الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحواش واحراش وفخاخ - تقديم كمال العيادي

أنوار سرحان

2010 / 6 / 6
الادب والفن



مدخل غير آمن إلى نصوص المبدعة أنوار سرحان:


(تقديم الكاتب كمال العيادي لمجموعة الأفعى والتفاح لأنوار سرحان)

1- أحواش وأحراش...وفخاخ

أ- فخ :

شيءٌ غامض ومربك، سيعتريك بالتأكيد وأنت تتوغّل في هذه الأحواش أو الأحراش السرديّة للكاتبة أنوار سرحان، وفي كلّ الأحوال، فإنه سيكون من المستحيل عليك تقريبا أن تتخلّص من الإحساس بأنّك معنيّ ومورّط وأنت تبلغ الجهة الأخرى من الغلاف, ذلك أنّك مقبلٌ على الدخول في لعبة مثيرة، أدواتها لا تقتصر على رقائق وشراشف الحكاية وإنّما تفوتها لتشحنها بشفرةٍِ خاصّة ملفوفة في حبكة سرديّة فاتنة وماكرة ...وإذ بك واقفٌ في وسط الطريق منذ بدايته. فإمّا أن تقبل شروط اللّعبة في الحكاية, عبر ما سكت عنه فيها أصلا وشرطا, فتسلخ لنفسك ما لا يصرّح به ظاهرها ويضجّ به باطنها. أو أنّك تدخل فيها ببساطة كفاعلٍ مرفوع بالنصب عليه, في مقام مفعولٍ به مكسور بجبر الخاطر لعدم الجدوى منه. كلّ ذلك دون أن تدري... وتصبح ممّن تعنيهم ( وشوشة )...بأنّه لا يليق حرمانهم من حقّ إكمال طبق الحكاية والخروج من المولد ببعض الحمّص والزبيب القصصي على الأقلّ. وهذا أضعف الإيمان في شرع السرد المتين. ذلك السرد الذي لا يتكبّر ولا يكشّر ولا يبخس حقّ القاري الكسول أيضا في النوّم تحت شجرة التفاح الفوّاح والتمتّع بالنسيم العليل وكان يا ما كان...قصر من المرمر وسلطان وصولجان.....وهلمّ جرّا.


2- أحواش واحراش:

أمّا عن وصفها بالأحواش، فلأنّ تأطير المكان فيها، فعلاً، كثيراً ما يضيق حتى لتكاد تحسب أنّ كلّ ما يدور من خطوبٍ وأمور داخله لا يمكن أن تتسرّب خارج سوره فتهتك سرّ جلاسه أو أهله, والحوش أكثر تبذيراً للأسرار مع ذلك, مقارنةً بضيق الغرف والأروقة و كونه لا يعدم توفير إمكانية الفضفضة والتحلّق أو التجمّع ، مع جارة أو قريبة أو حماة أوصديقة...

والحوش من بين أهمّ الأطر المكانية التي تحتضن الحكايا والإخبار في العمق الدلالي للموروث الشفوي في السرد العربي، كونه فضاءً حميميّاً مغلقاً ومفتوحاً في آن...مستوراً ومفضوحاً معاً ...ولكن الفضيحة فيه يمكن إحتمالها كونها تبقى بين وفي حدود جلاسه.
ولكن, أيّ سرّ يبلغ متقبّلاً ثانياً وليس في البوح به إضمارٌ ما منذ البداية لنشره وإعلانه.

ولعلّ في اختيار عبارة الحوش هنا كثيراً من الصّواب في مقاربة قصص هذه المجموعة البكر للكاتبة المبدعة أنوار سرحان، لأنّ الغاية من الوشوشة داخله، هي تهريبها خارج أسواره.
ويكفي للمقابلة، أن نقرأ مثلاً ختامَ القصّة التي جاءت بعنوان "الدخلة والقربان" لتأكيد هذا الإضمار والتوظيف المُذهل لهذا التقابل وهذه الإزدواجية المتكاملة والتعبيرعنها بشكلٍ بديع، حيث توشوش لنا بطلة القصة في نهايتها، أنها راضيةٌ جدّاً بما حصل وسعيدةٌ بقدَرها..ولكنهاّ، ومرّةً واحدةً، تفتح في وجوهنا كتلةً مرعبةً من الضّوء تكاد تشفق على القارئ المستهلك للخبر معها، أن يصابَ بالعمى فلا يمكنه أن يرى بعد ذلك غير ما كان لا بدّ أن يتخطّاه مما هوّ مشدودٌ بمكرٍ إلى فخّ ما تحت دودة معناه.
وإذا النقيض دليلٌ أكثر صدقاً للتبليغ..وإذا السكوت صراخٌ.. والرضى سخطٌ ...
والأغرب الأغرب منّ كلّ هذا وذاك، وتوغلاً في لعبة تبادل الوظائف, فإنّ العكس صحيحٌ أيضا... فالسخط الذي من المفروض أن نستخلصه، كقرّاءٍ أذكياء، يمكن أن يكون مشطا في المبالغة والضلال....وإذا بنا نخرج من الحكاية كما دخلناها,، لا ندري من أيّ بابٍ لعين. وكأننا كنّا كلّ الوقت نعوم في حوض زئبق...وإذا القارئُ الفطن الذكيّ النجيب, يجد نفسه في خيبةٍ ووضعٍ بائسٍ لا يقلّ بؤساً عن وضع من سبق الحديث عنهم في مدخل الفخّ، من أولئك القرّاء الكسالى الطيّبين الذين استفادوا من القصّة، على الأقلّ ببعض السكّر والطحين وجُبر بخاطرهم فأتوا على طبق الحكاية حتى بياضها راضين حامدين شاكرين لله نعمةَ البسط وللكاتبة نبلَ التبسيط...
وحتّى لا تفيضَ البلاغة عن خيط التبليغ...ولا يبدوَ الأمر وكأنّه تضليلٌ وتجديف في العبارة
لنتريث مثلا فقط أمام هذا الفخّ السرديّ الذي يكاد يكون نصّاً معقوفاً كشصّ، يخرج من رحم نصّ مفتوح وممدود مثل قصبة صنّارة:

( لنقرأ... ) :

مرّت الآن سنواتٌ على تلك اللّيلة…

أنا سعيدةٌ جدّا مع زوجي…إنّه أروع بكثير ممّا كنت أتصوّر.

حقيقة أنا سعيدةٌ…سعيدة…سعيدة.

كلّ ما في الأمر…أنّني منذ تلك اللّيلة صرت أحلم كثيرا ً بأرجلٍ مشعّرة تنزف…وتنزف كامل الليل…
ثمّ ما يزعجني حقيقةً حقيقة …
أنّ كلّ أولادي يولدون بعلامةٍ حمراء غريبةٍ تبدو كالجرح الغائر عند طرف الكعب بالذات …في نفس ذلك الموضع الذي كان قربان دم ليلة دخلتي …
هذا فضلا على أنّ أقدامهم جميعا مفلطحةٌ بشكلٍ غريب ….


ووصفها بالأحراش في مواضع أخرى، يبيحه هذا التوجّس وعدم الطمئنينة التي نستشعرها في تحرّك الشخوص في المكان، حتى أنكّ لتكاد تحسّ في كلّ لحظة أنّ عبوةً ستنفجر أو أزيزاً سيمزّق كتلة الصمت وجمجمة قريبة...
ألا يذكرنا ذلك بمن كان يقطع الأحراش مجانباً ما طال من العشب خوفاً من خروج وحش أو انقضاض كاسر أو لدغة زاحفة أو نهشة متسلّقة ؟
ألم تسكن عبارة الأحراش مركب معنى التوجّس والتوترّ والخوف من الخطر سواء في الرّمز أو الدلالة؟
أليس المجهول وعدم الطمأنينة لما سيحدث من مصائب ورزايا وأهوال هو ما يجمع تلك الأحراش البدائيّة بهذه الأحراش المليئة بالبنايات والوجوه والخالية من الطمأنينة والأمن.
هي الأرض ترتدّ لمرابطها الأولى...فإذا مجاهلها واحدة وأحراشها تتعاقب في توريث الوحشة والخطر والتهديد بحلول ما لا يحمد عقباه...وأيّ أرضٍ تراها أجدر من أن تكون وريثة لكلّ شرّ الأحراش والتوحّش أكثر من أرض تتكاثر وتختلط المقابر فيها كلّ يوم فلا تدري بعد غياب كلّ شمس أأنت القاتل فيها أم أنّك كنت المقتول ؟


هذه نصوص بكر ماكرة وشرسة بين يديك...إقرأها بقسوة وشدّة ولا تكن طيّبا في معاشرتها ولا يغرينّك ضعفٌ في أحد شخوصها أو نبلٌ في بعض مواقف شخوص أخرى...خذها بقوّة وغلظة الأعراب، فكلّ قتيلٍ قاتل...وكلّ جرحٍ سكّين وكلّ ثقب رصاصة...

تماماً...كقدر هذه الأرض الوقحة التي مازالت تمجّد التفاح وتتّهم الأفعى...


الكاتب التونسي-

كمال العيادي القيرواني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?