن بتحميل المسؤولية لمن وضع رأس الذبيحة أمامه .
هذا يجعلني لا أحبذ أن اعرف عن نفسي بأني شاعر خوفاً من هذا الالتباس ويبدو لي هذا الالتباس هو ما جعل كتاب المناطق الشرقية والرقة تحديدا ينصرفون عن كتابة الشعر إلى الرواية والقصة .. إذ أن هذا عائد لاختلاف مكانة شاعر الربابة وأي شخص يسرد الحكايا إذ أن الحكاء (4) شخص يحظى بالتقدير والاهتمام ويظل محط أنظار الجالسين وحين يصمت يطلب منه الحضور: بالله يا أبو فلان هات لنا غيرها وغيرها طبعا تدور حول الغزو أيام الحرّابة والغزو ليس الغزو العثماني أو الفرنسي أو البريطاني -الأمريكي الحديث كما سيظن البعض بل هو غزو البدو للبدو والبدو للشوايا (5) إي عرب بعرب .. وهذا من وجهة نظري هو سبب ازدهار كتابة القصة والرواية في الرقة والمناطق الشرقية عموما وانحسار حركة الشعر الحديث .
واني لاتسائل الآن كيف كانت القبائل العربية تقدم شعرائها وتحتفي بهم وتحتفل القبيلة عند ولادة شاعر من أبنائها ولا تفعل العشائر الحديثة هذا إذ أن الشاعر القديم كان لسان حال قبيلته ويبدو إن العشائر الحديثة قد استعاضت عن شعرائها بممثليها في الجمعيات الفلاحية ومجالس المدن والبلدان ومما يثبت وجهت نظري هذه أن هناك من شعراء الحداثة من أدرك اللعبة و مثل منطقته أو قبيلته في هذه المجالس ومنهم من رشح نفسه غير انه لم يحالفه الحظ
==================

1
هنا لابد لي أن أشير إلى دور د. فؤاد المرعي في رعاية ذاك الملتقى واحتضانه هذا الدور الذي يتم غالبا تجاهله من قبل أبنائه الشعريين والأبوة هنا تأخذ معنى الرعاية لا شئ آخر ولا أشير إلى دور الكاتب والباحث محمد جمال باروت في التأسيس وفي جعله ملتقى غنيا بالجدل والحوار في تلك الأيام على اعتبار أن هذا الدور معروفا
2
ودلالة على ذلك فقد نشرت إحدى المجلات لشاعر عضو في اتحادي كتاب وله أكثر من عشر مجموعات شعرية في بريد القراء وهو ينشر في غالبية الصحف والدوريات العربية حتى في مجلة شركة الزيت العربية أي انه معروف وشاعر آخر عمره حوالي الستين في ذاك الوقت رحمه الله نشرت له صحيفة عربية في إبداعات شابة وقد كان
له أكثر من سبعة كتب مختلفة
3
وحتى هذه اللحظة تشغلني مسألة أنهم أي شعراء الربابة كيف يميزون بين بيت العزاء وبيت الفرح رغم تشابههما إذ لا يمكن أن يخطئ احدهم ويخرّ إلى بيت عزاء
4
بدون همزة وهذا يتقاطع مع القاص والروائي على اعتبار الجميع يعتمدون السرد والسرد بلهجة أهل المنطقة الشرقية هو الكذب وهذا ما يطلق عليه الآن بلغة النقد المخيلة
5
مفردة الشوايا هنا كما يستخدمها أهلها تطلق على الفلاحين لتمييزهم عن البدو والحضر وليس كما يستخدمها أهل المناطق الأخرى ضدنا كشتيمة

كتبت هذه المقالة قبل نشري لمجموعتي الاخيرة التي بعنوان نون الرعاة **








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك


.. كلمة الفنان أحمد أمين للحديث عن مهرجان -نبتة لمحتوى الطفل وا




.. فيلم عن نجاحات الدورة الأولى لمهرجان العلمين الجديدة


.. نجل الفنان الراحل عزت العلايلى يتعرض لوعكة صحية.. وهذا آخر م




.. فيلم تسجيلي عن نجاحات النسخة الأولى من مهرجان العلمين الجديد