الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روث البقرة الأمنية المقدسة

هشام نفاع

2010 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


بدأت "الانتقادات" الأولى التي وجهتها الصحافة الاسرائيلية للحكومة الاسرائيلية حوالي الساعة الواحدة، يوم وقوع مجزرة أسطول الحرية. مفاد النقد هو الانشغال في الاعلام الداخلي وترك الساحة الدولية.
عمليًا، هذا هو نموذج الصحافة الاسرائيلية في الأزمات: كلنا جنود، وكلنا ناطقون باسم الحكومة والجيش وجرائمهما. هذه النزعة لم تتوقف. فمثلا، أبرز ما نقله المراسل السياسي للإذاعة الرسمية، أمس، كان: وضعنا الاعلامي دوليًا سيء، ربما يستحيل إصلاحه.. عمومًا، يندر ان تستمع الى نشرة اخبار او حوار صحفي- سياسي لا يكون محوره "وضعنا الاعلامي الصعب". فالاعلام الاسرائيلي مجنّد مثلما في أي نظام شموليّ. كلما بالغت البقرة الأمنية المقدّسة في مراكمة روثها تجنّد الصحفيون للتنظيف خلفها! أما بخصوص تلك المعتقدات الغيبية على شاكلة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" و "الاعلام الحرّ"، فيصحّ ايجازها بكلمة عربية جميلة، تركيّة المصدر، هي: طزّ.
خلف هذا التجنّد القطيعي هناك سؤال: هل الانشغال بتبييض صفحة اسرائيل باللغة العبرية مردّه وعورة الحقل الدولي فقط؟ لا أعتقد. لأن ما يجري أيضًا هو تكريس رواية سلطوية- شعبية موحدة وظيفتها إعادة إنتاج الكذبة الكبرى: إسرائيل ضحية. فالمواطن الاسرائيلي يُقصف على مدار 24 ساعة بمقولة إن ركاب أسطول الحرية هم إرهابيون مسلحون؛ الجنود (كوماندوز!) تعرّضوا لـ- لينش؛ الاسطول مرتبط بـ "القاعدة"؛ و 50 من الناشطين هم من "حزب الله"؛ والدليل الأبلغ على الضحوية: ركاب السفينة الارهابيون رموا بأحد جنود الكوماندو البحري الى المياه! (أليس من المفروض أن يكون البحر آمنًا حتى أكثر من اليابسة بالنسبة للكوماندو البحري؟! ولكن من يهمه المنطق وسط تراكم روث البقرة الأمنية..).
رئيس الحكومة ووزير "الأمن" ورئيس أركان الجيش التقوا الوحدة العسكرية التي ارتكبت المجزرة مرارَا. في كل مرة تحدث هؤلاء المسؤولون كم كان الجنود "رائعين"، كم تصرفوا ببطولة وصحّة، وكيف أن الجميع يقفون خلفهم. هذا السلوك مخطط ومبرمج: فالسلطة تخشى فقدان الثقة بها ولذلك تؤجج الغرائز والانتماء القطيعي من خلال حبك سرديّة عسكرية قومجية تكون معادلتها واضحة: نحن (الضحايا) وهم (الارهابيون). فتعميق الغباء العام ليس غباءً، بل لؤم سياسيّ منحطّ.
بالمناسبة، لا أستبعد ان يكون بين الجنود من بدأ يشكك فيما أرسلوه للقيام به، وربما أحد من عائلته او محيطه. ومن هنا يأتي السلوك السلطوي المبرمج لاغلاق أي شرخ في الرواية التي يجب أن يؤمن بها الجميع كالايمان الوثنيّ. فالمسألة ليست السلوك المريض بقدر ما هو تكريس الايمان المرضيّ الكامل بالسلطة وممارساتها. هل يجب أن نضيف بأن هذا من أبرز مميزات النّظم الفاشية؟!
وماذا يجري خارج هذه الدفيئة الخانقة؟ مثال واحد: مراسل إحدى القنوات الاسرائيلية تحدث الى شاب انجليزي خلال مظاهرة صاخبة في لندن:
- المراسل: لماذا ترفع علمهم (علم حزب الله)، إنهم يقتلون الأبرياء؟
- الشاب: حزب الله سيقضي على دولتكم. لا أضمر شرًا ضد شعبكم، ولكن دولتكم يجب أن تُستبدَل.
- المراسل: لكن حزب الله يقتل الأبرياء..
- الشاب: لحظة ألم تعلم بما فعلته دولتك اليوم؟ لقد قتلتم أبرياء. بين النشطاء أعضاء في البرلمان الأوروبي، ويمكن أن يُقتلوا.. وزير خارجيتكم قال اليوم إن نشطاء الأسطول مرتبطون بالقاعدة. أهذا يعني أن البرلمان الأوروبي يضمّ أعضاء في القاعدة؟
الصحفيون-الناطقون بلسان، محقّون. فكيف يمكن الردّ على حجة بهذه البساطة، بهذه القوة وبهذا المنطق؟! لقد صدق جميع المحللين الاسرائيليين الذين اعتبروا عملية الكوماندوز قمة في الغباء. لكن المصيبة أنهم لا يخرجون بأي استنتاج رغم وصولهم الى هذه النتيجة القاطعة. فهم متطوعون على الدوام في الجهود الوطنية لتنظيف ما تراكمه البقرة الأمنية المقدسة من خراء على رؤوس أصحابها.
حاليًا، نتمنى لهم ولأسيادهم أمتع الساعات أمام لجنة التحقيق الدولية القادمة في الطريق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض