الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع اللصوص على المياه

خالد الفيشاوي

2010 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


على مدار سنوات طويلة ماضية ، تتصاعد من حين لأخر مشكلة مياه النيل ، ويزداد اهتمام الرأي العام بها ، وتكثر الاجتماعات والمؤتمرات والمشاريع والمقترحات ثم تهدأ الأوضاع لتعود للانفجار بحدة اكبر مرة اخرى ...وتزداد المخاطر ، وتفشل المؤتمرات وتتفاقم المشكلات ، ويبرز عجز الحكومات .

منذ تسعينيات القرن الماضي ، والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية تروج لأن القرن الواحد والعشرين ، سيكون قرنا للحروب على المياه ، وأن العالم سيشهد ندرة شديدة في المياه ، وأنه يجب معاملة المياه كسلعة تباع وتشتري ...وذلك سعيا لأن تصبح المياه مغنما للاستثمارات والاحتكارات الدولية ، وتتحول من منفعة عامة كما تعود البشر على التعامل معها منذ بدء الخليقة ، إلى سلعة تجلب المليارات على الاحتكارات الدولية وتوابعها المحليين ...
ولما كانت الحكومات والانظمة السياسية في بلدان حوض النيل بجملتها ، خاضعة للإرادة الدولية ولروشتات خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ، اكبر المؤسسات الدولية التي تدعو لتحويل المياه إلى سلعة كالنفط والكهرباء وغيرها من السلع ...فأنها لن تقف ضد هذه الدعوة وتدافع عن بقاء المياه منفعة عامة ...راحت أنظمة الحكم في بلدان حوض النيل في السعى وراء مشروعات التجارة في المياه ...وبدأت بالفعل في السعي لبيع المياه لشعوبها أولا ، والتعاطي مع المشروعات المقترحة ليع المياه في الأسواق العالمية ..إنسجاما مع الاتجاهات الاستثمارية العالمية في هذا الشأن ...

على هذه الخلفية ، تتفاقم الصراعات بين دول حوض النيل ، لتبلغ ذروتها في فشل مؤتمر شرم الشيخ لدول حوض النيل في ابريل الماضي ، ثم عقد مؤتمر اوغندا لبعض دول المنبع .

في هذا المناخ العالمي والإقليمي الذي يسعى لتحويل المياه لسلعة تباع وتشترى في الاسواق العالمية ..ليس من المتوقع لهذه الخلافات إلا مزيد من التصعيد ، وليس من المستبعد أن تتفاقم وتتجاوز الصراعات الدبلوماسية والسياسية إلى صدامات وحروب .

ايضا ، وعلى مدى العقود القليلة الماضية ، عجزت انظمة الحكم في دول حوض النيل عن اقامة مشروعات مشتركة لتنمية مواردها المائية وتأمين احتياجاتها من المياه وايضا بيع الفائض منه في السوق العالمي إن أرادت ذلك ...
وفي ظل التصريحات الاعلامية العدائية المتدوالة الآن ...تعمدت كل هذه الحكومات اخفاء حقائق صارخة ..أبرزها مثلا أن منابع النيل يسقط عليها أمطار حجمها 1660 مليار مترا مكعبا من المياه ، ولا يدخل مجرى النيل منها سوى 84 مليار فقط ، والباقي يستخدم القليل منه في الزراعة الموسمية ، أما معظهمه فيتبدد في جوف الأرض وفي المحيط وفي المستنقعات وعمليات البخر . ولا يستفيد منها أحد . ولو كان التعاون والمصلحة المشتركة فين نية حكومات هذه البلاد لاقامت العديد من المشروعات ( المدروسة بالفعل والمقدمة من خبراء المياه ) المشتركة ، ولأصبحت المياه تفيض عن حاجاتها ، وكانت استثمرتها في الزراعة وفي توليد الكهرباء وأيضا في بيع الفائض لبعض الدول الشحيحة الموارد المائية . . .

لكن لأن هذه الأنظمة محكومة بأوامر المؤسسات المالية الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد ، وهذه المؤسسات لا ترغب في الزراعة الأفريقية ولا في تنمية بلدانها ، ولا تسمح بمشروعات كبرى إلا لخدمة مصالحها ، فإنها عطلت كل مشروعات التعاون ...

لهذا ، ليس من الغريب أن نجد الرأي العام والمثقفين والخبراء والعلماء أكثر انشغالا وقلقا واهتماما بالأزمة الراهنة ...بينما الحكومات تتصرف بحمق ، وبلادة وعدم اكتراث ، وكأنهم لا يدركون مدى الكارثة التي ستصيب شعوب حوض النيل ، بتحويل مياهه من المنفعة العامة إلى سلعة تباع وتشترى ...

لكنهم بالطبع يدركون جيدا ، لكن الامر لا يعنيهم ، فهم لا يطمحون سوى في حساب ارباحهم من هذه التجارة ، التي يأملون أن تنتعش في أسرع وقت ...حتى لو أثارت الحروب ، يبقى الربح مضاعف ...من بيع المياه ، وبيع السلاح ...
هذه كارثة ، لن تتضرر منها شعوب دولة المصب ( مصر والسودان ) فقط ، بل ستضر بشعوب كل بلدان حوض النيل ، حيث ستتولي الشركات الاحتكارية الكبرى اقامة المشروعات وشبكات انابيب المياه ( مثل انابيب النفط ) والبيع في السوق العالمي ...وليموتوا هم عطشا وجوعا ...


لو صح ذلك ، هل يمكن أن يلعبون المثقفون والخبراء ومراكز البحوث الزراعية والتنموية والمنظمات الشعبية المستقلة ( بهذا القدر او ذاك ) دورا ، ولو في إطار الدفاع عن حق شعوب هذه البلاد في ابقاء المياه منفعة عامة ، والتصدي لمخططات الاحتكارات والمؤسسات الدولية والحكومات المحلية من اجل تحويل المياه لسعلة ومجال للاستثمار والتربح .

صحيح ان بلادنا لا تعرف منظمات شعبية واهلية أو احزاب سياسية لها مثل هذه القدرة والطموح ...ولكن هناك منظمات دولية شعبية تتصدى بالفعل لهذه المخططات والمشاريع منذ سنوات ، ولعل ابرزها منظمة ( طريق الفلاحين ) ، التي اسسها الفلاح الفرنسي الشهير (جوزية بوفية ) وغيرها من المنظمات التي نجحت لحدود كبيرة في افشال سياسات منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد ، خاصة فيما يتعلق بتدمير الزراعة في بلدان العالم الفقير وفي تحويل المياه من المنفعة العامة إلى سلعة ...ويمكن الاستعانة بهذه المنظمات والخيرات إذا ما خلصت الارادة للدفاع عن موارد شعوبنا ومصالحها ضد ألاعيب الاحتكارات والسماسرة والتجار ...

خالد الفيشاوي
20/5/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح


.. كيف استقبلت والدة هند رجب نبأ إطلاق اسمها على قاعة تاريخية ف




.. اقتحام مخيم شعفاط بالقدس لهدم منزل منفذ عملية كريات ملاخي


.. سرايا القدس: استهداف جنود الاحتلال المتحصنين بمنازل المواطني




.. بايدن يهدد بوقف بعض إمدادات الأسلحة لإسرائيل في حال دخول الم