الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واخجلتاه !

بدر عبدالملك

2010 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بدر عبدالملك - كاتب بحريني (شئون عمالية)
قلنا في المرحوم قريبا جدا الرفيق جليل عمران ’ النقابي ما يستوجب قوله، والذي خسر حياته فجأة وكان بالإمكان أن يبقى طويلا ، لولا ذلك الاعتصام ’’ المصرفي ’’ الذي لم نجد أصحابه ’’ الشرعيين ’’ متواجدين في المكان، أو بتعبير احد أعضاء المنبر التقدمي الذي تساءل ساخرا ’’ أين المتضررون ؟ ’’ قاصدا بذلك السبعة والثلاثين مفصولا من بنوك متعددة .

ترى هل يجوز ان يحمل المنبر التقدمي بالوكالة النضال عن أشخاص تواروا عن الدفاع عن أنفسهم لكي يجنوا ثمرا وقشطه سهلة ؟ الم يكن واجبا منهم الحضور في المكان والإعلان عن صوتهم او على اقل تقدير تعليق ملصقات وإشارات او أية دلالة تؤكد عن أنهم هم أصحاب الموضوع.

ولكن الحقيقة كانت أكثر من مرة فهناك أشخاص اليوم مستعدين للذهاب بالشكوى لإطراف عديدة ولكنهم ليسوا على استعداد لتقديم حتى تضحية صغيرة لا تتجاوز بعض ساعات من احتجاج شرعي منحه الوضع الديمقراطي في أجواء مناخ الإصلاح السياسي ، فلا افهم لماذا هذا الخوف المتناهي من الإعلان عن صوتهم وهم المنكوبين ’’بلوثة ’’ التسريح المهني ، وهي ظاهرة ستكون دائما موجودة في المجتمع طالما إننا جزء من منظومة داخلية وعالمية طبيعتها رأسمالية .

لا اعرف لماذا لا يستثمر مثل هؤلاء صوتهم في الدفاع عن حقوقهم قبل أن تكون حقوق جليل عمران التي نال قسطها طويلا في دهاليز حياته حتى بات أخيرا عنوانا ساخرا لعبارة رددها البعض بأنه ’’ شهيد الخذلان ’’ فقد جاء جليل ذو المنبت العمالي ليدافع عن مصرفيين هم اقرب لنفسية البرجوازية الصغيرة والفئة المهنية التي رجلها هنا وقلبها هناك ، موقفها متذبذب ووعيها وروحها تتطلع للمراتب العليا والحلم المهني . قليلين من هؤلاء الناس يدركون الحقيقة وكثيرون منهم يمارسونها دون قصد ، فكم دفع في الماضي وما زال يدفع ، المثقف الثوري ثمنا لمواقفه دفاعا بالوكالة عن شرائح أثبتت أنها لا تستحق تضحياته ، وكان عليه أن يدرك أن الصراع الاجتماعي والوعي الاجتماعي اعقد بكثير مما نتصور ، ويزداد تعقدا تحركه في العملية الديمقراطية .

لأول مرة في حياتي اسمع عن أشخاص أصحاب قضية لا يحضرون من اجلها ، وكأنهم متهمين أوكلوا محاميا عنهم في قاعات المحاكم .
ما هكذا يفهم الاحتجاج والاعتصام وما هكذا يفهم كيف على المتضررين أن يشهروا احتجاجهم – ولو على الأقل مكبوتا – غير أنهم اختفوا من حظوة المكان اليتيم ، بل وبدت الصور القاتمة والشاحبة تعبيرا عن وجوه خجلة مضطربة حساباتها بين الغيط والبندر ، حساباتها الرغبة في الإعلان عن الحضور وحساباتها مع إدارة المؤسسة .
كان ذلك بالإمكان ان يحدث في السنوات السابقة عندما يخرج الإنسان لتظاهرة او اعتصام او إضراب ، وفي اليوم الأخر ، هذا ان لم يكن في اليوم نفسه ، سيجد حاله مطرودا من المؤسسة فورا ، وفي ذات الوقت تنتظره سيارة الأمن عند باب بيته لكونه حسب تعبيرات الأمن سابقا شخصية مشاغبة تخل بالأمن العام او بتعبير ’’ اخوتنا الانجليز ’’ في القسم الطيب الذكر ’’ تربل ميكر ’’ مع ان الموضوع تجاذب بين طرفين هما العمال والمؤسسة المهنية ولا يجوز فيها تدخل الجهات الأمنية ، ولكننا يومها عشنا حقيقة ذعر الأمن من كل حراك سياسي او مهني تحت حجج كثيرة ، اقلها الخوف من تطور الحالة إلى إضراب عام وأكثرها الشعور بفوبيا هروب الرأسمال من البلاد في حالة تطور الوضع الى ابعد من قضية جزئية هنا او هناك في حوض عمالي او شارع سياسي ، ولكننا اليوم ما عدنا في هوس ذلك الكابوس ولا ينبغي العيش في داخله بروح سوداء وتشاؤمية ، ولكن إخوتنا المتضررين حساباتهم حسابات بنكية ومصلحية تفوق الحسابات السياسية للجمعيات والمؤسسات السياسية ، المتضررين حساباتهم شخصية ومهنية بعيدة النظر ، فيما جليل عمران الذي جرجر نفسه –وهو المريض- في باص عام لكي يسقط مع رمقه الأخير من اجل عيون السبعة والثلاثين مصرفيا ، الذين كان عليهم تأكيد حضورهم أولا وأخيرا قبل أي شخص آخر من نمط جليل عمران والكوكبة العمالية التي تحولت مدافعا جسورا عن شرائح وطبقات أخرى ساكنة .

أعجب كثيرا من تلك الأمور وكيف اختلطت الأشياء ، حتى كدنا لا نسمع عبارة ’’ هل هذه الدعوة تخصني ؟’’ هل فعلا الموقف يستدعي التضامن مع أشخاص فقدوا الحس بوضعهم المخزي، وتواروا عن أعين المعتصمين، وكأنهم غبارا متطايرا في المكان .

اعتقد اننا بعد حادثة موت جليل عمران علينا التوقف وطرح الأسئلة والنقاش داخل المنبر وداخل كل الجمعيات السياسية في الأداء السياسي بدلا من الاندفاع الحماسي أحيانا دون أجندة غير أجندة إعلان الهوية والحضور في الشارع السياسي . لماذا على الساسة والعاملين في مجال النشاط السياسي ان يناقشوا الأمور باستفاضة ويحسبوا من كل الجوانب كل ما يمكن توقعه وافتراض سيناريوهات عدة ، فبعد خذلان المصرفيين المسرحين إخوانهم ، والذين جاؤوا تضامنا معهم ، دون أن ننسى ان للاعتصام اتجاهات متعددة الأوجه وشعارات ومواضيع كثيرة تجاوزت مسألة التسريح لأولئك المتضررين مصرفيا !

يبقى سؤال هام علينا تداركه مستقبلا ألا وهو ان لا يزج أعضاء المنبر وغيرهم أنفسهم في الدفاع عن مجموعة ترفض مشاركتها في مسيرة او اعتصام يخصها قبل الغير وعليها ترجمة مواقفها وحضورها بدلا من تحويل قضيتها لجهة تمارس نضال الشارع والهم اليومي نيابة عنها . ان استنزاف طاقات الأعضاء والمتحمسين وغيرهم من الشرفاء دون نتائج مرجوة ، سيكون بالتأكيد على حساب موضوعات أكثر أهمية وضرورة للعمل النقابي والسياسي عند جمعياتنا السياسية ، التي تخرج من فاعلية لتدخل في أخرى بشكل لا يسمح لالتقاط الأنفاس والإعداد لقضايا أكثر جوهرية لأعضاء الجمعية وأصدقائها وأنصارها ، اذ كل فاعلية لا تحقق ولو جزء من هدفها فإنها تدخل أصحابها في قفص اليأس والإحباط بحكم ان النتائج كانت مخيبة للآمال ، في وقت يستمتع فيه المتضررين بمتعة ’’ الإجازة الأسبوعية ’’ في مقاهي المجمعات التجارية ، بينما المعتصمون الحقيقيون كانوا يحاولون ضخ ’’ عودة الروح ’’ لنقابي مات من اجلهم مخذولا. ولم يكلف نفسه السؤال ذات يوم أين أصحابي الذين جئت من اجلهم ؟

سيكون هذا الاعتصام تاريخيا في مسيرة البحرين ، اذ لأول مرة يسقط ميتا إنسان جاء من اجل التضامن النقابي ولأول مرة في تاريخنا السياسي والنضالي يختفي أصحاب الموضوع برمتهم من ’’ ساحة الوغى !’’

فواخجلتاه مائة مرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا