الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ويسألون لماذا نكرههم

محمد جمول

2010 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ويسألون: لماذا نكرههم
فنقول: لأن الشجرة لا تقفز من مكانها
محمد جمول
هذا السؤال يطرحه الأمريكيون على أنفسهم منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. وبالمقابل، من حقنا أن نسأل أنفسنا: لماذا نحبهم؟ أو لماذا لا نكرههم؟ كي نحبهم كان علينا أن نصدق الرواية الإسرائيلية لما جرى مع أسطول الحرية وما اقترفته إسرائيل من جرائم سابقة، وهي الرواية التي تبناها الأمريكيون بحماس ومنذ اللحظة الأولى على لسان إدارتهم ووسائل إعلامهم. ومن يصدق هذه الرواية كمن يشاهد سيارة تصدم شجرة على جانب الطريق فيصدق السائق لو قال إن الشجرة قفزت من مكانها وصدمت السيارة.
عبر تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل كان علينا دائما أن نصدق أن الشجرة قفزت من مكانها وصدمت السيارة، وأن نتقبل الحماس الأمريكي لحماية إسرائيل المعتدية على التاريخ والأرض والشعوب. وكان علينا أن لا نعترض على استخدام الولايات المتحدة لحق نقض جميع القرارات التي تدين جرائم إسرائيل. وكان علينا أن نحبهم وهم يزودون إسرائيل بكل أدوات القتل الذكية والغبية التي تفتك بنا وتدمر بلداننا. وكان علينا أن نغمض عيوننا ونلغي عقولنا ونحن نرى الولايات المتحدة، ومن دون استثناء تقريبا، داعمة للباطل ومعادية لحقوق الشعوب المظلومة والمضطهَدة.
وكان علينا دائما أن نقبل التشكيك بقدراتنا العقلية، واتهامنا بالقصور والجهل والتخلف لأننا لم نصدق أن الملايين من اللاجئين الفلسطينيين هم الذين اعتدوا على الغزاة الصهاينة الذين جاؤوا من كل بلدان الأرض وهجّروا الشعب الفلسطيني من أرضه مثلما علينا الآن أن نصدق أن المشاركين العزّل في قافلة الحرية هم الذين اعتدوا على الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح والمدعومين بالبوارج الحربية والطائرات الحوّامة، والذين قطعوا عشرات الأميال لينفذوا جريمتهم في المياه الدولية. هذا تماما مثل القول إن الشجرة هي التي قفزت من مكانها وصدمت السيارة.
يبدو أن الشعوب لم تتخلّ عن عقلها وضميرها بعد. ويبدو أنها غير مستعدة لذلك. وهذا بحد ذاته خسارة للصهيونية والإمبريالية الأمريكية التي بدأت تترنح أمام الهزائم العسكرية والاقتصادية نتيجة ضربات الشعوب والفساد الأخلاقي. وهذا ما يجعل الشعوب ترفض رواية الشجرة والسيارة. وهذا ما جعل قافلة الحرية واحدة من المعارك التاريخية التي تعيد توحيد الشعوب من مختلف الأديان والقارات حين وضعت المشاركين من عشرات الدول في مواجهة الوحش الصهيوني المغتصب الذي نشأ وعاش على حساب دم شعوب المنطقة بحماية أمريكية واضحة، واستطاع تقديم أكاذيبه وجرائمه لوقت طويل على أنها حقائق. وتقديم نفسه كضحية.
لقد بدأ العالم يرى الحقائق بعين موضوعية، لا بعين الجلاد الذي أتقن تقديم ذاته كضحية. وهذا يعني أن الحصار صار محاصرا، وأن يد الجلاد، ممثلا بالصهيونية والإمبريالية الأمريكية، بدأت تتراخى ولم تعد قادرة على ضبط خيوط اللعبة بالشكل الذي يخدم إجرامهما. فحين يتدافع الأحرار من مختلف القارات والديانات والأعراق ليجتمعوا على ظهر سفينة واحدة لكسر حصار غزة لن يكون بمقدور الوحش الأمريكي ولا تابعه الصهيوني احتكار رواية الأحداث وتقديمها بالشكل الذي يخدم مصالحه وجرائمه. فهناك المئات من الرواة الذين غادروا السفينة وتوجهوا إلى بلدانهم لينقلوا الحقائق كما حدثت، وليس كما ترويها إسرائيل وتتلقفها أجهزة الإعلام الصهيونية في الولايات المتحدة والغرب.
لقد بدأ الغرب بوجهه الظالم يتراجع أمام وجهه الإنساني الحضاري النيّر الممثل بأنصار حقوق الإنسان والحرية. وبدأت الحكومات الغربية، التي دعمت الغزو الصهيوني وساندته في جرائمه، تشعر أن ثمن استمرار هذا الكذب لم يعد مجديا وأن ثمن دعم إسرائيل بات مكلفا على المستوى الأخلاقي والسياسي والاقتصادي.
لقد بدأت الصحافة الأمريكية تتحدث عن ضرورة التغيير في مسار عمل الحكومات الإسرائيلة لأنها منذ حرب تموز 2006 في لبنان باتت تنتقل من فشل إلى فشل. وكانت صحيفة واشنطن بوست تعرضت بعد الهجوم على قافلة الحرية لسلسلة الإخفاقات الإسرائيلية منذ حرب تموز مرورا بحربها على غزة وتقرير غولدستون، وصولا إلى الهبة العالمية في وجه جريمتها الأخيرة، ورفض شعوب العالم لقصة الشجرة والسيارة التي باتت ممجوجة وسخيفة.
ولذلك بدأنا نسمع القادة الإسرائيليين يوجهون الإدانة للعالم كله ويتهمونه بالنفاق لأنه لم يعد يصدق أن الشجرة تقفز من مكانها لتضرب السيارة. وفي الوقت ذاته بدأت المجموعات الصهيونية في الولايات المتحدة ، مدعومة من لجنة العلاقات العامة "الإيباك" بإعداد لائحة اتهام جديدة ضد أحرار العالم كله عبر توسيع تعريف الإرهاب ومفهومه بالشكل الذي يغطي كل المآرب الإسرائيلية والأمريكية ويخرس كل من يفكر بالاعتراض على"بلطجتهما" وجرائمهما بحق البشرية وقيمها النبيلة. وهكذا بدأوا يتحدثون عن ثلاثة أنواع من الإرهاب، هي الإرهاب الاقتصادي والإرهاب الثقافي والإرهاب الشعبي. وبناء عليه قد تعمل الولايات المتحدة على تبني هذا التعريف في منظمة الأمم المتحدة التي تحولت إلى ملكية خاصة بها. وهذا يعني أن أي شخص يناصر قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية ويقف ضد جريمة مثل الاعتداء على أسطول الحرية، يصبح إرهابيا يمكن قتله أو محاكمته، ليعود العالم مجبرا على تصديق حكاية الشجرة التي قفزت من مكانها وصدمت السيارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز