الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مش كاين هيك تكون 3/3

علاء الفزاع

2004 / 8 / 9
الادب والفن


(موسيقى القمح)
تعيدنا هذه القطعة الموسيقية إلى أجواء موسيقى "نينوى" وما فيها من عبق تاريخي يوغل بعيدا في الزمان السحيق. ويكاد المرء أثناء سماعه "القمح" يتخيل الحركة الموقعة لمناجل الحصادين، تحصد القمح في حقول كنعانية وآرامية. يوحي بذلك الإيقاع الهادئ الرتيب للموسيقى. ويتخللها هبات رياح خفيفة توحي بها "طلعة" آلة الكلارينيت.
وكأي عمل فني ذي قيمة فإن هذه الموسيقى (توحي) ولا (تقول) مباشرة. إنها تضعك في جو ما، وتترك لك استخلاص نتائجك من ذلك الجو أو تلك الحالة. وتختلف هذه النتائج من مستمع إلى آخر لأن الموسيقى تضعك على بداية الطريق وتترك لك إكمالها.
إحدى الطرق التي سلكتها مع موسيقى القمح قادتني إلى قضية علاقة الأصالة بالمعاصرة، وقضية التراث واستخدامه فنيا وفكريا. إن هذه الموسيقى تأتي في نمط وإيقاع تقليديين. ومع هذا فهي توحي وتعبر عن أفكار في غاية العمق، وفي قمة المعاصرة. وزياد من أنصار استخدام التراث استخداما ثوريا تثويريا إيجابيا. وهو في هذا امتداد وتطوير لمدرسة الأخوين رحباني. وقد ذهب في هذا المنحى بعيدا وتفوق على سابقيه.
ولهذه القطعة وجه آخر. إنها تنبهنا إلى أذواقنا الموسيقية، فنحن لا زلنا نميل برؤوسنا طربا مع الموسيقى بدلا من أن نسترخي ونطلق العنان لأفكارنا وخيالنا معها. "القمح" تستخدم قوالب موسيقية قديمة جدا ومكررة جدا، ومع ذلك لا زلنا نستمتع بها بنفس الطريقة القديمة، تماما كما لا زلنا نستمتع استمتاعا بدائيا بالسيكا. ولا يعني هذا الدعوة إلى ترك القوالب القديمة، ولا نبذ السيكا، ولكنه يعني الدعوة إلى تطوير الذوق الموسيقي العام، وإلى استخدام أكثر عصرية للموسيقى.
تبدأ موسيقى القمح بصوت زياد الرحباني يقول : "وقمح"، وتنتهي بنفس الطريقة. وكأنه يلح على أن "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" ولكن "لا يحيا الإنسان بدون خبز". إن هذه الموسيقى محاطة ومحاصرة بالخبز-الذي هو قمح-من بدايتها إلى نهايتها. لا تترك التمايل الهادئ الرومانسي لسنابل القمح-كما توحي الموسيقى-يصرفك عن المصير النهائي لتلك السنابل:الخبز، الذي يمثل الجانب المادي المعاشي في الحياة. إن الفنان يحس بضغط الحياة اليومية، والحاجات المادية التي تكاد تخنق الإبداع. تلك الحاجات تحطم أعصاب معظم الناس في سعيهم لإشباعها، وتحاصر الكثيرين من المبدعين الذين يضمحل إبداعهم وينضب تدريجيا في خضم سعيهم لتأمين العيش الكريم لهم ولعائلاتهم.
ومن ناحية أخرى لا تستطيع تلك الماديات وحدها أن تملأ حياة الإنسان. إنها الروح فقط، والإبداع فقط، ما يملأ الفضاء الرحب الذي يبقى بعد الشق المادي للحياة، تماما كما تمتد الموسيقى امتدادا جميلا بين كلمتي "وقمح" في أولها وآخرها.
لقد تم وضع موسيقى "القمح" في آخر ترتيب الأغاني في كاسيت "مش كاين هيك تكون"، بعيدا عن كلاسيكية "سلملي عليه" التي (أكلت الجو). ولو وضعت في البداية لانتقده الكثيرون ممن لا يولون الموسيقى اهتماما واعتبارا كافيين. لقد مر معظمنا على هذه الموسيقى مرور الكرام، بل إن البعض منا يوقف الكاسيت عندما يصل إليها. ولكنها مع ذلك تبقى من أغنى أجزاءه، وتحتاج إلى المزيد من التعمق والتحليل للوصول إلى أعمق مكنوناتها.
إن هذا العمل ككل، بأغانيه وموسيقاه،يحتوي الكثير مما يمكن أن يكون مادة للتحليل والنقاش. وهو يضيف الكثير من الثراء والغنى لتجربة زياد الرحباني. وهذه المحاولة كانت لاستجلاء بعض جوانبه. وهي –كما نبهنا سابقا- محاولة متحيزة سلفا، ومغرضة، وغير موضوعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع