الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومرت السخرية العربية من كولورادو...

فؤاد وجاني

2010 / 6 / 7
الادب والفن


كثيرون هم الأدباء والعلماء والمفكرون والمثقفون العرب الذين توقفوا لبرهة من الزمن الأمريكي في ولاية كولورادو إما للسياحة أو الدراسة أو العيش أو لممارسة أنشطتهم ، فنحتوا بصماتهم في جبالها الشاهقة وخلدوا أصواتهم في أصدائها الخافقة ، لكن القليل من الساخرين توقفوا عند سحر صيفها وعبق ربيعها الممزوجين بقساوة شتائها وبياض كسائها .
ومن بين هؤلاء أمير السخرية العربية الراحل محمود السعدني ، ذلك الصحافي الأديب الفطن الذي سخر من الدنيا ومما فيها وممن عليها ، وكم رائعة هي سخريته في ثقافة عربية تشبعت بالمحن ، وكم ضرورية هي للنقاهة من العجز والنهوض من أسرَّة الوعكة . لم يكُ شقيا كما وصف نفسه أو كما نعتوه ، بل واقعيا يصوغ الشقاء في حلة مبهجة كي يستسيغه الأشقياء ، بل أديبا كيميائيا يعد الفكاهة ترياقا لمعضلات العصر ، يضحك على نفسه وعلى الآخرين ومع القدر ، يفضح ويدنس تارة ، وأخرى يهون ويخفف ، وكأنه فقيه في شرع تناقضات لاتتم حياة بدونها .
لم تفته فرصة زيارته لأمريكا من شرقها إلى غربها ليحقن وريد المأساة العربية بإبرة الفكاهة . فأتى إلى قمم كولورادو متسلحا بقلم ضاحك ، يرتاد فنادقها ، ويناقش بغاياها ، ويسامر مشرديها ، ويدخل مساجدها ، ويتسرب الى كنائسها ، ويتغلغل وسط كهوفها ، ويكسر قضبان سجونها ، ويحاور سياسييها ، ويجالس سكانها الأصليين هنودها الحمر ، ويجادل من أجدادهم أتوا إليها فارين على ظهر قارب من مشردي أوروبا ، ويستمع إلى أحفاد المستعبدين من الأفارقة والآسيويين واللاتينيين بنائي بلاد العم سام ، ويصل الرحم مع من تجري في عروقهم دماء ابن بطوطة والإدريسي مِن أبناء العرب .
هنا احتفل السعدني بعيد الديك الرومي الأمريكي ، واكتشف في لذة بطيخ نيومسيكو وعنب كاليفورنيا مرارة الوحدة العربية الممزقة ، وهنا عرف قوتي النفط والنفوذ ، وهنا أدرك أن هذي البلاد بلاد الله لخلق الله ، لاجوازات ولاجمارك فيها بين ولايات حجمها كدويلات العرب المترامية الأطراف . ومن هنا تنبأ السعدني بأن يحكم رجل إفريقي دولة بدايتها حمراء ثم بيضاء ونهايتها سوداء .
شكرا لك أيها السعدني على إسعاد قلوبنا بإكسير السخرية ، فلا شيء في الكون أكثر جدية من المزاح ، والدنيا أموال وبنون ولعب ولهو ثم رحيل بعدها وحيدا عاريا صفر اليدين حافي القدمين إلا من اعتلى عرش التاريخ وخلدته أعمال ، وشكرا لك على ابتسامتك التي ستشرق علينا في صفحاتك أبدا ماوُجد الغباء والشقاء الإنسانيين .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس