الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا ديناصورات ولا خائنون

سامر خير احمد

2004 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في الحياة الثقافية- السياسية العربية مظاهر غريبة، يمكن عدها "تشوهات" لأنها تشي بالأجواء غير الصحية السائدة في طريقة التعاطي مع السياسة ومع المشتغلين بها.
أكبر هذه التشوهات إصرار كثيرين ممن يفترض أنهم مثقفين مسيسين على فرز الناس والأفكار إلى مجموعتين لا ثالث لهما، على طريقة "الأبيض والأسود"، إحداهما كلها خير وفضيلة، ينتمي لها هؤلاء المثقفين "النبلاء" بالضرورة(!) وما دونها شر مستطير وفساد وخيانة. المجموعة الأولى هي التي –عند أصحابها- ترفع لواء الوطنية والقومية وتحافظ على "ثوابت" الأمة، فهي في هذه الأيام مثلاً تنبري للدفاع عن استقلال العراق وتجهد في دفع الأذى عن صدام حسين ونظامه (باعتبار صدام رمزاً لثوابت الأمة!)، معتبرة أنها إنما ترمي لعرقلة المشروع الأميركي الطامع في المنطقة.
المجموعة هذه ذاتها تعد كل من يتحفظ على بعض آرائها وعلى كيفية رؤيتها للأمور خائناً أو مشروع خائن، أي عميلاً للمشروع الأميركي، حتى لو كانت ملاحظاته تهدف لاستبصار الوقائع كما هي في حقيقتها لا كما يمكن رؤيتها من زاوية التنطع ولزوم ما لا يلزم وفرضية المؤامرة. والمنتمون لهذه المجموعة متنوعو التوجهات والمشارب، من قومية إلى إسلامية إلى يسارية مزيفة، لكنهم يشتركون في رفع الشعار البائد "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وان لم يعلنوا ذلك على الملأ، فما الاسم الذي يمكن إطلاقه على هذه المجموعة سوى أنها مجموعة "الديناصورات"؟! (والتعبير بالطبع للراحل مؤنس الرزاز في رواية شهيرة).
أما التشوه الآخر، الموازي لوجود الديناصورات، فيتمثل في وجود مجموعة تتخذ من حاجة المجتمعات العربية للديمقراطية والتعددية واحترام الآخر مدخلاً لترويج أفكارها المسمومة في الارتهان للأجنبي والتنازل عن الأوطان وقبول إسرائيل على اعتبار ذلك "رأياً آخر" أو "اجتهاداً"، وكأن مسائل مثل الاستقلال والتحرير والنهضة تقبل الاجتهاد وتنوع الآراء، وهو أمر لم ولن يحصل عند أية أمة على الأرض، خاصة الأمم التي نجحت قبلنا في تكريس قيم الحرية واحترام الآخر والديمقراطية الحقيقية. هذه المجموعة لا يمكن وصف أفرادها إلا بـ"الخائنين".
الرابط بين هاتين المجموعتين/ التشوهين، أن الأولى تصنف كل من يختلف معها في الرأي ضمن مجموعة الخائنين، أما الثانية فتصنف كل من يضع خطوطاً حمراء في قبول الاختلاف والرأي الآخر ضمن مجموعة الديناصورات، وبذلك يضيع جهد المثقفين العرب أما في عمليات تصنيف الناس بين نبلاء وخائنين أو بين رجعيين ومجتهدين، أو في محاولات أصحاب الاجتهادات الحقيقية المخلصة نفي أي من الصفتين عن أنفسهم، فيما القضية الأساسية المتمثلة بسؤال النهضة والتحرر والحرية غائبة أو معطلة.
ما يجب أن تفهمه كل واحدة من هاتين المجموعتين، وهما في الحقيقة أهم أسباب انحطاط الأخلاق في الحياة الثقافية- السياسية العربية، أن مسألة نهضة الأمة وحريتها واستقلالها تستلزم بالضرورة رؤية "الألوان" الموجودة في تفكير المثقفين العرب، أي الخروج من ثنائية "الأبيض والأسود" البغيضة وإدراك التنوع والتعدد والاجتهادات التي لا تفرط في الأوطان. إن ذلك التقسيم الثنائي القسري عطل الأمة سنوات طويلة وجمد حركتها وأعماها عن رؤية واقعها في العالم، بل ودفعها لرؤية الأشياء بالمقلوب، إذ –مثلاً- كيف يمكن تفسير اعتبار نظام صدام حسين الاستبدادي الاستعبادي رمزاً لثوابت الأمة ووسيلة لتعطيل المشروع الأميركي الاستعماري؟!
كي تمضي الأمة إلى نهضتها، يجب دفع الديناصورات العرب إلى الانقراض وكذلك كشف خيانة الخائنين ونبذهم، ويجب علينا أن نفكر ونحلل بمنطق وعقلانية، ضمن قاعدة إخلاصنا لأهداف أمتنا في النهضة، فلا نكون ديناصورات ولا نصير خائنين، وعندها يمكن بناء الديمقراطية الحقيقية في الحياة الثقافية أولاً بما تشمله من احترام للرأي الآخر والتعددية وحرية الاجتهاد.
إن الحالة المثالية التي يتم فيها القضاء على كل من الديناصورات والخائنين ستمكننا من رؤية الشر الكبير الموجود –مثلاً- في كل من المشروع الأميركي الاستعماري وصدام حسين ونظامه، فالاستعمار والاستبداد وجهان لعملة واحدة، كلاهما يسرق حرية الشعب وخيرات البلاد، ولا يجوز الانحياز لأي منهما نكاية بالآخر، فالانحياز لا بد أن يكون لصف إقامة الديمقراطية وتوفير حرية الفرد العربي.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد شهدت عمان خلال الصيف الحالي أكثر من مؤتمر ثقافي سياسي نشطت فيها –بالذات- مجموعة الديناصورات العرب الآتية من عدة بلدان عربية، وقد لوحت تلك المجموعة بعصاها لكل من قال أن ثوابت الأمة ليست ضداً للديمقراطية والتعددية واحترام الآخر، والآخر هنا هو أولاً الآخر العربي المجتهد المفكر، لا الآخر الأميركي الذي ظنت مجموعة الديناصورات (ولأنها ديناصورات لا تفقه الواقع) أن لا آخر سواه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |