الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام .... في الوطن والوطنية ..؟؟!

الطيب آيت حمودة

2010 / 6 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الوطن والوطنية مفاهيم حديثة قديمة ، التعبير عنهما يتباين تبعا لمنطلقات فكرية ودينية وإيديولوجية ، وأبسط تعريف للوطن هو حب الأرض التي نعيش على أديمها ، ونستنشق هواءها ونسمات برها و بحرها ، وننعم بخيرها وخيراتها ، أو هو التفاعل القائم بين الإنسان والجغرافيا، وقد لا يختلف اثنان على معنى الوطن لأن التاريخ يحدثنا عن تشبث الإنسان بموطن ميلاده ، وكثيرا ما ينسب العظماء إلى موطنهم الأصلي ، فهذا دمشقي وذاك بغدادي ، وآخر قيرواني ، أو تلمساني أو قرطبي ...
ومن هنا كان التغني بالوطن ، فالنبي الكريم في هجرته وابتعاده عن موطنه مكة قال [ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك]. ، كما أورد الشاعر مصطفى صادق الرافعي قائلا:
بلادي هواها في لساني وفي دمي***يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده**** ولا في حليف الحب إن لم يتيم
و عبد الرحمن (الداخل) خاطب نخلة قد غرست بجوار قصره بقرطبة ( وادي آش) ، فامتدّت به الذكرى إلى وطنه في المشرق، وحنَّ إلى أهله وقومه في أرض العرب ، فقال:
يا نخلَ، أنت غريبةٌ مثْلي *** في الأرضِ نائيَةٌ عن الأهْلِ !

غير أن الفكر السلفي يستهجن الوطن وينظر إليه باعتباره زريبة محاطة بأسلاك شائكة وأسوار عالية تحجز البشر عن الإختلاط بغيرها ولو هي من جنسها ، ويرون بأن الوطن فكر نكوصي يضرب الإسلام في المقتل ويمزقه شر ممزق ، فهو يستبدل الولاء لله والإسلام ، بالولاء للأرض ، والله والإسلام لا يمكن وضعهما داخل حيز مكاني معزول ، أما الوطن فالولوج إليه يتطلب أوراق ثبوت ، وجواز سفر ، و تأشيرة دخول . ومرور على السكانير الذي أصبح يعري العباد دون علمهم بفضل تقدم تكنولوجية المراقبة عن بعد .
فإن كان الوطن معلوم الدلالة ، واضح المعنى ، لأنه مجسم ومحسوس ، ومدرك قياسا وأشياء ومعالم تظهر واضحة على الخرائط والصور ، وينقلها برناج قوقل إرث بأدق التفاصيل العينية ، والمشاهدة الحسية بالمتر والسنتمتر ، بأبعاد واضحة وقياسات دقيقة ، قد لا يتصورها العقل أحيانا ! ، غير أن المواطنة تختلف تماما عن الوطن في مجال الإدراك ، فالمواطنة مثلها مثل الأيمان والحب والكراهية والشجاعة ... يصعب قياسها لأنها نسبية و استبطانية يصعب تلمسها وتقدير وزنها ومقدارها ، فعلاقة الوطن والمواطنة في تقديري شبيهة بالعلاقة بين الجسد والروح ، وبين البصر والبصيرة ، وبين الضعف والضعف .
وإثارتي لموضوع الوطن والمواطنة مرده رغبة في تبيان مدى تعدد الفهوم حول الوطنية ، فهي تتعدد بتعدد الثقافات واللغات والديانات ، وهي زئبقية مائعة تأخذ شكل الإناء الذي توضع فيه ، أو أنها تتلون تلون الحرباء ، تماهيا مع الأجسام التي تقف عليها .
فالمواطنة عند البعض عقيدة دينية ، وعند الآخرين انضواء تحت توجه مذهبي أو طائفي ، وآخرون يتصورونها عبارة عن ولاء للدولة أو هيئة من هيئاتها المتبدلة ، أو خضوع لرمز من الرموز ، أو انتماء أثني ولغوي ... الخ .
فالإشكالية المطروحة حسب فهمي المتواضع هو أن المواطنة داخل الوطن الواحد توزن بموازين عدة ، ووطنيتي قد تتلاقى وتتقاطع مع وطنية غيري أو تختلف عنه كليا ، ومن هنا بدأ التراشق بتهمة بالخيانة للوطن التي هي نقيض المواطنة ببعده الإيجابي ، بنفس الحدة التي عرفها التراشق بين الإيمان والكفر عند المسلمين ، منذ الفتنة الكبرى في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه وما لحقه من تكفيرات ظنية متبادلة بين أهل الشام وأهل الكوفة ، وهو ما نجني ثماره حاليا بين الشيعة والسنة .
***في وطني ... مواطنة مقنطرة . ( بالقناطير ) .
وأنا أعيش في وطني الجزائر ، الذي أعتز بالإنتماء إليه ، أعتز بجغرافيته المتنوعة ، بأراضيه السهلية الخصبة ، وسهوبه الفقيرة ، وتلاله الملتويه ، وجباله التي كانت الحصن المنيع لثوارنا عبر العصور والأعاصير ، وصحارئه الشاسعة التي هي بمقدار قارة منها الى وطن ، والتي تحوي دلائل قيمية تثبت قدم إنساننا الأمازيغي الإفريقي عبر متحف مفتوح على الهواء الطلق برسوم مثبتة على الصخر ، وجبال هي من روائع التكوين على يد نحات مقتدر اسمه الطبيعة ، وما وهبها الله من نعم الخير مدفونة تحت كثبانها ذخيرة تقي الأجيال الخوف العاجل والآجل ، وأنا اقف على قمة جبل ( اسكرن) أشهد عظمة الله والوطن مجسدة في غروب آخاذ قلما تشاهد له مثالا ومثيلا في بقاع العالم .
وحب هذه الأرض الطيبة المعطاءة واجب أول ، يتبعه حب إنسانها مهما تلونت بشرته ، وتنوع معتقده ، وتبدلت لغته بفعل التواصل والإتصال مع الآخرين ، حب هذا الإنسان بشكله وشاكلته ومشاكساته ، وسرعة انفعالة ، وطريقة تفكيره ، وفجاجته أو غلظته وتسامحه ، وحتى بلادته وخيلائه وسذاجته ، المهم أنه من هذا الوطن الغالي ، هذا الإنسان الذي لبس لبوسا متنوعا تبعا للظروف الإستعمارية المحيطة به ، فهو تقلب بين الديانات واستقر على الإسلام والمذهب المالكي ، واتقن لغات مستعمريه ، وحافظ على لغة دينه عظا عليها بالنواجد ، وكثيرا ما ضحى بلغته الأمازيغية جهلا أو تجهيلا ، فلولا الجدات لاندثرت وانمحت ، فالجزائري في تقديري هو الأمازيغي المعتز بتاريخه القديم وأبطاله العظام ، وهو نفسه المحارب الشرس ضد الغلاة المستعمرين الرومان والوندال والبزنطيين ، وهو نفسه الذي قاوم الغزو العربي لاعتبارات أثبتت بأن الغزاة لم يأتوا لنشر الدين ، وإنما جاءوا للإستئثار بالمغانم الدنيوية ، وهم الذين اقتنعوا بعد لأي بالدين الجديد ، ونشروه في الأندلس وبلاد السودان ( افريقيا الغربية) ، وهم الذين حاربوا الأسبان وقاوموا فرنسا ، وهؤلاء هم اجدادنا جميعا ولهم ذكر في التاريخ .

واتذكر هنا موقفا عظيما صاغه الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم صاحب الملتقيات الفكرية الإسلامية ومستشار الرئيس بومدين ، والمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان للجزائر عام 1975 ، الذي صرح لوسائل الإعلام في المطار قائلا ( إن فرنسا التاريخية تحيي الجزائر الفتية المستقلة ) ، فما كان من مولود قاسم إلى قال لرئيسه بومدين ( إنه يسبنا ؟) ، وشرح بعدها للرئيس بومدين قراءته للتصريح ( إن الرئيس الفرنسي يقول لنا إن فرنسا ذات العراقة والأثالة والقدم في التاريخ تحيي الجزائر التي ولدت حديثا في 1962 ، أي انه يقول أنتم ياجزائريون حديثي العهد ، مواليد جدد ، لا ذكر لكم في التاريخ ، فانتم أبناء اليوم لا جذور لكم في الماضي ؟
فما كان من مولود قاسم إلا الرد المفحم عبر المقالات ووسائل الإعلام ، وهو المفوه والمتقن لأزيد من ثمان لغات حية بما فيها لغته الأصلية الأمازيغية ،موضحا بالدليل أننا أكثر قدما من فرنسا وآثالة منها ، وأنا زعيمهم فرساجيتوريكوس كان سجينا مع بطلنا يوغرطة في أحدى سجون روما .
غير أن ما قلته في وطنيتي قد يرى البعض فيه قصورا ، وزللا ، وقد يصفني البعض بالمروق والخيانة ، أو يجعلني بيدقا عميلا للشرق أو الغرب ، لأن تصورات البشر تستلهم غالبا من ينابيع جاهزة ، قد تلعب الأدلجات دورها في إخراج عباد يفكرون بنمطية ، فهم إما أنهم ينكرون الوطن والمواطنة على شاكلة السلفية ، أو قد يختزلون الوطنية فيما بعد الفتح الإسلامي ويجعلون قبلها كفرا لا يجب تناوله بالذكر والإشادة ، واعتبار ما فعلوه يدخل في إطار عفى الله عم سلف، وبعضهم يستمد وطنيته من تبعية للمشرق ، وآخرون لا يرونها إلا علمانية في لغتهم الفرنسية ولباسهم المتغرب ، و هناك من يراها ممثلة في رئيس الدولة أو أميرها ، فتظهر مواطنته إمعية للنظام ويعبر عنها بالتبعية المطلقة والتصفيق والإشادة ، وتبرير الأخطاء ، وهكذا .... فالوطنية وطنيات ، وكل يصبغها بصباغ مستلهم من قناعاته التراثية ، فمواطنة ابن باديس تخالف مواطنة كاتب ياسين ، لأن الأول بمشارب ثقافية عربية مشرقية من مخرجات مدرسة الإخوان محمد عبد و والسيد قطب ، والثاني مشاربه غربية فرنسية بمخرجات الفكر التنويري والعقلاني وأفكار الثورة الفرنسية ، ومواطنة حزب الشعب ليست ذاتها مواطنة حزب البيان الجزائري ، ومفجروا الثورة في 1954 كانوا ينظرون باستهجان للمصاليين ، وأصبح أبو الكفاح السياسي ( مصالي الحاج) خائنا من منطلقات ثورية ، ومواطنة أحمد بن بلة الرئيس ليست ذاتها مواطنة معارضه وخصمه حسين آيت أحمد، ووطنية قبائل الشاوية الأمازيغية قد تخالف وطنية أمازيغ القبائل لاعتبارات ثقافية ولغوية ، فالشاوية من منطق موقع موطنهم هم أكثر الأمازيغ تأثرا بالعروبية المشرقية ، بينما القبائل أنهلوا من الفكر الغربي ( الفرنكوفوني)لأنهم أقرب لمنابعه ، ومن هنا فقد أرى في الماك ( M.A.K ) وفرحات مهني بإعلانه جمهورية القبائل المؤقتة شطحة بدون معنى ، وتغريدة خارج السرب ، إلا أن بعضنا يعتبرها بميزانه قمة الوطنية .. ولله في خلقه شؤوون .
إن المواطنة محتكرة لصالح الأقوياء ، مثلها مثل الإيمان ، فإذا كانت الزندقة سلاحا يشهر ضد المعارضين السياسيين أيام الدولة الأموية العباسية ، فإن التخوين سلاح يشهره الحكام وأصحاب الريوع المتحكمون في دواليب الدولة ضد الخصوم والمعارضين باسم الوطنية ، سواء كان ذلك في الفكر ، أواللغة ،أوالمذهب أو الإنتساب ،أو الإنفتاح على ثقافات الغير ، وجعل الناس جميعهم محاطين بسياج من الموروثات تبين زيغها وانحارفها وعدم مسايرتها لقيم الحاضر والمستقبل ، فالمبدعون عندنا يولدون في حالة اتهام ، وتتم نشأتهم وهم في حالة إدانة وتهمة ، وإذا بلغوا النضج قد يحكم عليهم بالخيانة والإعدام .

مجمل القول أن حب الوطن (الوطنية ) ، نفحة ايمانية ، وشعور داخلي وجداني يصعب قياسه ومعاينته ، وإن ظهر فهو يظهر في مواقف وأفعال تبدو واضحة عند الشدائد التي تتعرض لها البلاد والعباد ، فكثيرا ما قيل بأن (الأزمة تلد الهمة ) ، وعند الشدائد يبرز مقدار التضحيات التي كانت في مرحلة كمون أيام أزمنة الرخاء والإستقرار ، وتلك المواقف قد لا تعبر عن وطنية الجميع ، وكثيرا ما تغنينا بوطنية فلان وعلان ، فتحولت تلك الوطنية إلى دخان بعد انكشاف المستور من القول والفعل المبتور والمقبور ، أ و المسكوت عنه لحاجات في نفس يعقوب ، وقد يكون توافق الأنظمة في إخفاء الأرشيف و حجزه أو تبديده ( مثل ماهو الحال بين فرنسا والجزائر) هو رغبة لضمان استمرار وهم وطنية البعض منهما ، وهم في حقيقة الأمر في جحيم الرذيلة والخيانة يرتعون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اخرج من جبة السلفيين والاخوانجية
الشهيد كسيلة ( 2010 / 6 / 7 - 18:39 )
كأنّ الكاتب يريد ان يوائم ما بين الفكر السلفي الاخوانجي والحداثة فاضاع الاثنين فلا الاخوانجية يقبلون ما تقول ولا الحداثة تحتمل قيود كهنوتية

لكن اظنها مرحلة في مسار الكاتب او انعكاس لبيئته التي يبدو انها تعج بالفكر الاخوانجي

مهما سايرت اولئك المتنطعين او جاملتهم لن يقبلوا منك شيئا وسيعتبرونك اخطر عليهم من -المارقين- الجاحدين على حد تعبيرهم

الجزائر في محنة لن تتخلص منها الا بمعجزة


2 - لا يستقيم الظل والعود أعوج !
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 6 / 7 - 20:44 )

أين سلفيتي ؟ وأين حداثتي ؟ وما قلته تصوير لواقع أعيشه يوميا في محيطي القريب ، وليس سردا لقناعات شخصية .
فالتوفيق بين العقل والنقل سبيل لاستبعاد البتر ، وتقريب بين فهوم أهل العقل ، وأهل العلم ، المتواجدان على طرفي نقيض ، وهو ما أحدث ارتجاجا بين الخصمين قد يؤدي إلى فشل المشروعين فشل الأمير في ثورته ضد الحداثة الغازية ، وغرس قيم الحداثة والعلمانية وإن كانت حسية قد تتطلب جهدا مضنيا في ترشيد القوم الذين تغلب عليهم قيم النقل وترسخت و تصلبت ويصعب تحريرها من ألأدران العالقة بها ، وأكثر الأساليب في تقديري هي التؤددة والتدرج في رسم معالم التماهي مع العلم بجراعات دوائية متناسبة لطبيعة السقم المدرك ، إنتقال من النقل ،إلى التوفيق بين العقل والنقل ، ثم إلى أخيرا الى العلمية ، حتى لا تحدث شروخات وتمزقات يصعب برؤها ،وذاك لا يتسنى كليا لوجود معيقات إيمانية طافحة ، تجعل أحيانا من الترياق بلا نفع ، لأن الخلق مجبلوا الطبع ، ولا يمكن استقامة ظلهم والعود أعوج .
تحياتي على ملاحظات ومرورك يا أخ كسيلة .( إكسل) .


3 - Walouw ma fhemna walouw siTayeb..
AMAZIGH ( 2010 / 6 / 8 - 22:13 )

merci

اخر الافلام

.. المناظرة بين بايدن وترامب.. ما أبرز الادعاءات المضللة بعد أد


.. العمال يحسمون الانتخابات قبل أن تبدأ، ونايجل فاراج يعود من ج




.. لماذا صوت الفرنسيون لحزب مارين لوبان -التجمع الوطني-؟


.. ما نسبة المشاركة المتوقعة في عموم أسكتلندا بالانتخابات المبك




.. لجنة أممية تتهم سلطات باكستان باحتجاز عمران خان -تعسفا-