الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسمية الاشياء بأسمائها ضرورة لابد منها

تقي الوزان

2010 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تسمية الأشياء
مثلما سميت الهزيمة التاريخية للدول العربية أمام الصهاينة في حزيران عام 1967 بالانتكاسة , تخفيفا لوقع كلمة الهزيمة في النفوس , وما سيتركه هذا ( الوقع ) من مطالبة في التغيير . تلك الهزيمة التي كشفت الغطاء عن حقيقة تخلف الأنظمة العربية , بعد ان استنفذت هذه الأنظمة قوتها وتآكلت عساكرها في كيفية استمرار تسلطها على رقاب مجتمعاتها . نرى اليوم بعض الأخوة يرفضون الاعتراف أيضا بالهزيمة التي لحقت باليسار على المستوى العالمي , بعد أن انهارت التجربة الشيوعية ومعسكر الدول الاشتراكية الذي قاد البشرية في صراع دام أكثر من سبعين عاما مع الدول الرأسمالية , دفعت فيها ألاثمان الباهضة من جميع شعوب الأرض , وبالذات الشعوب الاشتراكية وشعوب بلدان العالم الثالث, التي(فقدت المشيتين) , بين تشبثها بالحلم الاشتراكي , وبين الانسياق في تطورها الطبيعي وبناء نظامها الوطني الخاص, وتراجع سقف مطالب نضال الشعوب إلى أهداف اقل بكثير من الاشتراكية .

الهزيمة لا تعني فقدان الحاجة , بل العكس , فقد زادت حاجة الشعوب لما يناضل من اجله اليسار والأحزاب الشيوعية أضعاف ما كانت تحتاجه قبل انتصار الرأسمالية منذ عقدين من الزمن . فقد ازدادت الحروب , والصراعات القومية , وتفتت دول , وتمركزت رؤوس الأموال أكثر , وانتعشت أسواق البورصة التي أشبه بصالات قمار للرأسمال , حيث تكسب أرباحها بدون أية دورة إنتاجية , وبشراء الأسهم فقط . وأصبحت السياسات الدولية وهيئة الأمم المتحدة تحت هيمنة السياسات الأمريكية , وتفاقم الجنون الإنتاجي لكسب الأرباح على حساب البيئة , وتم تمزيق الغلاف الجوي للكرة الأرضية , وانتشرت الأمراض الوبائية نتيجة تجارب عسكرية وأخرى لمضاعفة الإنتاج , مثل الإيدز وجنون البقر والانفلونزات المتنوعة . كل هذا زاد البؤس والحرمان للشعوب على طول الكرة الأرضية وعرضها , وازداد الفقر ليسحق قطاعات واسعة , وزحف على الكثير من أبناء الطبقة الوسطى , وارتفعت الأسعار إلى ثلاثة أضعاف في خمسة سنوات ان لم يكن أكثر في بعض البلدان . كل هذا وغيره , والشعوب واليسار لم ينهزم ؟!

وفي العراق بات من المخجل ان نعدد مظاهر انحطاط حياتنا لكثرة ما كررناها , وفقرائنا يحسدون أفقر الشعوب على رفاهها , وأصبحنا نستجدي العطف الذليل على بؤس حياتنا , وشعبنا الذي أعاد تدوير المشكلة الطائفية ومحاصصاتها , وذهب إلى الانتخابات وهو لا يدرك من الذي سيخدمه بحق , ومن الذي سيستغله ويتاجر ببؤسه , والعبرة ليس بكثرة من ساهم في التصويت , بل بنوعية من وصلوا الى البرلمان . لم يصل أي واحد من الشيوعيين واليساريين , بمن فيهم المحسوبين على القوائم الطائفية , مثل مهدي الحافظ , ونصير الجادرجي , وميسون الدملوجي وهي الناطق الرسمي للقائمة العراقية , وحضورها يومي في القنوات الفضائية , وصاحبة اكبر مجلة نسائية في العراق , وعشرات المرشحين غيرهم . وكي لا يؤاخذني ( سدنة المعبد ) من الذين لا يعترفون بأية خسارة , او انحسار لنفوذ الحزب الشيوعي , او يطرب لها من علق كل هزائمه الشخصية والنفسية على عاتق الحزب الشيوعي , فهنالك تراجع كبير لدى الجماهير في فهم دور الحزب وفهم الالتزام في الانتماء, وعلى سبيل المثال فقط , عضو محلية يذهب سيرا على الاقدام لمدة أسبوع الى كربلاء في بعض المناسبات الدينية , وآخر يطلب ان توضع " بسم الله الرحمن الرحيم " تحت عنوان صحيفة " طريق الشعب " وهي فكرة غير مطروقة حتى في صحف الإسلام السياسي , والبعض تركوا الحزب لعدم فوزهم في الانتخابات , وآخرين لعدم تعيين أبنائهم, وآخر طلب سلفة من الحزب , وترك الحزب سوية مع سلفته , ومئات الأمثلة الأخرى . كل هذا وغيره , والجماهير واليسار العراقي لم يعاني من هزيمة ؟!

هذه الهزائم لا تعني فشل النظرية الماركسية , بقدر ما هو فشل للطرق والأساليب التي اتبعت في الوصول للأهداف التي جسدتها طروحات الماركسية , كما يقرها الجميع , بمن فيهم المفكرون والقيادات الرأسمالية . ولا تزال طرية كيفية محاولة الأمريكان تجاوز " الأزمة العقارية " , وذلك بالرجوع الى تفسيرات الماركسية , وهي الأزمة الاسوء منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الآن التي تعصف بالنظام الرأسمالي , والتي نتجت عن إطلاق قيم السوق في العرض والطلب دون رقيب , حتى كادت ان تطيح بالتوازن المطلوب لاستمرار ثبات النظام الرأسمالي, نتيجة السباق المحموم الذي لا يعترف إلا بتحقيق أعلى الربحية . وعادت الحكومة الأمريكية وعلى لسان رئيسها بوش الابن لتحد من حرية قيم السوق , وتفرض رقابتها على الكثير من القطاعات الإنتاجية , وتعالج انعكاسات وجذور ألازمة مستعينة بالتفسير الماركسي لطبيعة الرأسمالية . الا ان الرأسمالية تريد ان تجعل من التاريخ , تاريخ علوم وتكنولوجيا فقط , واليسار والشعوب تناضل من اجل ان يبقى التاريخ تاريخ شعوب وأنظمة اجتماعية سياسية . والرأسمالية حريصة على أن لا تعود الشعوب للاستنارة بالماركسية وطروحاتها في تفسير أكثر المسائل الطبقية تعقيدا , لذلك تم تناسي الحل الماركسي لازمة العقار ولم يشر اليه بالشكل المطلوب .

منذ أكثر من عقدين , وعشرات , بل مئات الفلاسفة والمفكرين اليساريين في كل المعمورة , تبحث عن طرق ووسائل بديلة تساعد الشعوب على تفادي تزايد الخسائر , وتساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من شره انتصار الرأسمالية , الذي اخذ يلتهم حتى التشريعات الرأسمالية ذاتها , التي تؤّمن حاجات مجتمعاتها في السكن والتعليم والصحة . ونتيجة فشل الأنظمة الاشتراكية عادت الشعوب بنضالها إلى المربع الأول , وأخذت باللجوء الى وسائل أولية , مثل الاتكاء على جمعيات حقوق الإنسان , وأحزاب البيئة , وما شابهها , وحتى نقابات العمال دجّنت وأصبحت جزء من النظام الرأسمالي , ولا تتدخل لصالح العمال إلا في أقسى الحالات .

تسمية الأشياء بمسمياتها ضرورة لابد منها , والمشكلة ليست الهزيمة , بل بنكرانها , وكم من التجارب والشعوب انهزمت ؟! ولا توجد أبشع من هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية , وهو الشعب الوحيد الذي ضرب بالقنبلة النووية من قبل الأمريكان , ولا تزال آثارها المدمرة تظهر في الأجيال لحد الآن . ولكنها نهضت , واستعادت تطورها وتحضرها , وباتت تحسد من قبل الأمريكان ذاتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوعتك هامة وملحة لا بد من حوارلاستكمالها
فلاح علي ( 2010 / 6 / 6 - 12:19 )
العزيز تقي الوزان
تحية طيبة
موضوعتك هامة تستحق الدراسة والاستنتاج وقد اثارت كثير من الموضوعات في آن واحد وبها كثير من العناوين بحاجة إلى كل عنوان لدراسة خاصة ومنها مثلاَ أزمة الرأسمالية ونقابات العمال أصبحت جزء من النظام الرأسمالي وفشل اليسار العالمي ومنها العربي والعراقي..ألخ هذا ما يفهم من الموضوعة وكما أن عنوان المقالة يتسم بالوضوح والجرأة تشخيص الاشياء بأسمائها) وكما تعلم تشخيص الحالات والظواهر الاجتماعية والطبيعية والسياسية والاقتصادية شيئ مهم وهذا غير كافي إذا لم يتم تشخيص أسبابها لكي توضع المعالجات والآليات المناسبة وهذا الشيئ المهم في أي دراسة بلا شك لقد بذلت جهود في إعداد المقالة ولكن هناك جهود أكبر بحاجة لتشخيص بعض الاسباب للموضوعات المثارة في الشأن العراقي بما يتعلق بالامثلة التي ذكرتها واليسار العراقي بحاجة لدراسات عملية جادة لاستنهاضة . إنها موضوعة هامة وتكتسي أهميتها عندما توضع أفكار للتغيير لتجاوز الازمة التي يمر بها اليسار أشير هنا إلى مسألة لاجل تجاوزها لتكون منطلق للحوار والبحث عن آليات عملية كما سأقدم مقترح في النهاية المسألة التي لا بد من الاشارة لها هو إنه تم ا


2 - العزيز تقي الوزان
فلاح علي ( 2010 / 6 / 6 - 12:37 )
تحية طيبة
تم الاشارة لها في الموضوعة السابقة وهي أن بعض تجارب اليسار العالمي والعربي والعراقي قد فشلت ولكن هذا لا يعني فشل مشروع وبرنامج وأهداف ومهام اليسار في بناء عالم جديد بلا إستغلال ولا حروب وها إنت قد أكدت على هذه الحقيقة في مثالين مثال أزمة الرأسمالية ومثال الوضع في العراق الذي يؤكد واقع المجتمع العراقي إنه بحاجة إلى اليسار وفكرة ومن نهاية مقالتك حسب ما ذكرت ( المشكلة ليس بالهزيمة بل بنكرانها) هذا إستنتاج جيد لا يوجد من يعارضك عليه بلي توجد هزيمة وإنكسار وفشل للآليات وأساليب نضال وتجارب ولكن لا يعني ذلك هزيمة أو فشل الماركسية والاشتراكية العلمية ومشروع اليسار للتغير هذه الرؤية والاستنتاج نحن اليساريون نتفق علية وأرجوا أن تتجاوزه في المقالات القادمة وما هو مهم التركيز عليه إذا إتفقنا بفشل بعض التجارب هو ما نطلق عليه أزمة فأن الدراسة التي تفيد اليسار هو تسايط الضوء على أسباب الازمة وآليات النهوض مع كيفية تشكيل قطب يساري ديمقراطي في العراق لننطلق لبعض الملموسيات نحن نتفق بأن الحزب الشيوعي العراقي قد فشل في إيصال بعض من ممثلية للبرلمان لاسباب موضوعية وذاتية رغم إني وغيري يتفق بأن


3 - العزيز تقي الوزان
فلاح علي ( 2010 / 6 / 6 - 12:58 )
هذا الفشل في الانتخابات ليس فقط ينسحب على الحزب وإنما ينسحب على كل قوى اليسار والديمقراطية بما فيها الاسماء التي ذكرتها والتي حسبتها على اليسار وهي في الواقع لاتمت لاي صلة باليسار لامن قريب ولا من بعيد فأن فشل التجربة بحاجة لدراسة مستمرة ودائمة من قبل كل من هومعني بحضور قوي وفاعل لليسار الديمقراطي في العراق لتجاوز الفشل في الجولات القادمة والذي يؤكد الواقع العراقي حاجتة للحزب الشيوعي وقوى اليسار والديمقراطية حاجته لبرنامج وفكراليسار وتنظيمات اليسار وهذا بحاجة إلى إستنهاض وهذه مهمة صعبة وبنفس الوقت هي محك لكل يساري ديمقراطي حقيقي
المقترح الذي أقدمه هو إنه جذب إنتباهي إنك تتحدث عن مستوى وعي الجماهير ثم تنتقل لضرب أمثلة عن حالات تخص العضو في حزب يساري مثل عضو محلية يسير إسبوع وشخص يأخذ سلفة ويبطل وآخرين لم يفوزوا أو لم يعين أبنائهم إيبطلون هذه الحالات تخص العضو في التنظيم ومستواه الفكري ووعيه السياسي أكثر مما تخص الجماهير . كما تعرف أن مدينتي كربلاء والنجف هي مدن دينية ومنذ عقود كبيرة ظهر فيها قادة للحزب الشيوعي مثل الشهيد الخالد سلام عادل والمناضلين عبد الرزاق الصافي وجاسم الحلوائي و


4 - العزيز تقي الوزان
فلاح علي ( 2010 / 6 / 6 - 13:08 )
تحية طيبة
والقائد الشيوعي السابق والشخصية اليسارية الديمقراطية المعروفة الدكتور كاظم حبيب والشهيد سعدون والشهيدة أم لينا والمئات من المناضلين وبعضهم إستشهدوا في كوردستان ومنهم أيضاَ المئات من المناضلين في المدينتين حتى باقر إبراهيم السؤال هو كيف نشأ هؤلاء وأصبحوا قادة في ظروف تسبق أربعة إلى خمسة عقود مع التخلف الاجتماعي ووجود الفقر والجهل والاحتلال والملاحقات ولكن أوجد الحزب الشيوعي تنظيمات وقادة في هذين المدينتين هذه بحاجة إلى دراسة وتسليط الضوء سواء من قبل من هو حي من الاسماء التي ذكرتها أو من اليساريين الآخرين وما هي أسباب الظواهر التي ذكرتها؟ وهل هو خلل في شروط العضوية أم في الاختيار الغير سليم أم في الوضع الفكري والسياسي والتنظيمي هذه بحاجة إلى تشخيص لانه بدون عضو متمكن فكرياَ وسياسياَ وله حضور وفاعلية في النشاطات الجماهيرية والمبادرة والقيادة التنظيمية لا يمكن أن يحصل نهوض أو إستنهاض
أشد على يدك
مع التحيات


5 - الاعزاء في إدارة موقع الحوار المتمدن
فلاح علي ( 2010 / 6 / 6 - 13:38 )
تحية وتقدير
الجزء الثاني من التعليق الذي لم تنشروه كونه حسب ما مثبت لمخالفته قواعد النشر
هو يتضمن حوار بيني وبين الاستاذ تقي الوزان وفيه رؤية قابلة للحوار ولا يوجد فيه شيئ لمخالفته القواعد لانه حوار هادئ وجاد ومسؤول وهو حاجة نضالية لليسار العراقي فأرجوا نشره لانه لا يحمل أي شيئ خارج سياق الحوار المسؤول وأرجوا أن يطلع عليه القارئ
مع التحيات والتمنيات الطيبة

اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال