الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق مهربة من أقبية سرية.. من ذاكرة امرأة في زمن الخوف

نور العذاري

2010 / 6 / 1
الادب والفن


كربلاء المقدسة
21/3/2000
..................
الذاكرة الأولى
الوقت.. بعد منتصف الليل بتوقيت مدينة يسيطر عليها الرعب ويحَكُمها الظلام.. ويُحْكِم الموت قبضته على رقاب أبنائها..
الزمان.. حين كانت سجون الثوار مدارساً ومهبط وحيٍ للشعراء ولذة كل عشيق ذاكر لمعشوقته..
المكان.. بقعة من بقاع هذا الوطن حباها الله من الجمال الشيء الكثير رأسها راكع ويداها مرفوعتان إلى السماء.. هناك وفي إحدى زواياها تجلس امرأة بانتظار حبيبها القادم اليها من زمن الخوف بعد أن تعب من البحث عن وطنه المضاع وحريته المسلوبة..
..............................
بدون تردد..
سأرمي نفسي مثل الأطفال وأبكي..
بين ذراعيه..
أحضنه بقوة..
سأخبئ رأسي على صدره..
ذلك الذي يأتي اليّ في الظلام..
بوجه شاحب ملئه اليأس والحرمان..
يشرب همومه ويدخن ألمه..
ويثمل بألمه..
ثم يأخذ بالبكاء..
يحدثني عن رفاقه في النضال..
رفاق الزنازين والدروب الوعرة التي لا يخوضها إلا أولئك الحاملين شواهد قبورهم على ظهورهم ككتب المدرسة من اجل وطن تسود فيه البسمة ولا تعكر صفو أيامه شوارد الدهر وهمومه..
يبكي ويبكي..
ويتجرع كأس ألمه الممزوج بالأمل..
وحين يثمل أخيراً..
يرمي نفسه على صدري..
يضمني بين ذراعيه كقارب يحتضن شراعه..
ويجري على صدري مثل حصان جامح..
يقبلني فأشعر بأن روحي قد صبت في شفتيه..
كمن يرشف فنجان قهوته التي اعتاد عليها..
وحتى حين يحرقني لظى شفتيه الملتهبتين..
أو تؤلم نهديّ يداه الخشنتين..
فلن أواجهه أو أكدر صفو نشوته في هذه اللحظات القليلة التي أكون فيها وطنه..
فأنا أشد ما أخشى في حياتي المواجهة مع هذا الرجل الذي تلوح الكرامة فوق جبينه العالي..
فروحه معبد للكبرياء..
وقلبه معجون بدماء الحرية الحمراء..
ويبقى ممسكاً بي..
صاعداً بي إلى سماء النشوة والجنون..
حتى تظهر خيوط الفجر..
حينها يتركني ويغادر..
بحثاً عن الوطن الفقيد..
والكرامة الذبيحة..
والحرية المسلوبة..
تاركاً في عيني الناعستين ابتسامة الربيع وأمل اللقاء الجديد..

**** **** ****
الذاكرة الثانية
وقد رحل ذات فجر رمادي بتوقيت مدينة اعتادت قتل زهيرات الدراق قبيل تفتحها وقطع أشجار الليمون.. اعتادت قتل الحب وإراقة الدماء.. للم يرجع إليّ من حينها.. ترى هل ركب في عربة الموت بملء إرادته أم اختطفه الموت وعرج به السماء..
..............................
حين يأتي إليّ كل مساء..
يحدثني عن المعذبين في السراديب المظلمة وخلف القضبان..
وعن النسوة اللاتي يدفعن بأحبتهن لمقارعة الطغاة حتى تصير دمائهم نخيلاً باسقات في سماء الحرية والكرامة السليبة..
يحدثني عن أشياء لم أفهم معناها..
وأشياء ما عدت أذكرها..
إلا هذه المرة التي لا زلت أذكرها..
وسأظل أذكرها..
على مر السنين.. وتعاقب العصور..
هذه المرة وعلى غير عادته..
قبلني قبلة بحيث ذابت روحي بين شفتيه..
ثم غادر مسرعاً..
ومضى إلى غير رجعة..
إلى تلك المجاهيل التي لا نعلم عنها شيئاً..
تاركاً خلفه ركاماً وأطلالاً خربة..
والآن وأنا أخط شاهد قبري..
وأعد الليالي والأيام التي قضيناها معاً..
ليلة بليلة.. ساعة بساعة..
أموت ألماً وحزناً..
فقد سافر دون يودعني..
ولم يترك لي من أثره غير قبلة على شفتي الذابلتين..
ومضى هو الآخر..
مثلما مضى أصحاب لنا عديدون..
غادروا يومياً ويغادرون..
دون أن نعرف لهم مكاناً أو أثر..
ولم يبق منهم غير شاهد ذكرياتهم..
وبعض صور وأطفال مشردين..
ونساء ثاكلات..
وأطلال خربة..
ومدن مهدمة..
وأرصفة بلون الدم..
وساعات قلائل عن الموت..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي