الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الإعلامية و صناعة الرأي العام الدولي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تبرهن الإحداث الجارية على الأراضي الفلسطينية؛ منذ الهجوم الهمجي على قطاع غزة؛ و مرورا بعملية القرصنة البحرية؛ التي أقدم عليها جيش الاحتلال؛ في حق مدنيين عزل من مختلف الجنسيات. تبرهن جميع هذه الأحداث بالملموس؛ أن القضية الفلسطينية؛ أصبحت يوما بعد الآخر تأخذ طابعا دوليا؛ يتجاوز محيطها العربي.
فقد مارس الكيان الصهيوني؛ طوال عقود من الاحتلال؛ حصارا إعلاميا؛ منع القضية الفلسطينية من تجاوز حدودها العربية؛ و قد نجح في ذلك بدعم من اللوبي الإعلامي الصهيوني؛ في الولايات المتحدة و أوربا؛ و الذي تحكم لعقود؛ في صناعة المعلومة و تسويقها؛ من منظوره الإيديولوجي الخاص .
و قد تحكمت في هذه الصورة النموذجية؛ الأسطورة التي نسجها الكيان الصهيوني؛ و التي تقول بأن فلسطين أرض بلا شعب؛ و لذلك فهي حق طبيعي لشعب بلا أرض. و على هذا الأساس قام الكيان الصهيوني بجرائم بشعة؛ في حق الفلسطينيين؛ بهدف إخلاء الأرض من أهلها؛ حتى ينطبق الواقع مع الأسطورة.
لكن و برغم هذا الحصار الإعلامي المفروض؛ و الذي يقوم بوظيفة تزوير الوقائع؛ بهدف تزوير الحقيقة التاريخية . رغم كل هذا الحصار كانت الحصيلة الصهيونية دون مستوى التطلعات الأسطورية؛ التي رسمت حدود إسرائيل ما بين الفرات و النيل. بل على العكس من ذلك؛ يبدو بشكل واضح الآن؛ أن إسرائيل بدأت تفقد تلك المشروعية المزورة؛ التي قامت عليها منذ تأسيسها.
فقد برهنت أحداث غزة ؛ و الآن يبرهن الهجوم الإرهابي على سفن الحرية في المياه الدولية؛ كل هذا يبرهن على الطابع الهمجي الذي يؤسس المشروعية المزورة للكيان الصهيوني . و قد زاد من تعميق طابع اللاشرعية هذا؛ الانفتاح الإعلامي الغير مسبوق؛ الذي يعيش عليه العالم . فسواء مع أحداث غزة أو مع قافلة الحرية؛ نقلت الشاشات عبر العالم؛ صورة مغايرة لتلك الصورة النمطية؛ التي صنعها اللوبي الإعلامي الصهيوني؛ و سوقها أمريكيا و أوربيا؛ باعتبارها الحقيقة الوحيدة .
و قد كان للإعلام العربي دورا كبيرا؛ في فضح صور البشاعة هاته؛ و نشرها في الداخل و الخارج ؛ و هذا ما شوش بشكل كبير عل الرسالة الإعلامية؛ التي صنعها اللوبي الإعلامي الصهيوني؛ و جعلها عديمة الجدوى؛ باعتبارها رسالة إعلامية مزورة؛ تشكل الوقائع على مقاسها بشكل مفضوح .
كيف يمكن لأي مشاهد عاقل الآن؛ أن يستوعب صورة مفبركة تقنيا؛ تنقل إليه رسالة إعلامية مغلوطة؛ تقول بأن المدنيين من هيئات الإغاثة؛ هم الذين هاجموا الجيش الإسرائيلي بالسلاح الأبيض في عرض البحر ( و من السلاح الأبيض ما أسقط طائرات حربية !!!)؛ و ما فعله أفراد هذا الجيش؛ لا يتجاوز رد الفعل على الهجوم (الإرهابي)؛ على الطائرات و الزوارق الحربية بالسلاح الأبيض !
و قد اجتهد تقنيو الإعلام؛ و بذلوا جهدا خارقا في نسج صورة مفبركة؛ تؤكد هذه الرسالة الإعلامية المزورة؛ حيث تحول المدنيون العزل الهاربون؛ على ظهر السفينة من طلقات النيران العشوائية؛ تحول هروب هؤلاء –تقنيا- إلى هجوم؛ و بالتالي تحول المدنيون العزل إلى أفراد عصابة تهاجم أفراد الجيش الإسرائيلي . لأن في كلا الحالتين (الهروب – الهجوم ) حركة؛ و استثمار هذه الحركة تقنيا حولها من طلب النجدة إلى الهجوم.
و نفس هذه الرسالة الإعلامية؛ هي التي حضرت في غزة؛ حيث صورت الكاميرات الإسرائيلية أطفالا و نساء و شيوخا؛ يرمون جنودا بالحجارة؛ دفاعا عن كرامتهم المهضومة – على الأقل- صورتهم كمهاجمين للجيش؛ و كإرهابيين يسعون إلى تفجير دبابات عسكرية !!!
و سواء بخصوص الرسالة الإعلامية الأولى أو الثانية؛ فإن الهدف واحد؛ هو صياغة صورة مزورة؛ و تسويقها لدى الرأي العام الدولي؛ صورة تقوم على رسم إسرائيل كضحية مستهدفة من طرف ( الإرهاب الإسلامي) أما الجيش الإسرائيلي؛ فإن دوره لا يختلف عن دور جميع جيوش العالم في مقاومة الإرهاب !ّ!!
و قد نجحت إسرائيل طوال عقود من الزمن في تشكيل هذه الصورة؛ لدى الرأي العام الدولي؛ و خصوصا في أمريكا و أوربا؛ حتى أصبحت ذلك الطفل المدلل الذي يتلقى الرعاية الحكومية أمريكيا و أوربيا؛ و بدعم شعبي لا محدود.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح هو: هل ما زالت الظروف مواتية لتقبل هذه الصورة النمطية؛ القائمة على تزوير الحقائق على أرض الواقع بهدف تزوير التاريخ ؟
إن اليقظة التي يعيش عليها الرأي العام الدولي الآن؛ نتيجة توسع الحرية الإعلامية؛ و نتيجة الانتشار الواسع لوسائل الإعلام بجميع أشكالها. هذه اليقظة ستدق المسمار الأخير في نعش الكيان الصهيوني؛ الذي يعيش الآن مرحلة مغايرة لتلك التي نظر لها خبراؤه الإعلاميون. فقد أصبح من البلاهة الآن اعتماد وسائل قديمة في تزوير الحقائق على أرض الواقع؛ خصوصا في ظل الثورة الإعلامية التي يعرفها العالم.
لقد انتهى ذلك الزمن الإسرائيلي الجميل؛ حيث كان اللوبي الإعلامي الصهيوني هو الذي يحتكر صناعة الرسالة الإعلامية صورة و صوتا؛ و هو الذي يحتكر تسويقها عبر العالم , أما الآن و في ظل هذه الثورة الإعلامية؛ فقد أصبح جميع الناس مصورون؛ باعتماد أجهزة بسيطة لكنها عالية التقنية؛ يمكنها أن تحطم مؤسسة إعلامية بكاملها.
و لذلك فقد أصبح من الممكن جدا دحض الرسالة الإعلامية الصهيونية؛ بمجهود فردي بسيط؛ عبر المواقع الإلكترونية الواسعة الانتشار عبر العالم ( الفايس بوك – تويتر... )؛ و بالتالي أصبح من الممكن مواجهة التزوير الممارس؛ من طرف المؤسسات الإعلامية الصهيونية.
و قد زاد من تعميق اللاشرعية التي أصبحت تعيش على إيقاعها إسرائيل؛ الانتشار الواسع لوسائل الإعلام العربية؛ التي أصبحت مصدرا رئيسا و موثوقا به عبر العالم؛ فيما يخص شؤون الشرق الأوسط ؛ و هذا ما رسخ نموذجا جديدا و مغايرا في نقل الصورة و معالجتها؛ و تفسيرها كذلك عبر التقارير الإخبارية؛ التي تنقل الواقع مباشرة من أرض المعارك . و نحن هنا نتذكر ذلك النقل الحي؛ لعملية القرصنة البحرية التي قام بها الجنود الإسرائيليون؛ على ظهر سفينة الحرية؛ حيث بذلت القنوات العربية مجهودا جبارا؛ في نقل صورة مغايرة للرواية الإسرائيلية؛ الأمر الذي أحرج صناع القرار السياسي الإسرائيلي؛ الذين يسوقون لرسالة إعلامية مزورة .
نتيجة لتظافر مجموع هذه العوامل؛ فقد أصبح الآن من الممكن تشكيل رأي عام جديد؛ سواء في المحيط العربي و الإسلامي؛ أو في مختلف الامتدادات القارية من أوربا إلى أمريكا و آسيا ... و إذا كان الكيان الصهيوني؛ منذ تأسيسه قد استثمر ملايير الدولارات في صناعة رأي عام دولي على مقاسه؛ فإن الحرب التي يجب علينا أن نستعد لخوضها منذ الآن؛ ترتبط بمحاولة نقل رسائل إعلامية مغايرة؛ للرأي العام الدولي؛ رسائل إعلامية نزيهة؛ تنقل ما يجري على أرض الواقع بشفافية مطلقة. و هذا ما سيساعدنا على المدى المتوسط و البعيد؛ من صناعة رأي عام دولي مساند لقضايانا العادلة. و لعل بوادر هذا المشهد الجديد بدأت تعلن عن نفسها؛ منذ أحداث لبنان؛ مرورا بأحداث غزة؛ لكنها الآن مع قافلة الحرية أكثر جلاء.
فقد خرج الناس متظاهرين ضد الإرهاب الصهيوني؛ في أمريكا و بريطانيا و فرنسا... و هذه معاقل صهيونية خالصة؛ كانت الرواية الإسرائيلية إلى عهد قريب هي التي توجه الرأي العام فيها. و هذه المظاهرات التي تعم العالم بجميع قاراته مؤشر حقيقي على التحول الذي يعرفه العالم.
فقد بدأ يدرك الجميع – متأخرين طبعا – أن إسرائيل ليست ذلك الحمل الوديع و ليست ذلك الطفل الأمريكي-الأوربي المدلل؛ الذي صوره اللوبي الإعلامي الصهيوني؛ انها ليست ضحية مآمرات تحاك ضدها من طرف (الإرهاب الإسلامي) .
لقد بدأ الرأي العام الدولي يدرك أن إسرائيل كيان ديني و قومي منغلق؛ و ليست دولة ديمقراطية؛ كما روج اللوبي الإعلامي الصهيوني لعقود. لقد بدأ هذا الرأي العام يدرك أن الصهاينة قتلة الأطفال و الشيوخ و النساء؛ لقد رفرفت صورة الشهيد الطفل (محمد الذرة) عاليا؛ لتفضح بالصورة و الصوت الهمجية الصهيونية؛ و هذا الطفل ليس سوى أيقونة إعلامية؛ رسخت لدى الرأي العام الدولي؛ الصورة الحقيقية للكيان الصهيوني الإجرامي. كما نقلت الكاميرات عبر العالم بالصوت و الصورة مشهد الهجوم الهمجي؛ على مقرات الأمم المتحدة و على هيئات الإغاثة؛ في المياه الدولية.
إن الصراع الذي يجب أن نخوضه الآن ضد العدو الصهيوني؛ هو صراع حول كسب أكبر نسبة من الرأي العام الدولي؛ لأن الكيان الصهيوني منذ تأسيسه و إلى الآن يخوض مثل هذه المعارك بلا ملل ؛ و قد أسس مشروعيته المزورة من خلال كسب الرأي العام الأوربي و الأمريكي إلى جانبه؛ الأمر الذي يوفر له جميع أشكال الدعم؛ سياسيا و اقتصاديا و عسكريا و تقنيا ...
و قد لعب الإعلام دورا خطيرا خلال جميع المعارك؛ التي خاضها ضدنا العدو الصهيوني؛ فقد استطاع اللوبي لإعلامي الصهيوني؛ أن يسوق لإسرائيل باعتبارها النموذج الديمقراطي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط؛ لذلك فقد رسخ لدى صناع القرار السياسي و العسكري؛ فكرة دعم الديمقراطية الإسرائيلية !!! كخيار وحيد لا بديل عنه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صلاة العيد بين الأنقاض في قطاع غزة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البيان الختامي لقمة سويسرا: تحقيق السلام يستدعي إشراك جميع ا




.. هدنة تكتيكية تثير الانقسامات في الحكومة الإسرائيلية | #رادار


.. محادثات التهدئة بين شروط هنية وضبابية نتنياهو | #رادار




.. جدل واسع بإسرائيل إثر إعلان الجيش توقفا تكتيكيًّا للعمليات ج