الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظافة من الإيمان: ثلاث كلمات قتلت سردشت

سلام عبود

2010 / 5 / 31
كتابات ساخرة


ربّما تبدو عبارة ثلاث كلمات، في نظر البعض، كافية جدّاً كسبب واقعيّ للقتل في بلادنا. ففي بلادنا يُقتل المرء حتّى من دون أن ينطق كلمة واحدة. كثيرون قتلتهم ملامحهم أو أسماؤهم أو مناطقهم الجغرافيّة.
بيد أنّي وجدت، بعد تمحيص دقيق، أنّ مقتل سردشت يرتبط ارتابطا قدريّا وشرطيّا بهذه الكلمات الثلاث.
هذا الاعتقاد لا يعني أنّ ما كتبه سردشت من كلمات أخر لم يكن مؤثرا ومسببا في مقتله، بل على العكس، أرى أنّ ماكتبه في مقالاته كان الوعاء التبريري السياسيّ والاجتماعيّ والشخصيّ لعملية القتل. أمّا هذه الكلمات الثلاث فهي الرصاصات التي أطلقتها مسدسات فريق الاعدام، لا أكثر ولا أقل. كلّ كلمة تقابلها طلقة، والبادي أظلم.
لماذا قـُتل سردشت؟ للجواب عن هذا السؤال توجهت الى جميع من كتب عنه مناصرا أو مبررا، فوجدت أنّ الأسباب تختلف من شخص الى آخر، حتّى أني وجدت أنّها، عند العدّ والفرز، زادت على خمسمئة سبب. بعض هذه الأسباب وجيه، والبعض الآخر مشكوك في وجاهته.
من الأسباب التي جذبت انتباهي قول أحدهم أنّ أعداء الأمّة الكرديّة هم الذين قتلوا سردشت، ويعني بهم، منتقدي سياسة الأحزاب الحاكمة. وهنا أتفق مع هذا الرأي تماما في المغزى واختلف معه تماما في اللفظ. الى أيّة أمة ينتسب سردشت إذا كان الحكّام الكرد هم الشعب الكرديّ والشعب الكرديّ هو الحكّام الكرد؟ ألهذا السبب قتل سردشت، الذي أراد، بطريقته المارقة، أن ينسف هذه الوحدة المصيريّة، بدعوته الى خلط الرعاع بالسادة؟
هناك من قال إنّ القاعدة كانت وراء ذلك. وهذا الفريق يبدو مضحكا للوهلة الأولى. فما علاقة القاعدة بأربيل وبسردشت؟ ولماذا تأخذه القاعدة الى الموصل؟ هنا، في هذه الموضع، ظهرت تفسيرات عديدة، أبرزها وأكثرها نباهة هو التفسير القائل بأنّ أحد قادة القاعدة، من غير الناطقين بالعربيّة، أصدر أوامر القتل من على قمة جبل بيرمام، بعد أن استشاط غضبا وهو يقرأ رغبة سردشت في الاقتران بابنة مسعود، معتقدا سهواً أنّ سردشت خرج على ملـّة الإسلام بتعرضه للصحابي الجليل عبدالله بن مسعود. فكان ما كان. لكنّني لا أميل الى هذا الرأي، حتـّى لو كان صحيحا من الناحية العقليّة والشرعيّة؛ لأنّ جانب الخلل في التنفيذ واضح فيه: كيف ولماذا تُجشم القاعدة نفسها مشقـّة نقل سردشت من أربيل الى الموصل، مارّة بكلّ تلك النقاط المحروسة بأمانة واقتدار من قبل قوات السيّد القائد؟ هذا غير منطقي.
لكنّ العارفين ببواطن الأمور قالوا أمرا آخر مؤدّاه، أنّ القاعدة على علاقة بأصحاب الطريقة النقشبنديّة، وهؤلاء معروفون بعدائهم للعمليّة السياسيّة وللعراق الجديد. وقد عُرف عن أصحاب هذه الطريقة أنّهم يحملون الصاج الملتهب بأسنانهم ولا تحترق حلوقهم، ويبقرون بطونهم بالسيوف البتـّارة ولا يموتون، ويأكلون "استكانات" الشاي وهم يبسملون مبتسمين، ويقومون بالهجوم عل أخطر وأحصن المواقع في بغداد، ويعيدون تكرار الهجوم مرّة تلو أخرى، ولا يراهم أحد: لا الكلاب، ولا السونار، ولا حتّى العبقري، زرقاء العراق، قاسم عطا. ولكن ما صلتهم بسردشت شخصيّا؟ هنا تضعف حجّة هذا الفريق تماما.
إذاً، من قتل سردشت؟ الرأي المؤكد أنّ من قتله هو تيار نوشيروان الذي انشق على الطالباني. فقد أرادوا أن يضربوا ثلاثة عصافير بطلقة واحدة- في الواقع هم أصابوا عصفورا جميلا واحدا بثلاث طلقات - فسردشت معروف بمناصرته لهم، وأنه أدلى بصوته لصالحهم، فلم تعد الحاجة اليه قائمة، لأنّه ليس عضوا رسميّا في جماعتهم، وهم بذلك لا يخشون شيئا في حال موته أو فنائه. على العكس، إنّهم الرابح الأكبر، لأنّهم سيقومون فورا باتهام خصومهم بالقتل، فيكسبون المزيد من الأصوات في أربيل، التي فشلوا فيها انتخابيّا. ولكن، تظل هنا معضلة واحدة تواجه جماعة نوشيروان: لماذا نقلوه الى الموصل لو أنّهم أرادوا تحقيق ضربة أربيليّة مباغتة؟ لماذا لم ينقلوا جثته الى واشنطن، فتكون النتيجة عالميّة بامتياز؟ ومن غير المعقول أن يكونوا يريدون اتهام أسامة النجيفي بقتله. ماذا يربحون من هذا؟ هذا غير منطقي، كما أظن!
أحد المحللين السياسيين الحكماء قال إنّ الأسباب توجد دائما في النتائج. وهو يشير الى التظاهرة المتواضعة التي قامت في بغداد. قال الحكيم: أنظروا! أليس هؤلاء هم المستفيد الأوّل والأخير؟ أليس "العربجة" هم من قطف ثمار الاغتيال السعيد؟
وهذا التفسير ممكن أيضا. ولكنه يصطدم مجددا بالتنفيذ. كيف اجتاز " العربجة" كل تلك المواقع المحصنة والسيطرات، وهم لا يملكون حتى حق الإقامة الطبيعية في هولير؟
هنا، أسرّ لي صديق من جماعة ماكس فيبر- على فكرة اتضح أن فيبر عضو في الحزب الديموقراطي الصومالي- بأن قوى التخلف المعادية للعراق الجديد، عراق ما بعد الصعود الى الهاوية، اجتمعت كلها وذابت في بوتقة واحدة من أجل تحقيق هذا الهدف: قتل سردشت. اجتمع المنشقون بالنقشبنديين، بالقاعدة، بالعربجة، وأخذ كل واحد منهم مهمّة خاصة: العربجة يتظاهرون في بغداد للتمويه، المنشقون الكرد يتظاهرون في السليمانية لتحريك الجوّ، النقشبنديون يحمون الصاجات ويقرطون الاستكانات في تكيات كركوك لإشاعة التعتيم على العمليّة السياسيّة، أمّا القاعدة فقد تولت مهمّة اختطاف ونقل سردشت بطريقة مبتكرة، لا تقل إعجازا عن الحادي عشر من سبتمر. فقد لبسوا ملابس الأسايش، وحينما مروا بالسيطرات استخدموا مقدراتهم الإيمانيّة الإعجازيّة، فراحوا يقرأون سورة الكهف على كلّ سيطرة يمرّون بها. وحالما يقرأون يخرّ عناصر السيطرات واقعين في كهف النوم المظلم. وقد أثبتت التحقيقات القضائيّة، غير المنحازة، التي قام بها السيد نيجرفان بارزاني ذلك بجلاء. فقد لاحظ نيجرفان أنّ علامات وآثار النوم لم تكن بادية على رجال الحراسة في السيطرات فحسب، بل حتّى على "كلاب الحراسة البوليسية". وهذا دليل قاطع على أنّ كلبهم كان معهم. وبذلك حسم السيد نيجرفان بحكمته الوراثيّة المعضلة السردشتيّة.
على أيّة حال الأسباب عديدة، كما قلت، ومتنوعة.
أما الكلمات الثلاث، التي أخبرني بها الصديق الذي كشف لي عن سبب قتل سردشت ورمي جثته في الموصل، فهي: "كلاب" الاحتلال البوليسيّة، و"اسرائيل"، والموهبة القوميّة الصاعدة "دشني". وقد أضحكني هذا الرأي النقشبندي العجيب كثيرا: كلاب الاحتلال وإسرائيل وشاكيرا الكردية! ألم تجد يا هذا من هم أقرب وأحقر من كلاب اسرائيل وأميركا ودشني، لكي تلصق بهم التهمة؟
لكنّ صديقي ما انفك متمسكا بتفسيره، كتمسك النقشبنديين بطريقتهم، فراح يقول: من غير المعقول أن يتسبب مجرد اعلان رغبة شاب في الزواج من فتاة بحادثة قتل على هذه الدرجة من الخطورة والإثارة. فالمحصنـّات في قصور القيادات الكرديّة لسن من فئة المتصوفة أو الراهبات. كـّلنا نعرف ماذا يوجد تحت العباءة. لهذا السبب فإن المشكلة الأخلاقيّة ليست إشكالا يمكن أخذه بعين الاعتبار. بيد أنّ الخطاب السياسيّ في مناطق كردستان لم يجرؤ بعد على مواجهة ذاته مواجهة حازمة، من طريق مهاجمة الثوابت الأساسيّة للكيان الحاكم بقوة ووضوح ودقة: كلاب أميركا واسرائيل والفساد الأخلاقي والروحي. ثلاث كلمات هي جوهر بنيان المنظومة السياسيّة الحاكمة. ثلاث كلمات قاتلة، هي الحد الفاصل بين الموت والحياة، موت وحياة القيادات الحاكمة نفسها، وليس حياة وموت سردشت. ولكن، باكتشافه سرّ حياتهم وموتهم اختار سردشت فورا مصيره المحتوم، وطريقة رسم خارطة حياته وموته.
ولكن، لو تركنا كلّ هذا اللغو، وحتّى لو صح هذا اللغو افتراضا، فلماذا تمّ القتل في الموصل؟
السبب جليّ وواضح تماما، لمن يفهمون لغة الذبح المجـّانيّ الحلال: القادة الحاكمون يريدون لأربيل أن تكون نظيفة، نظيفة تماما من أجساد المفخخين، والمقنبلين، والمقتولين بكواتم الصوت، أو بالأسلحة الناطقة.
إنّ نظافة أربيل خط أحمر. خط أحمر، ككلاب إسرائيل وأميركا وعذريّة دشني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سياطك
عبد الحسين سلمان ( 2010 / 6 / 1 - 06:27 )
يا سلام بن عبود بن ال ازيرج الارا سابقا ولاحقا
سياط مقالتك الاخيرة ما تزال حارة على اجساد العشيرة الرجعية , وها هي سياطك مرة اخرى تدمي عيونهم , يا سلام ..سردشت يحلم ان لبن اربيل في اهوار الميمونة لكن القبيلة تسرح بعيدا الى حيفا!! دم سردشت ليس فقط فم.. هو عظمة في بلعوم شيخ القبيلة.. ولو شرب كل ماء يافا وعكا!!


2 - اسف على الخطأ
عبد الحسين سلمان ( 2010 / 6 / 1 - 06:49 )
اسف على الخطأ
الصحيح: يا سلام بن عبود بن ال ازيرج الاحرار سابقا ولاحقا


3 - تعيش ياابن العراق
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 6 / 2 - 16:59 )
استاذ سلام ان قتلة ابننا الجميل الذكي يجب ان يفضحوا ويشهر بهم على رؤس الاشهاد انهم الاقطاع الكردي الفاشي العدو الابشع لاخوتنا العراقيين الكرد وباقي العراقيين
واني اهنئك ايضا لسيطرتك المهنيه بجداره على اسلوب الكتابه الصحفيه الجديه
بهذا الاسلوب الساخر يجب ان نجعل من قتلة ابناء شعبنا سخرية للاجيال وللاوطان للعالم كله وشكرا

اخر الافلام

.. المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده -سرا- بعد الحكم علي


.. مهرجان كان السينمائي: تنافس 22 فيلما على السعفة الذهبية في ا




.. مزرعة في أبوظبي تدّرب الخيول لتصبح نجوم سينما.. شاهد كيف


.. الممثل الكوميدي جون أشقر ضيف -كافيه شو- للحديث عن جولته العا




.. شوفوا عمرو يوسف عمل النطة في فيلم -شقو- من الدور الخامس كام