الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تقرير كولد ستون إلى التحقيق في جريمة أسطول الحريةهل هي بداية نهاية أسطورة الاستثناء الإسرائيلي ؟

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش الكيان الصهيوني؛ خلال هذه المرحلة الحرجة من مسيرته الاستعمارية؛ يعيش على وقع صدمات متوالية؛ و هذه المرة من العيار الثقيل. فقد صدر تقرير كولد ستون بداية؛ يحمل إدانة واضحة للكيان الصهيوني؛ و يحمله مسؤولية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ التي مارسها على المدنيين العزل في قطاع غزة .
و رغم أن هذا التقرير اصطدم - كما هي العادة دائما – بالحصار الأمريكي-الأوربي المفروض على كل التقارير الدولية؛ التي تندد بالجرائم الصهيونية؛ فإنه أدى وظيفته و بنسبة أكبر من المتوقع؛ حيث تم فضح وجه إسرائيل الإرهابي القبيح أمام الرأي العالم الدولي . و تم تحطيم أسطورة الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط . لقد أكد التقرير بالملموس؛ المسؤولية القانونية و الأخلاقية التي يتحملها الكيان الصهيوني؛ في حربه ضد المدنيين العزل .
و نحن حينما نؤكد أن التقرير أدى وظيفته؛ رغم فشل المنتظم الدولي في قيادة مجرمي الحرب الصهاينة إلى المحاكم الدولية – و هذه مسؤولية تاريخية تفقد القانون الدولي مشروعيته- نحن حينما نؤكد هذا النجاح؛ فإننا نركز على الأثر الفعال الذي خلفه هذا التقرير على الرأي العام الدولي؛ لأن الصراع مع إسرائيل خلال هذه المرحلة؛ يجب أن ينصب بالدرجة الأولى؛ على كسب أكبر نسبة من هذا الرأي العام عبر العالم.
و ذلك لأن إسرائيل نفسها أسست لمشروعيتها السياسية المزورة؛ من خلال كسب الرأي العام الدولي؛ عبر لوبياتها الإعلامية؛ التي سوقت طوال مراحل الصراع لرسائل إعلامية مزورة. و يكمن نجاح تقرير كولد ستون؛ في كشف التزوير السياسي و الإعلامي؛ الذي مارسنه إسرائيل على الرأي العام الدولي؛ حينما سوقت للأكاذيب و المغالطات.
كما يكمن نجاح تقرير كولد ستون في قلب الصورة السائدة لدى الرأي العام الدولي عن إسرائيل؛ باعتبارها امتدادا للمحور الأمريكي-الأوربي؛ و باعتبارها نموذجا للديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط.
لقد بين التقرير أن إسرائيل مارست حربيا بشعة و غير متوازنة على مدنيين عزل؛ و قتلت الأطفال و الشيوخ و النساء؛ و خربت الخدمات العمومية؛ و فرضت بعد هذا كله حصارا شاملا؛ على أكثر من مليون و نصف إنسان؛ حرمتهم من الغذاء و الماء و الكهرباء و الاستشفاء. و هذه أسوا صورة يرسمها تقرير دولي لإسرائيل؛ بحيث يمكن اعتبار هذا التقرير؛ البداية الحقيقية لأزمة الأسس؛ التي ستدخل فيها إسرائيل؛ و التي تهدد مشروعها الاستعماري في العمق.
لقد صدر تقرير كولد ستون –إذن- و كشف المستور عن الإرهاب الصهيوني؛ لكن قادة الإجرام الصهاينة؛ لم يأخذوا نتائج هذا التقرير بعين الاعتبار؛ و ذلك من منظور عسكري ضيق؛ يؤمن بشكل دوغمائي أن القوة العسكرية؛ يمكنها أن تحسم كل شيء في أقل وقت و بأقل مجهود . و من هذا المنظور كرر الصهاينة نفس جرائمهم السابقة و بشكل أكثر بشاعة.
و إذا كانت الجرائم الصهيونية في غزة قد استهدفت الفلسطينيين في الداخل؛ تحت ذريعة محاربة الإرهاب؛ فإن نفس هذه الجرائم في طبعتها الثانية؛ استهدفت القيم الإنسانية التي يدافع عنها القانون الدولي و يحميها, لقد تم اقتراف جرائم نكراء في حق مدنيين عزل من هيئات الإغاثة الدولية و في المياه الدولية؛ في خرق سافر للقانون الدولي. و هذا ما يجعل المسؤولية الجنائية واضحة ؛ إنها قرصنة بحرية في واضحة النهار؛ و في تحد سافر لكل القوانين و الشرائع .
و إذا كان القاضي كولد ستون قد ركز على طرفي النزاع؛ في تقريره حول الجرائم الإسرائيلية؛ إرضاء لحماة الطفل الأمريكي-الأوربي المدلل –رغم انعدام التكافؤ- فأي طرف آخر يمكن أن يضاف الآن ؟
هل يمكن مثلا أن نعتبر هؤلاء المدنيين العزل طرفا أساسيا في هذا الهجوم؛ و بالتالي ننتظر تقريرا جديدا يحمل المسؤولية للطرفين معا؛ و يدعو لإجراء تحقيق في الهجوم؛ الذي شنه أفراد هيئات الإغاثة بالأسلحة البيضاء على الطائرات و الزوارق الإسرائيلية ؟ !
إن ذريعة الدفاع عن النفس و محاربة الإرهاب؛ التي يتخذها الكيان الصهيوني لقتل و تشريد المدنيين العزل؛ هي الآن غير مستساغة؛ حتى من المنظور الصهيوني نفسه؛ لأن إسرائيليي الداخل أنفسهم أصبحوا يشككون في هذه الرواية الكاذبة؛ فما بالك بالرأي العام الدولي؛ الذي يتابع على الشاشات بالمباشر؛ الإجرام الذي ارتكبه جيش الاحتلال !! فكيف يستقيم منطقيا اتهام مواطني 42 دولة؛ من جميع قارات العالم بالإرهاب؟! إذن العالم كله يمارس الإرهاب على إسرائيل ! و من المنظور البوشي؛ فإن من ليس مع إسرائيل فهو ضدها ! و هكذا يصبح كولد ستون اليهودي نفسه إرهابيا من منظور القاموس السياسي الإسرائيلي؛ و حتى مجلس الأمن و مجلس حقوق الإنسان؛ بقرارهما الأخير يعلنان هجوما إرهابيا على إسرائيل ؟!!!
إن ما تمارسه إسرائيل في الحقيقة هو الإرهاب بجميع مظاهره؛ فقادة الكيان الصهيوني يسعون إلى اختطاف كل العالم رهينة لديهم؛ لتحقيق مصالحهم بجميع الوسائل اللامشروعة؛ سواء من المنظور القانوني أو الدبلوماسي حتى .
لكن إسرائيل بسياستها النتنة هذه تحقق نتائج عكسية في الحقيقة؛ فقد أصبح واضحا الآن لدى المنتظم الدولي؛ و أكثر من أي وقت مضى؛ أن إسرائيل تشكل خطرا على السلم الدولي؛ لأن عقيدتها العسكرية لا تختلف في شيء؛ عن العقائد العسكرية الاستعمارية من النابليونية؛ إلى الهتلرية و الفاشية ... و الآن الصهيونية . و هي عقائد عسكرية خطيرة؛ هددت العالم طوال قرنين من الزمن؛ و ساهمت في اندلاع حربين عالميتين مدمرتين؛ كما ساهمت في اندلاع صراع قطبي خطير؛ أدت ضريبته غاليا جميع شعوب العالم .
و هذا الخطر الداهم الذي ظن العالم أنه انتهى مع نهاية الحرب الباردة؛ يعود ليطل برأسه من جديد؛ مهددا بتفجير حروب و أزمات دولية لا متناهية . فإسرائيل بترسانتها النووية الغير خاضعة للمراقبة الدولية تهدد منطقة الشرق الأوسط بأكملها بالتفجير في أية لحظة؛ مثلما كان يهدد هتلر بتفجير أوربا ,
إن إسرائيل مستعدة لإعلان حرب نووية على إيران –بضوء أخضر أمريكي طبعا – و هي تهاجم سفينة يرفرف فوقها العلم الترك؛ و في المياه الدولية؛ و هي مستعدة في أية لحظة لاختراق الحدود اللبنانية – السورية .
إن إسرائيل بعقيدتها العسكرية هذه تقود حربا عالمية من نوع جديد؛ ز هذه المرة بالوكالة عن القوى الاستعمارية الداعمة لها؛ و خصوصا الولايات المتحدة؛ التي تعتبر إسرائيل الساحة الخلفية لقيادة حرب بالوكالة؛ على القوى التي تعتبرها مهددة للمصالح الأمريكية عبر العالم .
إن هذه الحقائق الواضحة؛ هي التي مارس عليها حلفاء الكيان الصهيوني تعتيما؛ سياسيا و إعلاميا خطيرا طوال مراحل الصراع؛ لكنها الآن أصبحت تفرض نفسها بقوة؛ ووصل الصدى إلى كل أحرار العالم؛ الذين توحدوا و أدانوا بصوت واحد كل ما يقترفه الكيان الصهيوني؛ من جرائم في حق المدنيين العزل؛ في انتهاك غير مسبوق لأبسط بنود القانون المنظم للعلاقات بين الدول.
و لعل هذا الوعي الذي جاء متأخرا -طبعا- هو الذي تحكم في إصدار وثيقتين؛ هما في غاية الأهمية؛ من مؤسستين دوليتين؛ و في ظرف يومين فقط. فقد صدرت الوثيقة الأولى عن رئاسة مجلس الأمن؛ و في اليوم التالي مباشرة؛ صدر قرار مجلس حقوق الإنسان.
و لعل المتتبع للأحداث الجارية؛ ليعرف جيدا قيمة الوثيقتين؛ فقد كسرتا الهيمنة الأمريكية-الأوربية؛ لأول مرة في تاريخ الاحتلال الصهيوني؛ حيث كان الفيتو الأمريكي بالمرصاد لجميع القرارات الصادرة عن الهيئات الدولية.
و لعل نظرة خاطفة للوحة التصويت في مجلس حقوق الإنسان؛ لتبين بالملموس أهمية هذا القرار الصادر؛ فقد انهمر سيل جارف من جميع القوى الدولية الحرة؛ منددا بالجرائم الصهيونية؛ و داعما للقرار الأممي لفتح تحقيق مستقل .
و هذا مؤشر واضح على المسار الجديد؛ الذي سيتخذه التحقيق في الجرائم الصهيونية؛ إنه بالتأكيد لن يكون مثل التقرير السابق –رغم قيمته الكبيرة- إنه سيبني على هذا التقرير؛ لأن الفعل الإجرامي كبير الخطورة هذه المرة؛ لأن إسرائيل أعلنت حربا إرهابية على العالم؛ و ليس على الفلسطينيين فقط .
و لعل هذا هو ما وعته القوى الداعمة للكيان الصهيوني؛ و خصوصا الولايات المتحدة؛ التي سارعت إلى تحوير مسار التحقيق؛ عبر التركيز على تحقيق داخلي تقوم به إسرائيل (المجرم يجري تحقيقا في جرائمه !!) لكن و بما أن هذا التوجه لا يستجيب لأبسط مقومات المنطق السليم؛ فإن التركيز انتقل لإشراك محققين إسرائيليين في لجنة التحقيق؛ لكن التوجه المنطقي؛ التي تدعمه الدول الحرة هو تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة؛ و ليست لها أية ارتباطات بإسرائيل .
و ما دام الفعل الجنائي ثابتا في حق قادة الإجرام الصهيوني؛ و من منظور قانوني صرف؛ فإن المعركة ستكون طاحنة؛ لأن إسرائيل هذه المرة لن تواجه الفلسطيين و العرب وحدهم؛ و لكنها ستواجه جميع الدول التي شارك مواطنوها في قافلة الحرية؛ و التي تصل إلى أكثر من أربعين دولة؛ تقودها تركيا التي استهدفت بشكل رئيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة