الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستيطان استثمار مربح تحت دعاوى توراتية زائفة

عامر راشد

2004 / 8 / 8
القضية الفلسطينية


ثمة سؤال لم يلق إجابة بعد في الساحة السياسية الإسرائيلية رغم مرور عدة أشهر على طرحه، لماذا غامر شارون باستفتاء داخلي لحزبه الليكود حول خطته بفك الارتباط والانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وقد كان مرئياً للجميع أن المعادلة الداخلية لمنسبي الليكود لم تكن في صالحه ؟!! وحتى قادة في حزب الليكود لم يستطيعوا حينه الإجابة على هذا السؤال، فموشيه آرنس وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق يتساءل في مقالة له نشرتها صحيفة هآرتس بتاريخ 11/5/2004 (ما الذي دفع رئيس الحكومة ومستشاريه للاعتقاد أن بإمكانهم دفع الليكود بانعطافه 180 درجة عن موقفه من الانسحاب أحادي الجانب) . وبحيرة يتساءل البعض الآخر:هل سيدخل شارون في معركة كسر عظم مع المستوطنين ودعاة الاستيطان؟!!. تساؤلهم يستمد مشروعيته كونهم يعرفون تماماً أن هذا يتناقض مع المعتقد الإيديولوجي والتكوين السياسي لشارون الذي استطاع الوصول إلى كرسي رئاسة مجلس الوزراء مرتين بفعل شعاراته الدموية العنصرية التوسعية ( دعوا الجيش ينتصر )، ( مائة يوم كافية لكسر الانتفاضة )، ( باراك يبيع أرض إسرائيل ) وتأثيرها على الشارع الإسرائيلي الذي انحرف كثيراً نحو اليمين، بعض المحللين السياسيين ( الإسرائيليين) لا يصدق أن شارون سيمضي حتى النهاية في خطته رغم إعلان شارون أنه استبدل شعاراته ليطلق خطة فك الارتباط والانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، هل حقاً أن أبا الاستيطان يدرك معنى تخليه عن أغلبية مستوطنات غزة، بل ويذهب البعض أكثر من ذلك حيث يصفون إقدامه على خطوة الاستفتاء بالقول:إنه يريد أن يغير وبما يشبه الثورة قناعة قواعد حزبه اليميني المتطرف، بعد سنوات طويلة مثلت فيها الأنشطة الاستيطانية والتصفيات الجسدية، والعمليات الوحشية العسكرية ضد الفلسطينيين الثابت الوحيد في سياسة الليكود الحاكم، أو في مقاعد المعارضة على حد سواء .
نحن أيضاً يجب أن نتساءل: ترى ما الذي تغير ؟، وما هو الجديد في المواقف والسياسات الشارونية ؟!! .
الجديد أن شارون ومن معه في قيادة الليكود بدءوا يتلمسون أن سياساتهم حفرت قبرها بيدها وأن أيديولوجية الاستيطان وصلت إلى الجدار بفعل المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف يوماً واحداً وبفعل الحقائق الداخلية الإسرائيلية التالية :
الحقيقة الأولى :في تقريرها السنوي حول معطيات العام 2003 أكدت "مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية" بأنه (رغم النمو هناك 340 ألف عائلة فقيرة، وبأن 15 ألف عائلة فقيرة ستنضم إلى دائرة الفقر، وبأن نسبة العائلات الفقيرة ارتفعت من 17.7% إلى 18.5%، وبأن العائلات الفقيرة تعيش بأقل من 31% من للدخل الموصوف كخط للفقر ) . في حين يؤكد تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي أن ( الفجوة بين المبلغ المصروف على الفرد الواحد من قبل وزارة الإسكان في التجمعات السكانية داخل الخط الأخضر وبين تلك الموجودة خارجه بلغت 553 % بين الأعوام 2000 و2002، وبأن المساعدة التي تقدمها وزارة الإسكان للمستوطنين بلغت 4585 شيكل مقابل 705 شيكل في المناطق المصنفة كمناطق ذات أولوية وطنية " أ " داخل الخط الأخضر ) . وكما يشير تسفي برئيل في صحيفة هآرتس 9/5/2004 ( لهذه الفجوة في الاستثمار على الفرد الواحد مغزى إيديولوجي ذو عمر مديد، ولا يمكن تفسيرها فقط بالتوجه لتعويض الإسرائيليين في مناطق الخطورة، أو تشجيع الهجرة اليهودية إلى المناطق " المستوطنات " من أجل خلق حقائق سياسية . الحديث يجري حول بلورة هوية يهودية مختلفة، ومن هنا ثقافة مغايرة عن تلك الموجودة في إسرائيل، هوية من خلفها رؤية تعتبر أن يهود المناطق " المستوطنات" هم نخبة جديرة بشيء أفضل، وأن كل وجود دولة إسرائيل ما هو إلا أنبوب رضاعة بالنسبة لها ) .
الحقيقة الثانية : تشير الإحصائيات الحزبية أن عدد أعضاء الليكود قد انخفض إلى حدود الثلث، وذلك كنتيجة لما جرى في سياق الصراع الدامي الذي وقع بين شارون ونتياهو في سياق ترتيبات بيت الليكود على أبواب الانتخابات الإسرائيلية العامة السابقة، وبفعل الحجم الوازن للمستوطنين فلقد انتقل مركز الثقل لصالح التيار الأكثر تطرفاً . لذلك فإن الليكود بات محكوماً في سياساته العامة لمواقف المستوطنين، بما في ذلك السياسات الاقتصادية الداخلية، وعلى ضوء المعطى السابق فأنه وأمام المشاكل الاقتصادية المستفحلة سيزيد ابتزاز المستوطنين المتواصل من عمق هذه الأزمة، وبالتالي سيؤدي إلى خسارة الليكود لقاعدته الانتخابية الأوسع ، والتي تتعارض مصالحها مع مصالح المستوطنين .
الحقيقة الثالثة : في دراسة أجراها البروفيسور شلومو كانيال من جامعة بار – ايلان تخلص الدراسة إلى أن المستوطنين ( يشعرون بالخيبة من أداء الدولة العلمانية ويرفضون " دين " الديموقراطية. كلهم يعتقدون أن هناك حرباً أيديولوجية دينية بين اليهودية والإسلام، وبعضهم يرون في الدولة والصهيونية عملية منتهية ) ورغم أن الدراسة أكدت أن (52.8% من المستوطنين يعتبرون أنفسهم متدينين جداً) إلا أن الدراسة أشارت بوضوح إلى أن المستوطنين يعتبرون (لعبة الديموقراطية مثل الدولة، كلها مجرد وسيلة لخوض الصراع على هذه الأرض، الصراع ذو الطابع الديني الصارخ ، الذي لا يمكن حسمه إلا من خلال " الطرد والحرب والانتقام") . وبالتالي فإنهم في إيديولوجيتهم يجاهرون بعدائهم لـ" علمانية الدولة "، ورفضهم لأي حل سياسي حتى ولو قام على أساس ضم مناطق واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967 . ورغم كل ما سبق ينكشف الأمر على حقيقته في إجابة المستوطنين على سؤال لاحق فغالبيتهم تبدي استعداداً عالياً للمساومة على الرحيل من المستوطنات شريطة حصولهم على تعويضات مادية مجزية ؟ !! .
مما سبق يمكننا القول أن شارون الذي يدرك حقيقة موقف المستوطنين مضى بثقة نحو الأهداف التي أرادها من وراء خطة الفصل والتي يلخصها بالقول ( بودي أن أقلص الضرر، وأن أبقي ما يمكن إبقاؤه، إذ أن الخطط التي ستظهر كالفطر بعد المطر ستكون خطراً على دولة إسرائيل ) هآرتس 18/5/2004. لقد أرادها شارون خطة للتهرب من استحقاقات الضغط الدولي، ولمقايضة مستوطنات غزة بمستوطنات الضفة، وتمرير مجزرة الجدران العازلة، مع إدراك كامل أن معركة كسر عظم مع المستوطنين لن تحصل كما توهم البعض من نتائج صناديق اقتراع الليكود على الخطة، إنه قادر على دفع مقابل مادي مجزي للمستوطنين على حساب الأمريكيين المستعدين للدفع، إنه يبيع هروبه من جحيم المقاومة والديموغرافيا في غزة مقابل استكمال مخطط جدران الضم والفصل العنصري في الضفة الفلسطينية التي ستقضم 58% من أراضيها.
ويبقى أن نقول أخيراً إن مراهنات شارون ومستوطنيه وتجارتهم "الشايلوكية" المغلفة بشعارات مثيولوجية توراتية زائفة ستنهار أمام تضحيات المقاومة الشعبية الفلسطينية المستمرة، وأن بقاء الاحتلال من عدمه ليست قضية داخلية (إسرائيلية)، وأن منطق القوة العمياء لن يستطيع فرض حل يخالف أسس السلام الشامل والمتوازن ، سلام الشرعية الدولية الذي يضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة في عدوان الخامس من حزيران 67 وفي المقدمة من ذلك القدس العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان