الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برنارد هنري ليفي : بؤس الفلسفة في خدمة بنيامين نيتانياهو

ياسين تملالي

2010 / 6 / 4
الادب والفن


بعد أن كانت الفلسفةُ تساؤلاً أصبحت أجوبةً روتينية جاهزة، وبعد أن كانت تطمح إلى جر الحكام إلى حلبة الأخلاق انجرت هي إلى حلبة الحكم والحكام. لم يكن هذا التطورُ ليحصل لولا مجموعةٌ من "الفلاسفة الجدد" كما يسمون أنفسهم، وعلى رأسهم ذائعُ الصيت برنارد هنري ليفي.
"ألقوا بالثورة في الشارع ليتلقفها الشعب"، قال أحد أبطالُ الثورة الجزائرية. ألقوا بالفلسفة في عفن المجاري لتشم رائحتها البشرية جمعاء : هذا، على ما يبدو، شعارُ المفكر الفرنسي، الماوي سابقا، الذي حدد لفكره وظيفةً واحدة : تبرير كل ما يستعصى تبريرُه في عالمنا بزعم أن "الشمولية" كانت منتهى الوحشية البشرية وأن واجبَ المثقفين الوحيد هو منع تكرار مجازر الشيوعيين والنازيين.
لا نيةَ لنا في تصوير الفيلسوف في برجه العاجي متطلعا إلى السماء، منشغلا عن "توافه الأمور"، لكن ما أبدع أيقونتَه الأسطورية هذه إذا قورنت بصورة ليفي وهو يحدق في الأرض، أرض الميعاد، ويُخضع فكرَه لعبودية السياسة، سياسة دولة إسرائيل.
في يونيو 1967، لم تمنع ليفي جنسيتُه الفرنسية من أن يقصد السفارةَ الإسرائيلية في باريس طالبا التطوعَ في الجيش الإسرائيلي. ولسوء حظه، لم تدم "حرب الستة أيام" سوى ستة أيام، فحُرم من شرف تحرير بعض أراضي إسرائيل الكبرى من العرب الغاصبين. ومنذ ذلك اليوم المشهود، لم يَحد عن حب هذا الجيش إلى درجة أنه في يناير 2009، رافق وحدة من لواء جولاني في إحدى عملياتها في غزة ولم ير في عزة المحاصرة المدماة غير "ألغام حماس".
أحدثُ قصائد الغرام التي كتبها الفيلسوف الجديد عن "قوات الدفاع الإسرائيلية"، أنشدَها يوم 30 مايو 2010، فخلال مشاركته في منتدى عن "الديمقراطية و تحدياتها الجديدة" انعقد مؤخرا في تل أبيب، لم يتردد في القول إنه "غطى حروبا كثيرة لكنه لم ير أبدا جيشاً يطرح على نفسه كل الأسئلة الأخلاقية التي تشغل بالَ الجيش الإسرائيلي".
وبطبيعة الحال، لقي ليفي في فلسطين المحتلة كلَ الترحيب من المؤسسة الصهيونية، لكن من الواضح أن صورتَه هناك ليست صورةَ الفيلسوف بقدر ما هي صورة "المثقف العضوي" لليمين الصهيوني الفرنسي. تكفي لندرك ذلك قراءةُ حديث أجرته معه "هارتس" (27 مايو 2010) : كل أسئلة الصحفي الذي حاوره كانت عن إسرائيل والسياسيين الإسرائيليين وحل "النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي" وما إلى ذلك من المواضيع الفلسفية الشائكة.
وبالرغم من أن ليفي في هذا الحديث قارن نفسَه مرة أخرى "بالمثقفين الملتزمين" من أمثال جان بول سارتر، لا يبدو أنه تأثر بعدم اعتبار الإسرائيليين له "مثقفا مستقلا"، فكالعادة، ما يهمه هو سطوع نجمه في وسائل الإعلام والإدلاءُ بدلوه في شؤون السياسة الإسرائيلية وكأنه عضوٌ في الليكود أو كاديما أو حزب العمل. وعندما ذكرته "هارتس" بأنه وصف بنيامين نتانياهو يوما بـ "الكارثة، رد بأن "الأمور تغيرت" وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية "نضج"، ثم قارنه ببيغين "الذي تخلى عن سيناء" وشارون "الذي انسحب من غزة" آملا منه "مفاجأةً" من نفس القبيل.
وفاجأ نتانياهو صديقَه الجديد في 31 مايو الماضي عندما أمر القوات الخاصة الإسرائيلية بالاعتداء على سفن تحمل مساعدات إنسانية إلى سكان غزة المحاصرين. ولأن الفلسفةَ، منذ أن احترفَها ليفي، أصبحت مرادفا لفن تلميع وجه إسرائيل، لم يُدن الاعتداء واكتفى بوصفه بأنه "غبي لأن صوره ستبث في العالم كله وستكون أكثر تدميرا من هزيمة عسكرية". وأضاف، وهو العارف بقدرات "الجيش الذي لا يقهر" وإن لم تكتب له المشاركة في مآثره في 1967، إنه "كان يمكنه إجبارُ هذه السفن على الرسو باستعمال وسائل أخرى".
ليست هذه القرصنةُ البينة إذاً ما آلمَ "أشهرَ مفكر فرنسي في العالم" ("هارتس"). ما آلمه هو "غباؤُها"، فحتى في المياه الدولية، لإسرائيل الحقُ في إجبار كل السفن على إلقاء مرساتها في أشدود. ما آلمه ليس اغتيالُ الأبرياء بل تدهورُ صورة الجندي الإسرائيلي، ذي الأخلاق العالية بالرغم من تكالب الغرب والشرق عليه.
هذا هو ليفي منذ أن احترف التفكيرَ في مصلحة الدولة الصهيونية. حتى اعترافُه ببعض حقوق الفلسطينيين لم يمله عليه حبُ العدل بل "خطرُ تحول إسرائيل إلى كيان يهوده أقليةٌ في وطنهم" (بيان "دعوة إلى التعقل"، 3 مايو 2010). حتى كلامُه مؤخرا في تل أبيب عن حق الفلسطينيين في وطن، أملته عليه "ضرورةُ أن تتحرر إسرائيلُ من الأراضي الفلسطينية" لا أن تحررَها من ربقة الاحتلال.
في 1847 نشر كارل ماركس "بؤس الفلسفة " داعيا المفكرين إلى أن ينظروا إلى العالم من زاوية جديدة، زاوية تغييره. لم يكن هذا الكتابُ ردا على يميني يدافع عن مصالح الطبقات المالكة. كان ردا على مناضل من اليسار الفوضوي، بيار جوزيف برودون. ما كان عسانا أن نقرأ له لو قدر له أن يرى برنارد هنري ليفي وهو يكرس الفلسفةَ للإشادة بـ "نضج" نتانياهو ؟ ربما كان سيفضل أن يواصل الفلاسفة التحديق في السماء وأن ينشغلوا بها عن السياسة حتى لا يحولوا "علم الحكمة" إلى علم الترهات.
ياسين تملالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر