الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 3
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
2010 / 6 / 6
سيرة ذاتية
اليوم التالى ـ من اين أبدأ وكيف؟
حال مغادرتى البيت، فى الصباح الباكر، جلست على دكة صغيرة كانت موجودة على الجانت الأيمن من باب البيت، ويدور فى رأسى سؤال مألوف ولكن المشاعر الذى تُرافقه كانت غير مألوفة. المهمة غير مألوفة: من اين أبدأ وكيف؟
كانت هذه الدكة تُغرينى، فى كثير من الأحيان، بالجلوس عليها رغم قساوة ملمسها وقلة ارتفاعها وصغر مساحتها والتصاقها بسياج دار جارى الوديع "بولص" وتراكم الغبارعليها. كنت أُسميها فى قرارة نفسى"العرش". اكتفيت بهذا العرش عن قناعة. ولكن ما قوة جذب هذه الدكة ياتُرى؟ هل لكونها تُعطى الفرصة للجالس عليها أن يُراقب الناس وهم يتحركون، من الصباح الباكر الى وقت متأخر من الليل، بتنوعات مشاربهم وملابسهم ووسائط نقلهم، من رينو11، كناية بالراجل الفقير، الى العربة التى تجُرها دابة تركضُ تحت تأثير السوط المُسلط عليها والأيعازات المرافقة لكل ضربة لتزيد الألم أضعافا مضاعفة( تعذيب بدنى ونفسى متزامن)، وهى تضرب الأرض بحوافرها بقوة رهيبة ، الأرض التى لم تنجو، بدورها، من الظُلم على يد هذا الظالم المتغطرس، لربما تريد أن تُعبر عن استيائها لصاحبها أو لتجلب انتباه المظلومين الأخرين للظلم الذى تتعرض له، أو تريد ارسال رسالة استنكار الى السماء: يا ربى ورب هذا الظالم، لماذا منحت السوط والصوت الى هذا المخلوق العجيب، وصنعت قلبه من حجر الجلمود! أو دراجة هوائية قديمة تصدر منها أصوات متكررة ، لتأكل مفاصلها، يسوقهاعسكرى جاهدا أن لا يتأخر عن دوامه ويتعرض الى العقوبة. وتمر، أحيانا، سيارات فخمة بزجاجها المظلل تُلاحقها عدد من سيارات(بيكب) محشوة برجال كحشو الطلقات فى مخازن أسلحتهم الجاهزة للأطلاق، يطير من وجوههم الغضب، مصوبين فوهات بنادقهم وأيديهم على الزناد باتجاه المارة، العُزل، ومثل هذه المواكب تنطلق بسرعة جنونية، دون أدنى احترام لقواعد المرور أوللشرطى الواقف وسط التقاطع، انهم يظللون حتى شبابيك سياراتهم! أوشاحنات تنوء من ثقل حمولتها ولا ترحم بهذا الشارع الذى يئن تحت ثقل اطاراتها وجشع مالكها ، جرارات بشكلها النشاز وضجيجها العالى، اطارين رفيعين وصغيرين فى الأمام تقابلها اطارين عملاقين فى الخلف ، وهى تجرعربات لنقل المواد على مدار الساعة. الجميع مسىرعون وفى حالة حركة دؤوبة كل باتجاه ونحو هدف. عندما يجلس المرء على هذا "العرش" يستطيع مشاهدة نصف دائرة كاملة من خط الأفق، ببهائه و روعته، حيث الأرض والسماء تتعانقان ببراءة، بعيدا عن التلوث البصري، لأن عدد الذين يتسابقون لمناطحة السماء، بشراسة، فى هذه المدينه اليتيمة عددهم أقل من حدد الأصابع لحسن الحظ، ولكنهم كالخلايا السرطانية فى جسم لم تفقد مناعته بعد.
لربما يتمكن، الجالس على "العرش"، من مراقبة الشمس لحظة شروقها من اليمين الى غروبها على اليسار، معلوما ت حية، من واقع الحياة اليومية، دون رتوش، تساعد على التخيل والتأمل وتُثرى الذاكرة، كل ذلك مقابل القبول بجلوس غير مريح ولكن ممتع!! بالأضافة الى كل ذلك كانت، هذه الدكة، تؤدى دور الحد الفاصل، بالنسبة لى، بين عالمين مختلفين. عندها كانت تنتهى حياة وتبدأ أخرى، كل يوم وعلى مدار السنة. كنت مصمما، أن لاتختلطا أو تتداخلا بأى شكل من الأشكال. تحكم احداها الصميمية والتألف المبنى على الحب والحنان و وشائج رائعة مصنوعة خيوطها الحريرية من الوفاء والصدق، والتأزر. اما الأخرى صراع دائم، حرب ضروس بكل معنى الكلمة، لا تُواجه الا الخصوم المدججون بأفتك أنواع الأسلحة غير المرئية، وأقنعة تُغطى الوجوه. صراع ليس له قواعد أو أصول، لا بداية له ولا نهاية. صراع محتدم منذ العهود الغابرة، منذ أن تمرض هذا المخلوق العجول وابتلى بمرضه العضال: حصتى(حقى) كلُ شئ، وللأخرين لا شئ .شركاء مشبعون بروح السرقة من رأسمالهم المشترك، الجميع، ممن دخلوا هذا الصراع المقزز للنفس، يُريد، كل واحد بطريقته وبقوة ذكائه، أن يسرُق ويهُرب ليختفى أمام الأنظار، ان كان ضعيفا وذليلا. وان تمكن تجبر وتعظم وتفاخر (بأمجاده) لكى يُشار اليه بالبنان ويُنصب له التماثيل ويُخلد الى أبد الأبدين أما ضحاياه الى جهنم و أسفل السافلين.
فى الطريق الى مصيف صلاح الدين، كانت تراودنى خواطروأسئلة كثيرة عجيبة و(سخيفة) فى أن واحد مثل: ما دور هذا الخزان الحديدى العملاق، القبيح الشكل بلونه الخاكى المثير للكأبة، ولم يصعد اليه الماء الا مرة واحدة كما يقولون ؟ لماذا تطرح الناس، بدون خجل، مجارى مياههم الثقيلة ومخلفاتهم الى الشارع بدون أبسط معالجة؟ الملة التى لا تستطيع أن تُعالج مخلفاتها، وتقدس البيئة التى تُمونها بمقومات حياتها هل لها مكان لائق فى المستقبل؟ لماذا هذا الأسلوب العشوائى ،الفاقد لأبسط مسلمات الجمال المعمارى، فى السكن؟ عند المرور أمام بناء مبنى بكامله من الطابوق المنتج من المعمل الذى قضيت فيه أياما وليالى، فى ظروف خطرة، الى أن وصلت الى منتوج يجعلنى أسأل، بنوع من التحدى وبصوت مسموع: هل يوجد أجمل وأطهر وأمتن من الطابوق الأصفر، المصنوع من التربة التى ترعرعتُ عليها ومن الأرض التى أنتمى اليها، عندما ترُصفه أياد بنائيين مهرة مخلصون يقدرون قيمة هذا الذى بين أيديهم ؟ هل استطاع أحدا ما، فى عموم العراق، ان يصنع طابوقا كما صنعته أنا من مزيج، مُفرغ من الهواء تماما، من تراب قرية قتوى(85%) ورمل برزوار(3%) والغرين (12%) يُحرق فى فرن تصل درجة حرارته الى 1050 درجة مئوية من نوع هوفمان، بهذه المتانة والجمال، بلونه الذهبى وبقوة تحمله 480 كيلوغرام /سنتمتر مربع ؟ ولن يستطيعوا، بالتأكيد، لأنهم لا يعشقون هذه الأرض بجنون كما أعشق. هل يوجد أبهى وأكثر شعورا بالأعتزاز من شعور الأنتماء الى صنف المنتجين الحقيقين المبدعين، خصوصا اذا كان المُنتج يحمل خاصيتى الجمال والمنفعة بالأضافة الى السعر الزهيد لدرجة تصبر الزبائن سنوات، بمحض ارادتهم، الى أن يصلهم الدور بعدالة !! الذكريات وألأفكار والأسئلة لا تنقطع وأنا أسوق سيارة الدائرة ( من نوع لادا ) ببطء شديد، كما يفعل المحكوم بالأعدام ، الذى لا يهابه الموت والمصير، وأيديه مكبلة أثناء اقتياده من زنزانته الى المقصلة المنصوبة دائما، لكنه يريد أن يكون الدقائق الأخيرة طويلة، ليستمتع بالشريط السينمائى الذى يمر أمام عينيه، المستنبط مشاهده و أحداثه بدقة وكثافة مما رأه بأم عينيه وما قام به من أدوار ومافعل خلال تواجده العابر على هذه الأرض.
لما ذا بنوا معمل للسيكاير فى هذا المكان؟ لماذا كل هذه المساحة لمشروع دواجن فاشل؟ لماذا كل هذه الأراضى جرداء؟ ألم يكن أجدى، اقتصاديا ومن الناحية الأيكولوجية التىركيز على تربية الماشية والتنمية الريفية ؟ هل يوجد لحن أعذب وأصدق تعبيرا عن المشاعر من ما يعزفه راعى غنم قنوع، لم يتلوث عقله ولاوجدانه بامراض العصر، على (ناي)ه؟ هل بالأمكان عكس اتجاه قانون الجذب والطرد السائد المتحكم بحركة السكان ضمن جغرافية محددة بخلق ريف جاذب للناس، فيها الحياة بكل معانيها، ومدينة طاردة لهم ؟ من يفكر بذلك؟ من يهمه ذلك؟ لماذا جعلوا من مدينةأربيل مركزا للحكم الذاتى يا تُرى؟ لماذا نقلواجامعة السليمانية اليها؟ هل الجامعة وحدة عسكرية تُنقل بأوامرمن قادتها؟ لماذا سموها صلاح الدين وليست مظفر الدين؟
كلما كنت أتأمل، باعجاب وتقدير، فى خصائص وسلوكيات الأربليين من سكنة هذه المدينة، الهرمة، جيلا بعد جيل، الضائعين بين المهاجرين القدماء منذ جيلين أوثلاثة، من أمثالنا ممن نُعرف أنفسنا بسكنة أربيل وغيرنا ممن يعتبرون أنفسهم من أشراف الأربليين، المهاجرون من القرى القريبة أو البعيدة منها تحديا أوهربا من واقع كان يتحكمها علاقات مشينة و مهينة و مهدرة للكرامه الأنسانية فى اقطاعيات كان المالك يفرض فرماناته وقوانينه الجائرة، بسطوته، كما يشاء. وكتل من المهاجرين الجد د من مدن وقصبات بعيدة عنها هجرت نتيجة ما خلقتها الظروف الطاردة لهم بسبب تزاوج عنجهية السلطات المتعاقبة وتعنت و غباء، لربما لئامة، السياسيين واحزابهم وعدم تقديرهم لنتائج أعمالهم من ردود للأفعال التى أضافت الويلات الكثيرة الى ما كانت موجودة أصلا.
ان ما كنت ُأميزه من صفات الأربليين، الفعليين، من بساطة وقناعة وتواضع وهدوء وحب الخير واحترام الجار وكره الظلم واحترام العلماء ، والأبتعاد عن الشر بالدفع بالتى هى أحسن وأقارنها بما سمعتها، شخصيا، من المؤرخ زبير بلال عن السلطان مظفر الدين الكوكبرى، ومأثره وطريقة حكمه ، كان تفهمى للمثل القائل( الناس على دين ملوكهم) تتعمق. لم يصب الغرور هذا الملك، المنسى، الذى لم يخرج من معركة، ضد الغزاة، الا مرفوع الرأس بل زادته تواضعا وقربا للناس والتواجد بينهم ، وتعمق ولعه بالخير والمعرفة ولم ينسى الفقراء وهمومهم واهتم بأحوال شعبه بدون تمييز أوتفرقة ولم ينسى أحوال الزائر الغريب واليتيم والأرملة و حتى الرضيع اللقيط وكيفية تأمين الحليب الدافئ من صدر حنون والمكان الملائم لتربيته لم يغب عن همومه، لهذا لا يرى الأنسان أثارا لقصوره أو يكتشف مخبئا لمجوهراته ، حسب اجتهادى المتواضع، رغم قدرة المعمار فى زمانه والمنارة المظفرية شاهدة على ذلك بالأضافةالى صومعته الصغيرة المتواضعة التى كان يقابل فيها ، كما يقولون، رعاياه من القادمين من خارج مدينة أربيل من دون الحاجة بالصعود الى القلعة، والمرور أمام صف متراص من الحراس، ليواجهوا ملكا جلس على العرش ليحميهم ويخدُمهم. كنت أقارن بين سلوك واهتماما ت ومأثر هذا الملك الذى مات قبل سبعة قرون ومنحى تفكيره وتصرفات هذا الحجى لكونه خال السيد الرئيس. وهو قادم من بغداد و (المتربع) مع حمايته وخدمه وحشمه فى مصيف صلاح الدين، هذا المصيف الذى يقصُده العراقيون ومن الدول المجاورة فى الصيف، كما يقصُد المؤمنون قبلتهم فى موسم الحج. أنا فى الطريق اليه لأيجاد طريقة، أربيلية ان استطعت، لابعاد شره عنه ولكى لا يصبح المصيف ضحية من ضحايا الفوضى العارمة، العدو اللدود للمدنية، حيث تنطلق الأنانية الدفينة من عقالها من جانب، ودرء ما يسبب فى اشعال غضب ابن اخته وصب جام غضبه علينا، هنا مكمن الخطر الأعظم من جانب أخر.
سألت نفسى سؤالا فيه الكثير من الخيال والجرأة : ما ذا افعل لو خيرنى ابن أخت هذا الزائر الثقيل لتخفيف الضغط على مدينة أربيل لأنقاذ ما تبقى من ملامحها ومن هذا السيل العارم الذى لا ينقطع من المسؤلين الغرباء المتعطشين للمناصب والمهاجرين المتلهفين للتملك والمهجرين والمرحلين المملوءة قلوبهم حسرة وغضبا؟ كيف أنقذ ما تبقى من خصوصية هذه المدينة المسالمة من جميع الجوانب، وأحميها من كل ما تُفقد هذه المدينة، اليتيمة، خصوصياتها التى تتفرد بها من بين جميع المدن التأريخية الموجودة على وجه البسيطة وتُمحي ما بقيت من ذاكرتها ؟ بالأضافة الى القدرة الأستيعا بية المحدودة لسهل أربيل اذا ما اخذنا التوازن البيئى، بنظرالاعتبار. وموقعها المنخفظ التى تجعلها تحت تهديد الفيضانات والسيول.
أن انشاء مدينة جديدة ، وجعلها مركزا للحكم الذاتى، على جانبى الزاب الأعلى حيث الطرف البادينى يتقابل مع الطرف السورانى فكرة كبيرة راودتنى كثيرا. وان انشاء سد بيخمة العملاق، تُعطى لنا الفرصة والشروط الموضوعية لأنشاء أحدث، مدينة فى العالم، بكل معانى الحداثة، واجملها، حيث يُمكننا التحكم بمناسيب النهر، على مدار السنة، اثناء مرورها فى المدينة الخيالية الجديدة و المحطة الكهرومائية التى ترافق السد تُعطى للمدينة كامل حاجتها للطاقة النظيفة وتزيد. ان تجاور أقدم مدينة بعمرها و بتأريخها (موجود) مع أحدثها وأجملها فى قوة أفكار مصمميها من المهندسين ودقة بنائها( مستقر فى عالم الخيال) من قبل البنائيين(المفترضين) والجلسة المهيبة للمرصد الفلكى على جبل كورك( تحت التنفيذ)، وما سيكتشفه العلماء من خلاله من أسرار الكون، بالأضافة الى المصيف(تحت التهديد) الذى يشبه صدر عار لأمرأة فى غاية الجمال والروعة تُزينه نهدان رائعان تبرزان وتعلوان لأغراء واغواء السماء لتبادلها الحب والغرام فى منطقة جغرافية واحدة سيكون من المعالم الفريدة والنادرة فى العالم .و و و.....وانا فى معمعة هذه الأفكار الخيالية والأحلام أفاقنى من حلمى مشهد بناء منفرد مبنى على تلة عالية تقع على الجانب الأيسرمن مسارى. تذكرت ما قاله لى صاحبه، قبل عدة أشهر، كلاما مهينا ليس لى وحدى وانما لكل الموظفين العموميين فى العراق أمام حشد من تابعيه وهم واقفون خلفه، وثلاثة مهندسين، مراجعين،وهم جالسون . كانت الأهانة عامة وشاملة مستثنيا شخصين فقط، وهما السيد الرئيس وعدنان خيرالله، شاهرا بوجهى سيفا، وأنا فى مكتبى وأثناء الدوام الرسمى، من النوع الذى يُستعمل فى سباقات المبارزة....وهو من الذين يتفاخرون بصداقتهم لخال السيد الرئيس. وكان الموضوع متعلقا بمصيف صلاح الدين أيضا. ولكن قوة الكلمة الجريئه والمنطق القوى المبنى على الصدق أفقد السيف رهبته ويُعاد خجلانا ومُهانا الى غمده بأيد مُرتعشة، وبعدها يجلس حامل السيف على أقرب كرسى له قبل أن يسمع : تفضل بالجلوس يا (شيخ) يا أهلا وسهلا، لقد أنورتنا و شرفتنا بزيارتك.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. السودان الآن| محطات في عام مر من حرب السودان المنسية
.. مازن الناطور: الشعب السوري نجح في كسر حاجز الخوف
.. لمواجهة تهديد أنصار الله باليمن.. إسرائيل توقع صفقة بالمليار
.. استمرار الغارات الإسرائيلية على منطقة تل الزعتر بشمال قطاع غ
.. دعوات أممية لصون أدلة الجرائم المرتكبة في عهد نظام المخلوع ب