الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة نيس -الفرنكوإفريقية- : الثابت والمتحول في علاقات فرنسا وإفريقيا

ياسين تملالي

2010 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


هل بدأ مأتمُ ما يسميه الفرنسيون "فرنسيقيا" (Françafrique)، أي مجموعَ الروابط غير الرسمية (وغير القانونية) بين فرنسا وبعض البلدان الإفريقية من اتفاقيات عسكرية سرية وتفاهمات اقتصادية غير معلنة ؟ هذا ما أرادَ نيكولا ساركوزي أن يقنعَنا به وهو يصفُ القمة الفرنسية-الإفريقية الخامسة والعشرين التي انعقدت مؤخرا في نيس (31 مايو - 1 يونيو) بأنها "مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الفرنكوإفريقية".
وقد حاول ساركوزي أن يجعل من طريقة جريان أشغال القمة ذاتها رمزا لهذه "القطيعة"، فألغى ما كان يسمى "عشاءَ الأصدقاء"، الذي كان يدعى إليه قادةُ دول إفريقيا السوداء الخاضعة سابقا للسيطرة الفرنسية، واستعاض عنه بـ "اجتماع عائلي" معهم في 13 و14 يوليو، في ذكرى بداية تحرر بلدانهم من الاستعمار. أضف إلى ذلك أن لا أحدَ من هؤلاء القادة حظيَ بشرف لقائه على انفراد، فاقتصرت مباحثاتُه الثنائية على رئيسين "غير فرنكفونيين" : الجنوب-إفريقي، جاكوب زوما، والنيجيري، غود لوك جوناتان.
وفضلا عن أنها مكنت الرئيسَ الفرنسي من الظهور برفقة رئيسين منتخبين ديمقراطيا لا مع ثلة من الطغاة والانقلابيين فحسب، رمزت هذه التحويراتُ البروتوكوليةُ إلى رغبة فرنسا في إخراج "سياستها الإفريقية" من دائرة مستعمراتها القديمة واكتساب "أصدقاءَ" أفارقة جدد في مناخ يميزه احتدامُ المنافسة داخل القارة بينها وبين وأمريكا وقوى اقتصادية صاعدة كالهند والبرازيل والصين.
وإذا كان التغلغلُ الأمريكي (الحضور العسكري المتزايد في دول ساحل الصحراء) والهندي والبرازيلي في إفريقيا جلياً، فإن التغلغلَ الصيني هو الخطر الرئيسي المحدق بمصالح فرنسا فيها. ليست هذه القارةُ بعد "مستعمرة صينية" (حصةُ الصين من صادراتها ووارداتها لا تتعدى 10 بالمائة، مقابل 40 بالمائة و38،5 بالمائة، على التوالي، للاتحاد الأوروبي)، لكن "التهديدَ الصيني" ليس وهماً من أوهام وسائل الإعلام الفرنسية، والأرقامُ شاهدة على ذلك.
مقابلَ انخفاض مبادلات فرنسا التجارية مع إفريقيا من 40 بالمائة من مجموع مبادلاتها في الستينيات إلى 2 بالمائة حاليا، تضاعفت مبادلاتُ الصين معها 20 مرة منذ 1997، و10 بالمائة من استثماراتها الخارجية اليوم موجهةٌ إلى إفريقيا، بالإضافة إلى 50 بالمائة من ميزانيتها المخصصة لـ"دعم التنمية في العالم" وقد عبر المديرُ العام للشركة البترولية الفرنسية توتال، كريستوف دي مارجوري، بوضوح كبير عن مخاوف أوروبا من توسع النفوذ الصيني في القارة عندما قال لوكالة الأنباء الفرنسية في مطلع يونيو الجاري : "لا يجب أن تكون مساعدة الأفارقة حكرا على الصينيين".
ولا يعني وجودُ "تهديد صيني" لمصالح فرنسا في إفريقيا أن شركاتها العملاقةَ (النووية أريفا في النيجر والنفطية توتال في الكونغو، إلخ) في طور فقدان مواقعها فيها. لكن لا شيءَ في السياسة أبديٌ، بدليل أن صديقَ باريس الحميم، عمر بونغو، لم يحجم في مايو 2008 عن إيلاء مشروع استغلال منجم حديد مهم إلى مجموعة صينية، ما كان له وقع الصدمة على السلطات الفرنسية.
مثلُ هذه المفاجآت تدفعُ الرأسمالية الفرنسية إلى السعي لا إلى حماية مكتسباتها فقط بل كذلك إلى غزو أسواق إفريقية جديدة. ويزيد من وجاهة هكذا خيار أن "الخصم الصيني" يركز في إفريقيا على دول كبيرة غنية بالثروات الطبيعية، لا تخضع بعدُ للنفوذ الاقتصادي الفرنسي كجنوب إفريقيا وأنغولا ونيجيريا والسودان ومصر والجزائر التي تستحوذ لوحدها على ثلثي المبادلات الصينية-الإفريقية.
وإذا كانت بعض التغييرات في علاقات فرنسا بإفريقيا حقيقيةً، ففي هذه العلاقات أشياءُ كثيرةٌ، عدا طبعا الإكليشيهات المألوفة عن "جمال إفريقيا" (رئيسة جمعية رجال الأعمال الفرنسيين لورانس باريزو في ختام اجتماع نيس)، لم تطلها بعدُ يدُ التغيير. ما لم يتغير مثلا هو أبويةُ الإليزيه في تعامله مع "أصدقائه" الأفارقة. رمزُ هذه الأبوية الرئيسي، بطبيعة الحال، هو فكرة هذه القمم ذاتها، التي تعادل بين دولة واحدة و قارة بأكملها، لكن لها تجليات عديدةً أخرى.
رغم "القطيعة" التي تكلم عنها ساركوزي لا تزال فرنسا تُعدُ قائمة المشاركين في القمم الفرنسية الإفريقية دون مشاورة أحد (غياب السودان في نيس لعدم رضى الإليزيه عن نظامه لأسباب لا علاقة لها بتسلطيته فالرئيس المصري لقي من الحفاوة الكثير). كذلك، لا يزالُ الرئيس الفرنسي يتكلم باسم الأفارقة حتى في حضورهم : ألم يقل ناطقا باسمهم (وما أكثرهم) خلال الندوة الصحفية التي ختمت أشغال القمة الخامسة والعشرين إن "إفريقيا سعيدةٌ بأن ترى بلدا أوروبيا كبيرا يقف إلى جنبها في سعيها إلى اكتساب مكان لها في إدارة شؤون عالمنا" (تلميح إلى المقترح الفرنسي بتمثيل أكبر للقارة في مجلس الأمن)؟
ما لم يتغير أيضا هو لامبالاةُ فرنسا بشرعية الأنظمة "الصديقة".قد يقال إن دعوةَ رئيسي الطغمتين الحاكمتين في غينيا والنيجر، سيكوبا كوناتي وسالو دجيبو، إلى نيس كانت لمجازاتهما على استعداهما للتخلي عن الحكم للمدنيين، لكن هذا لا يكفي لحجب المفارقة التي وقع فيها الإليزيه فالجميعُ يذكر أنه أدانَ انقلابي هذين الجنرالين (ديسمبر 2008 وفبراير 2010، على التوالي) باسم "واجب احترام الطرق الدستورية في الوصول إلى السلطة". وقد أثار ازدحامُ القمة بالطغاة القدامى والناشئين غضب جاكوب زوما، فلم يتردد في شجب ما يلقونه من دعم "خارج القارة"، في إشارة صريحة إلى صداقة ساركوزي الوليدة مع كوناتي ودجيبو.
ياسين تملالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى