الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاذات الأنذال الأخيرة

احمد حسين

2010 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


مقولة غريبة ومثيرة للاستغراب تلك التي يؤمن بها الأميركيين، ربما تكون حصيلة تجربتهم الطويلة مع الحكومات المتعاقبة على حكم الولايات المتحدة، يؤمن الأميركيون بأن (الوطنية هي الملاذ الأخير للنذل) ويقصدون بذلك السياسي الذي يتهرب من تحقيق الأمن والاستقرار السياسي وتوفير الغذاء والحياة الكريمة والإيفاء بالتزاماته التي أعلنها في برنامجه الانتخابي، لائذا بحياض الشعارات الوطنية الفضفاضة، تلك هي صفات النذالة لديهم.
أنها مقولة متداولة، قد تكون محصلة لتجربة عاشتها فئة اجتماعية محدودة اصطدمت بسياسي أو مجموعة من السياسيين الأنذال أو ربما في أحسن الأحوال جيل من أجيال الأمة الأميركية ولا أظنها تجربة شمولية ذاق مرارها الأميركان كافة بمختلف أجيالهم وفئاتهم كما أنها ليست بالصفة المشتركة بين جميع السياسيين، وبالرغم من ذلك شاعت في أوساطهم وباتت أشبه بالقاعدة التي يتجنب لوثتها الكثير من الساسة، وهي كما أراها من وجهة نظري المتواضعة والبسيطة قد تكون مقولة انفعالية انفلتت من فم شخص غاضب أجهدته الحياة بظروفها المتقلبة أو ربما يكون إنسان معارض للحكومة وسياساتها ولا استبعد أن يكون شخصا حكيما أطلق هذه المقولة وروج لها لتكون أشبه بجرس الإنذار تقرعه الذاكرة على أذنيّ كل من تسول له نفسه التهرب من التزاماته والتخفي وراء اللافتات البراقة الكبيرة.
هذا جانب من حصانة الأمة الأميركية ضد الانحرافات السياسية ووسيلة طريفة وحضارية لتحذير الساسة من أوهامهم التي قد تأخذهم بعيدا عن واجباتهم.
لن اقتبس هذه المقولة في حديثي عن العراق لسببين، الأول لكي لا أقع في فخ التعميم، لتعذر الاستثناء، ما يعني أنني سأشمل الجميع وهذا ما لا أحبذه فضلا عن أنني سأعرض نفسي إلى المساءلة القانونية حيث لا قانون يحمي الكاتب أو الإنسان البسيط ويضمن له حق التعبير عن رأيه بحرية على العكس من القضاء الأميركي الذي يرى أن الفعل الشائن الذي قام به المدعو (منتظر الزيدي) تجاه الرئيس بوش ما هو إلا وسيلة للتعبير عن الرأي وفي الوقت نفسه يصنف هذا الفعل أو أي تجاوز لفظي يصدر عن رئيس الولايات المتحدة أو أي مسؤول آخر تجاه المواطن أو الصحفي يصنفه على أنه تعدي وخرق للقانون تترتب عليه عقوبات وغرامات مالية كبيرة لا يستطيع الرئيس أو أي مسؤول آخر التملص منها.
أما السبب الثاني فهو حقي المشروع في الحفاظ على حياتي وسلامتي وتجنيب أسرتي ما قد يترتب على فعلتي هذه من نتائج مأساوية لا تنتهي بموتي ربما.
وبعد أن أبرئت ساحتي من ردة التطاول على عموم الفخامات والرئاسات والسيادات والنيافات والسماحات والفضيلات والحضرات واللوذ بالتبعيض والتقليل، يجوز ليّ الآن أن أمنح نفسي الحق بالحديث بضمير متطامن وحرية محدودة عن الراهن العراقي.
المقولة الأميركية التي قد تكون استنتاج أو وجهة أكثر منها واقعا معاشا هي في العراق تجربة مريرة تتكرر حد القرف في كل يوم وكل ساعة، بل أنها باتت لازمة إعلامية يلوكها البعض بين جملة وأخرى، فضلا عن أنها شذت عن طوق الوطنية لتطال الدين والمذهب والثقافة والفكر والقوم والعرق والقبيلة والعشيرة والعائلة والإقليم والمحافظة والمدينة والحي والزقاق، ولا سقف للجمع والتشظي حتى خرجت المقولة الأصل عن معناها التفريدي المحدد بالوطنية والسياسي.
في بلادنا تكثر الشعارات حتى يعلو ضجيجها على دوي الانفجارات وترتفع اللافتات حتى تحجب عين الشمس لكنها لا تظل غير المنتفعين حين لا ظل إلا ظلها، فيما تتحرق جموع الأمة العراقية تحت لهيب الموت والخوف والابتزاز وحرب الأعصاب الاستفزازية والعوز والتهميش.
لكل شيء مخرج ولا عدم سياسي أو رجل دين أو مثقف أو وجه اجتماعي مخرجا يتنصل به عن مسؤولياته، وإن عدم فالملاذات متوفرة وكثيرة ومتنوعة تناسب كل المقاسات والأذواق، وإن تعدو عدد اللائذين لن تحصوه.
الفرق بين المقولة الأميركية والواقع العراقي شاسع ومؤلم ويترك في النفس غصة، فهناك لا تعاني الأمة الأميركية من فصيلة مفترسة هجينة أسمها القاعدة، أو جماعات خاصة تكتم الموت في مسدساتها، وما من ميليشيات ابتدعت لنفسها دستور رجعي وحكومة يقودها طائش مخبول، وليس في المجتمع الأميركي شيوخ قبائل عششت البداوة في عقولهم حتى ما عادوا يميزون بين الاحتكام إلى العقل والقانون وبين التمرغ في وحل التراث الرث والمفاهيم العقيمة، أو رؤساء عشائر يبيحون لأنفسهم ركوب العذارى القاصرات ويذبحون من تسول لها نفسها البحث عن شريك حياة تعيسة في أغلبها، وفي أميركا لا يجرؤ السياسي على المساس بالدستور أو التلاعب به أو الاستخفاف بخيارات الأمة وركل صناديق الاقتراع خارج الحدود لتعود عليه بما يشتهي، كما أن الساسة هناك يتهربون من تطبيق برامجهم السياسية الدعائية التي لا تؤثر على سياسات الدولة أو مؤسساتها أو حتى مشاريعها وخططها حتى وإن لم تطبق نهائيا، وعلى العكس من ذلك نجد ساستنا يتحاربون بتعطيل قوانين الدولة وليس سياستها فقط بل ويضعون أوتادا فولاذية في عجلات المؤسسات الحكومية ويزرعون الكتل الكونكريتية في كل أرض تتهيأ لاستنبات بذرة الإصلاح ومعالجة الكوارث التي توالت على هذا البلد وأمته.
ولكي لا أترك المجال أمام كل من تسول له نفسه باتهامي بالوقوع في فخ التعميم والإساءة، أؤكد لكل من يظن أنه المقصود بهذا المقال أنه براء من هذه التهمة وأوضح له أن هذه الملاذات التي أتحدث عنها ما هي إلا مسارب ابتدعتها الأمة العراقية للتهرب من التزاماتها وأطمئنه بأن القاصي والداني على يقين تام أنك أنت يا من تظن نفسك مقصود بالحديث تهرول لاهثا وراء هذه الأمة الجحود لتعيدها إلى جادة الصواب، فجزاك الله خيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة