الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الشيخ إمام : أحببناك و نفتقدك

الهام ملهبي

2010 / 6 / 4
الادب والفن



كثيرا ما أستغرب كوني مازلت أستمتع بأغاني إمام كما كنت و أكثر، أجافيه أحيانا و تمر فترات طويلة دون أن أستمع إليه ، لكن لم تستطع كل هذه السنوات أن تنقص من قيمته بداخلي . مثلما لم تستطع أن تنقص من قيمته دأخل الكثيرين.

مازلت حين أسمع أغنية "وهبت عمري للأمل" لا أتمالك نفسي من أعيدها أكثر من مرة دون أن أشبع منها و من تلك الأحاسيس التي تحركها بداخلي رنات العود و صوت إمام و كلمات الأغنية التي لم تذبل رغم الزمن ، بل و حتى حنحنات إمام بين المقاطع و التي لا يخجل أبدا من أن يصدرها قرب الميكروفون.

هذه الأغنية التي كتبها أحمد فؤاد قاعود سنة 1968 و لحنها إمام في سبعينيات القرن الماضي ، مازالت قوية رائعة شجية معبرة و مؤثرة ، معتقة تزداد قيمتها كلما مر الزمن (شأنها شأن كل ما غناه إمام ) ، اغنية حملت ميزتين : شعرية قاعود و عبقريته و روح إمام المبدعة الخلاقة . قصيدة مكونة من عدة مقاطع تظهر فيها موهبة الشاعر المتمثلة في منح القصيدة بناءها المتماسك و التواصلي ، حيث إن كل نهاية فقرة تسلم لبداية فقرة اخرى ، و تتصاعد المعاني رويدا رويدا طارحة الهموم و الأمل و حب الأرض وحب الوطن حتى تنتهي بما يشبه الهتاف:

ويا يبقى شغل وغنا طول السنة
يا تبقى ثورة فى الصدور ومراجل

في هذا الزمن حيث اختفت الاحلام الكبيرة ، و لم يعد الخطاب السياسي يحمل نفس حمولات التغيير الجذري و الأمل بالغد الأفضل ، و حيث لم تعد كلمة ثورة كلمة يهتز لها البدن و يقشعر لها الجلد ، ما زالت هذه الأغنية تملك نفس قيمتها و أكثر ، و مازالت رسالة الأمل فيها ساطعة ، لم تنتهي مدة صلاحيتها كالمنتوجات الرخيصة.

قاموس الأغنية المعتمد أساسا على معاني الارتباط بالأرض كنوع من الانتماء للوطن ، و عشق تراب الأرض و رائحتها و خيراتها ، كل ما تحبل به الأغنية من مناجل و قمح و سنابل و غيطان لم يفقدها اليوم سحرها و تجددها و حمولتها الوطنية .
هل مازال الانسان اليوم يعني الأرض و التربة و العرق و العمل ؟
الانسان اليوم كائن آلي .. بريده الكتروني ،و أصدقاءه الكترونيون ، و نضاله الكتروني ، و ثقافته الكترونية ، و مكتبته محملة على حاسوبه المحمول ، و حتى يمكن أن يحب إلكترونيا .
كيف سمحنا لأنفسنا أن نتحول هكذا إلى آلات تمشي على قدمين و تدعي أنها تتنفس؟
اليوم حين يقول لنا إمام :

وبالإيدين المعروقين يا مناجل
أطوي ظلامي بالصباح العاجل

هل يمكن أن نستوعب جرعة الأمل المضاعفة التي تحملها هذه الجملة، في هذا الزمن حيث لم تعد المناجل إلا ذكرى من الماضي ، مازالت الكلمة هنا ذات وقع جميل على النفس، تبعث على الأمل و ترقب المستقبل، و مازالت كلمة الأرض تعني الحب و الانتماء.
لماذا اختفت المعاني الوطنية اليوم؟ هل لأننا تمدننا بشكل مشوه و أصبحنا نخجل من كل ما له علاقة بالأرض، فلم يعد لنا أي انتماء آخر. نظفنا أنفسنا من تراب الحقول ، و لم نجد لنا أي عبق آخر نتدثر به.

غنيت وفي المغنى فرضي
للسمرة أرضي

كان اللون الأسمر يعني الأنتماء، كانت السمرة هي الجذور ، هي أثمن ما يمكن أن ندافع عنه ، هي البلد ، و ما أنذر هذه الكلمة الآن و قد أصبح الجميع يعيش بهم واحد ، هو كيف يهجر هذه البلد التي كان يسميها إمام "المعشوقة". هم كل واحد اليوم هو أن يهجر هذه المعشوقة التي أصبحت لا تختلف عن أي عشيقة يمكن هجرها دون احساس بالذنب بحثا عن عشيقة أخرى يمكن أن تعطي وهماً أفضل.


العشق زين بس الهموم سبّاقه
والشوف حديد بس الغيوم خنّاقه
والانتظار للوعد نار حرّاقه
امتى تطول العيدان
دا من زمان
مشتاق أنا والحلوه مش مشتاقة

رغم الهموم و الغيوم الخناقة كان الأنتظار لا يفقد لذته ، انتظار غذ أفضل و مستقبل أجمل. رغم كل شيء مازال يقول " مشتاق أنا" رغم أن " الحلوة مش مشتاقة"، و مازال يسميها : " الأرض بكر عافية" يعني مازال ينتظر منها الكثير.
أين نحن اليوم من كل هذا ؟ أين هي حقيقتنا؟ إلى ماذا ننتمي ؟ و أين تضرب جذورنا؟ و هل بقي لنا جذور أصلا؟

رغم الطابع المصري جدا لأغاني إمام ، غير أن صوته لقي صدى في أغلب البلدان العربية رغم كل الحصار الذي لاحقه طيلة حياته. أغنيته عبرت عن تلك المرحلة بشكل قوي و صادق و حملت الكثير من الجمال. لم تكن فقط أغنية سياسية جافة تتسم بطابع الحماسية التي تنطفئ بعد انتهاء الحدث و المرحلة.
اليوم و قد انحسر خطاب النضال بشكل كبير ، مازالت أغنية إمام تاريخا ثابثا يناسب أكثر من مرحلة. هذا الأعمى الذي قاد المبصرين على مدى أكثر من عقدين من الزمن ، كان صوت الكثير من الشعوب ، و مازال ذاكرة راسخة.

اليوم لا نملك إلا أن نقول لإمام أحببناك و نفتقدك، نحن يتامى صوتك ، و يتامى عودك ، و يتامى إصرارك و صبرك و كفاحك، و يتامى شعلة الأمل التي حملتها أنت الكفيف العاجز و لم يستطع أن يحملها آخرون.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العظماء ينصفهم التاريخ.
محمد نور الدين بن خديجة ( 2010 / 6 / 5 - 18:41 )
تحية للاخت الهام ملهبي..تحية للاوفياء والبررة..تحية لكل من لم يخن ذاكرته
هاهي ذكرى الشيخ امام العظيم تمر في صمت..رغم ان حضوره دائم في مآسينا
التي نجترها..دائمة في ارتدادات بعض رفاق الامس-يتمركس بعض الايام..يتمسلم بعض الايام..-دائمة وهي تضيع شمعة في الظلام-قيدوا شمعة- دائمة وهي تحاكم من يتاجر بالدم الفلسطيني-غزة مع الدلال- دائمة رغم التغييب..ورغم ذاكرتنا المتلفة.اعجبني جدا تذكرك للشيخ من خلال قصيدة الشاعر الرائع الذي افتقدناه في لجة التناسي المتعمد او لجة اللهاث وراء اليومي الرتيب.اذكر ان اجمل بادرة
هي مايقوم به مسرح التياتروبتونس للنبيل المسرحي الجبالي وذاك بالاحتفاء بذكراه كل سنة.ونحن نحاول هنا بالمغرب القيام بنفس البادرة وعلى قدر الامكان من خلال المجموعة الغنائية التي انتمي لها-مجموعة مرايا-بمراكش.ايتها الاخت-لحظة في الظلام لا تفقدنا البصر-كما قال العظيم بابلو نيرودا
محمد نور الدين بن خديجة../شاعر وزجال من المغرب

اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال