الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحد مدلولات الهجوم على قافلة الحرية

نعيم الأشهب

2010 / 6 / 8
القضية الفلسطينية


سلّطت معركة قافلة الحرية، من أحدى زواياها، الضوء على المستوى الذي بلغه التنافس والصراع بين القوى الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الحاضر، تتمثل هذه القوى باسرائيل وايران وتركيا حصراً. أما مصر، فقد غدت قَطَر، التي لا تتجاوز في حجمها حياً من أحياء القاهرة، تلعب دورا في المنطقة يتجاوز دور مصر.
ولفهم أسباب ارتفاع منسوب التنافس والصراع بين هذه القوى الاقليمية، لا بد من أخذ ذلك في اطار الوضع الدولي العام، وأكثر تحديداً في اطار رصد التراجع الملحوظ في القدرة الاميركية، التي تصرفت، قبل عقدين فقط، لدى انهيار النظام الدولي ثنائي القطبية، كادارة منفردة للعالم. وبمعايير الزمن، فالفترة ما بين تنصيب الولايات المتحدة نفسها وصية على شؤون الكرة الارضية، وبين بداية نهاية هذا الدور، تفوق في قصرها كل التوقعات. فهي تتراجع وتعاني النكسات والهزائم على مختلف الصعد، العسكرية والسياسية والاقتصادية. ويكفي، في هذا الاطار، الاشارة لعجزها التام عن نصرة حليفها الرئيس الجورجي، في حربه – بالدعم الاميركي – مع روسيا عام 2008، وعجزها أمام التغيرات في اوكرانيا وقرغيزيا، وما ترمز اليه هذه التطورات من اضطرار واشنطن لتقيؤ ما قضمته من مناطق المجال الحيوي، لروسيا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتخليها عن برنامج زرع الدرع الصاروخي الهجومي في بولونيا وتشيكيا. كما يكتسب مغزى بنفس المقدار وقوف واشنطن عاجزة عن نجدة كوريا الجنوبية، عقب اغراق كوريا الشمالية لبارجة حربية للأولى، تسللت الى المياه الاقليمية للثانية، علماً بأن كوريا الجنوبية أقرب حلفاء واشنطن في جنوب شرقي أسيا وتقوم على أراضيها واحدة أكبر القواعد العسكرية الاميركية، والتي تضم أسلحة نووية.
واذا كانت واشنطن قد غزت كلاً من افغانستان والعراق، باسم "الحروب الاستباقية"، التي تفتق عنها الفكر السياسي للمحافظين الجدد، عقب تفجيرات 11/9/2001، هذه التفجيرات التي تزداد القناعة بأن مدبريها لم يتجاوزا قوى اليمين الاميركي.. فان هذه الغزوات التي تمت تحت شعار محاربة "الارهاب الاسلامي"، بينما استهدفت، في الحقيقة، احكام القبضة الاميركية على المصادر الهائلة للطاقة في الشرق الأوسط، كهدف لا غنى عنه لتحقيق الطموح الاميركي في الهيمنة على العالم.. هاتان الغزوتان كلفتا الخزينة الاميركية، حتى الآن، قرابة تريليونين ونصف التريليون دولار، وأسهمتا في رفع الدين الحكومي الاميركي الى ثلاثة عشر تريليون دولار، وهو الدين الأعلى في التاريخ الاميركي، ويساوي مجمل الدخل القومي الاميركي السنوي تقريباً.
لكن حصيلة هاتين الغزوتين لا تقف عن حدود التكلفة المالية الاسطورية – ناهيك عن الخسائر البشرية – بل وتشمل الفشل الذي تضطر الادارة الاميركية للاقرار به من خلال، أولاً: الاعلان عن خطط الانسحاب عن البلدين، ودون تحقيق أهداف الغزتين.. وثانيا: السعي بدل ذلك لعقد صفقات مع طالبان في افغانستان، التي كانت الغزوة الاميركية لاسقاط سلطتها، ومع البعث العراقي، بأمل الافلات من الفخ الايراني في العراق، ووضعه – أي العراق – عبر تجنيد كره البعث العراقي المتأصل لايران ضد الأخيرة، بعد فشل كل مساعي واشنطن، حتى الآن، تشكيل جبهة متماسكة في المنطقة ضد ايران، ليس تعففاً من معظم أنظمة الحكم في المنطقة، بل بسبب عجز هذه الأنظمة وتخوفها من أن تسفر خطوة كهذه عن اسقاطها. وثالثا: اعلان واشنطن، مؤخراً، في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي الاميركي" الجديدة عن التخلي عن مبدأ الحروب الاستباقية، وعن الحرب على الارهاب، وحصر ذلك بتظيم القاعدة وحده.
واذا أضيف الى كل ذلك الأزمة المالية التي اندلعت في الولايات المتحدة منذ 2008، وهزت بعنف الاقتصاد الاميركي من جانب، وتآكل الهيمنة الاميركية المتواصل في اميركا اللاتينية من جانب آخر، تبدو لنا صورة الولايات المتحدة أشبه بديناصور منهك، الى الحد الذي أصبح فيه، أحياناً، غير قادر على فرض ارادته، ليس فقط على أعدائه، بل وحتى على بعض أبتاعه.
بمعنى آخر، فالقبضة الاميركية راحت تهتز بالقياس الى ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن فقط. وإذا شهد الشرق الأوسط باكورة عرض العضلات الاميركية، بمجرد انهيار النظام الدولي ثنائي القطبية، في حرب الخليج الثانية 1991، فان تآكل القدرة الاميركية تبدو، اليوم، جلية في هذه المنطقة، على صورة نوع من الفراغات، يعجز النظام العربي عن ملئها. ولما كانت الحياة لا تقبل الفراغ، فان القوى الاقليمية تتزاحم الى حد الصراع لملئه.
وفي اطار هذه التزاحم، المرشح للمزيد من الاحتدام والتصعيد، تجهد اسرائيل، بكل إمكانياتها، للحفاظ على مواقعها المتفوقة والمتميزة، بينما تسعى كل من تركيا وايران لتوسيع دوائر نفوذهما.
لقد غدت اسرائيل، في مرحلة من ادارة بوش الأبن، وبتأثير المحافظين الجدد الذين كان لهم النفوذ الأول في تلك الادارة، ليس فقط الحليف الاميركي الأول في المنطقة، بل وجرى وضع كل "البيض" الاميركي في سلتها، واعتبار أن اسرائيل القوية – بالدعم الاميركي المتعدد والشامل – تكفي وحدها لحراسة المصالح الاميركية في المنطقة. وقد ترتب على ذلك إهمال واشنطن لبقية أتباعها وحلفائها الآخرين آنذاك.

لكن الحرب الاسرائيلية على لبنان، صيف 2006، والتي كانت في الاساس في خدمة المشروع الأميركي "الشرق الأوسط الكبير" كشفت، بنتائجها، أمرين استراتيجيين بالغي الاهمية، الأول: أن اسرائيل لم تعد كلية القدرة. والثاني: أنه في عصر الصواريخ يمكن نقل المعركة الى العمق الاسرائيلي، الذي يفتقر الى البعدين الجغرافي والديمغرافي. أما التركيز الاسرائيلي، في الاونة الأخيرة، على ايران، فمرده الأول القلق من توسع دائرة النفوذ الايراني في المنطقة، اكثر من امتلاك ايران للسلاح النووي. فاسرائيل تمتلك ترسانة نووية تقدر بمئتي رأس، بينما تجمع مصادر التجسس المختلفة على أن ايران لا تمتلك بعد ولا قطعة من هذا السلاح.
وفيما يتعلق بتركيا، فلعل أول تصريح لوزير خارجيتها، في اليوم التالي لدخوله للوزارة في الأول من أيار 2009 يلقي الضوء على أجندتها الطموحة في المنطقة. قال: "ان تركيا لديها الآن رؤية سياسية خارجية قوية نحو الشرق الأوسط والبلقان ومنطقة القوقاز" وقال: يجب أن تتولى (تركيا) دور بلد يرسي النظام في كل تلك المناطق"، وأضاف: "تركيا لم تعد البلد الذي تصدر عنه ردود أفعال ازاء الأزمات، وأنما يتابع الازمات قبل ظهورها ويتدخل في الازمات بفاعلية ويعطي شكلاً لنظام المنطقة المحيطة به".
وفي اطار العمل لتحقيق هذه الأجندة الواضحة، تبدو تركيا على استعداد للتعاون مع ايران وسورية لتحجيم الدور الاسرائيلي الذي كان يحتل المكان الأول في المنطقة، بالدعم الاميركي . وفي ظروف اعادة ترتيب اوراق المنطقة، تتقدم روسيا، بدورها، نحو المنطقة. وكانت زيارة أول رئيس لها لسورية مؤخراً، وصفقات السلاح مع سورية، التي سبق ومنحت الاسطول العسكري الحربي الروسي تسهيلات في ميناء طرطوس، علامات على هذا الطريق.
وفي محاولة من اسرائيل للتصدي لمساعي تحجيم دورها في المنطقة، فقد ارادت -فيما يبدو _ من وراء التصدي العسكري الدموي لقافلة الحرية تحقيق هدفين في آن واحد، الأول: سد الطريق بعنف في وجه محاولات كسر الحصار عن قطاع عزة، بعد توالي وتصاعد هذه المحاولات، لمواصلة هذا الحصار أطول مدة ممكنة، كأحد الوسائل لكسر ارادة الشعب الفلسطيني، لارغامه على الرضوخ لمخططاتها.والثاني: كبالون اختبار لمدى تصميم تركيا على المضي في نهجها الجديد. ولم يكن صدفة أن الضحايا جميعاً كانوا من الاتراك. وفيما يتعلق بمصلحة قضية شعبنا الوطنية، فاذا كان النظام العربي، اليوم، في حالة"موت سريري" وعاجز عن ملء حيزّه نفسه أو أي فراغ ينشأ في المنطقة، فان تقدم تركيا وايران لملء مثل هذا الفراغ، ما دام على حساب تحجيم الدور الاسرائيلي- المدعوم اميركيا- فانه بلا ادنى شك لصالح قضيتنا الوطنية.


بقلم: نعيم الاشهب
7/6/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تجاوز الحقيقة
فؤاد النمري ( 2010 / 6 / 9 - 15:00 )
السيد الأشهب تجاوز الحقائق في ثلاثة مواضع
ــ الحرب في أفغانستان لم تكن استباقية بمختلف القاييس. بن لادن اعتدى على الولايات المتحدة وحكومة طالبان تكفلت بسلامته فكان أن أنذرتها الولايات المتحدة لمدة شهر بتسليمة وإلا واجهت حرباً مع أميركا وفضلت طالبان الحرب. كيف تكون استباقية وروسيا وإيران قدمتا مساعدات لوجستية. أما في العراق فكانت تتمة لحرب 91 التي أوقفها الإنذار السوفياتي قبل سقوط بغداد
التجاوز الثاني هو الزعم باعتبار إسرائيل حاية للصالح الأمريكية وكأن ثمة أخطار تهدد تلك الصالح. الأمريكان موقنون أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل أمست عبئاً على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
التجاوز الثالث هو الإدعاء بأن الحرب الإسرائيلية على حزب الله في ال06 كانت خدمة للمشروع الأميركي -الشرق الأوسط الكبير- تلك الحرب بدأها حزب الله وقد اعترف أمينه العام بذلك قائلا -لو كنت أعلم النتيجة مسبقاً لما بدأت- . أميركا ضغطت على إسرائيل من أجل أن تجتث حزب الله لصالح الدولة اللبنانية قبل صالح اسرائيل. ما منع ذلك هو الصواريخ الروسية الحديثة المقاومة للدبابات المفاجئة لاسرائيل.المشروع الأميركي مشجب الساسة المفلسين

اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا