الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام كبيرة- الحلقة السادسة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 6 / 3
الادب والفن


اقنعت وفاء اخت عبير بأن تشهد في المحكمة بتعرّض المتهم لها بالإغتصاب قبل عدة سنوات. وكانت شهادتها تشكل خطوة مهمة في ادانة المتهم. وفي تلك الفترة بدأت أحس بإحساس غريب تجاه وفاء لم أحس به منذ سنوات خلت. وحين عدت الى مكتبي بعد انتهاء الجلسة انتابني شعور بالشفقة على نفسي, لأني لن أرى وفاء الى حين موعد الجلسة النهائية.
وبعد أسبوعين, عقدت الجلسة النهائية في القضية وجاء قرار المحكمة بإدانة المتهم وسجنه. كانت الفرحة كبيرة باتمام العدالة ونيل المجرم عقابه. التقيت بوفاء, التي حضرت الجلسة كعادتها, فصافحتني بحرارة وهي تهنئني بالنصر.
"النصر لنا جميعا," قلت لها, "وانا لن أنسى ما قدّمت لي من مساعدة لتحقيق النصر."
"المهم ان تتحقق العدالة وينال المجرم جزاءه. ويا ليت هذا النصر يحفّز النساء الأخريات اللواتي يتعرّضن لمثل هذه الجريمة البشعة لعدم السكوت على الجريمة والتوجّه فورا لرفع الدعوى على اولائك المجرمين السافلين."
ثم سألتها وأنا أنظر عميقا الى عينيها: "وماذا الآن؟ ها قد انتهت قضيتنا وتوصلنا الى ما أردنا ... ألن اراك بعد اليوم؟"
فردت وهي تبعث بابتسامة عذبة: "سأتّصل بك."
وهكذا افترقنا.
ومرّ أسبوع. انتظرت ان اسمع منها, ولكنها لم تتصل. ومرّ اسبوع آخر. تضاعف شوقي اليها ولهفتي لسماع صوتها. ولم تتصل. انصرف شهر ووفاء عني في انصراف. أخذ اليأس يتسلّل الى صدري وأهمّني امرها حتى همّ.
وذات يوم, حين عدت من العمل الى بيتي, فاجأني أهلي بحفلة صغيرة بمناسبة عيد ميلادي, جمعوا فيها جميع افراد عائلتي وأصدقائي المقرّبين. وكانت المفاجأة الكبرى حين طرق الباب وظهرت امامي وفاء واقفة لدى عتبة الباب والإبتسامة مرسومة على وجهها.
"وفاء؟!" هتفت بدهشة. "ماذا تفعلين هنا؟"
وقبل ان ترد بشيء كان أخي أكرم الى جانبي, وهو يشرح لي: "انا دعوتها الى هنا. فما رأيك بهذه المفاجأة؟"
وكانت حقا مفاجأة لا أجمل ولا أروع منها على نفسي. ومن أعلم بما في نفسي اكثر من اخي أكرم!
كانت وفاء تبدو جميلة بتسريحتها البسيطة وملابسها الأنيقة التي تضفي عليها سحرا خاصا. استقبلتها بسعادة عارمة وشعرت بلذة خاصة وانا أرافقها الى داخل البيت وأعرفها على افراد عائلتي واصدقائي. ثم توجّهت اليَ وفاء وناولتني هدية متمنية لي حياة سعيدة وعامرة.
أمضيت وقتا رائعا بصحبتها طوال الحفلة, وانا أتناول معها الأكل والشرب على طاولة واحدة تجمعنا, وأتبادل معها أطراف الحديث عن امور بعيدة عن القضايا والمحاكم, وأراقصها وانا أتأمل عينيها وأرى بريقهما الخلاب.
وبعد انتهاء الحفلة, أوصلتها بسيارتي الى مكان سكنها ورافقتها الى بيتها بصمت. توقفت وفاء عند باب احد المباني وقالت: "انا ... وصلت."
وقفت قبالتها وسألت: "في اي طابق تسكنين؟"
ردّت: "الطابق الثالث."
"ألا تريدين ان تعرّفيني على أهلك؟" سألتها.
فأجابت: "انا ... أسكن وحدي."
"لماذا؟ من اين انتِ؟"
"من القدس."
نقلت وزن جسمي من رجل الى اخرى, وسألتها: "ألديك هاتف؟"
أجابت: "نعم, لدي."
"ألا تريدين ان تعطيني الرقم؟"
ابتسمت بارتباك ثم سألت: "لماذا تريد الرقم؟"
"كي أستطيع الإتّصال بك. أم انك لا تريدين ان أتصل؟"
ردت بعد لحظة: "لا ادري."
قلت: "حسنا. متى استطيع رؤيتك؟"
"انا سأتصل بك."
"انت سبق لك ان وعدتِني ولم تتّصلي."
"لا, هذه المرة سأتصل بالتأكيد."
"حسنا. كما تشائين."
"ولكن, لا تغضب مني."
"انا أحاول جاهدا بأن اقبل بكل الشروط التي تضعينها امامي."
"أية شروط؟"
"ان تتصلي او لا تتصلي وقتما تشائين, ان تقومي بمفاجأتي مثل اليوم او تذهبي وتختفي الى فرصة اخرى. لماذا لا تريدين ان تعطيني الرقم؟"
ردت وهي تشدّ من صدرها نفسا عميقا: "لأني... أريد لعلاقتنا ان تكون صداقة فقط."
"ولكن..." قلت لها, "مفاجأة اليوم ليست صداقة فقط؟"
لم ترد.
"على اية حال, ايضا كما تشائين." قلت لها واستدرت للذهاب.
وقبل ان اخطوَ خطوتين, سمعتها تناديني: "عمر!" وأخرجت من حقيبتها بطاقة عليها رقم هاتفها وناولتني اياها.
في الأيام التالية, وجدت نفسي منشغلا في عملي واضطررت للسفر الى تل ابيب لإنجاز بعض الأعمال الهامة, قضيت فيها اسبوعا بكامله. وصلت الى البيت مساءً وأخذت حماما ساخنا وتناولت العشاء مع عائلتي. وحين خلوت الى غرفتي اتّصلت بوفاء الى رقمها الذي أعطتني.
"آلو؟" ردت بصوتها الرخيم الذي اشتقت لسماعه.
"مرحبا وفاء," قلت.
"أهلا عمر."
"كيف حالك؟"
"جيد. وانت؟"
"جيد ... لولا أني مرهق جدا من السفر."
"كنت مسافرا؟"
"نعم. وصلت قبل قليل."
"أين كنت؟"
"في تل ابيب. كانت لدي بعض الأعمال." ثم سألتها وانا أستدرك الوقت: "هل كنت نائمة؟"
"لا." سمعتها ترد, "لم أكن نائمة بعد."
نظرت الى الساعة وهتفت: "يــاه! لم أنتبه الى الوقت! انها الحادية عشر!" ثم قلت مازحا: "الآن فهمت لِم لم ترغبي ان تعطيني رقمك!"
"لا ... لا بأس عليك."
"يعني ... لم أسبّب لك الإزعاج؟"
"لا. بل انا سعيدة باتّصالك."
"أردت فقط ان أسمع صوتك قبل ان أخلد الى النوم وأقول لك ... تصبحين على خير."
"وانت من اهل الخير."
وضعت السماعة في موضعها وتمدّدت على فراشي وانا أحس بالحب الذي يغمر قلبي مرة أخرى, بعد طول وجفاء السنين الماضية.


يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا