الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - من برودة المكاتب الى دفء الحياة !

رضا الظاهر

2010 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تأملات

من برودة المكاتب الى دفء الحياة !

رضا الظاهر

يتطلب تعزز نفوذ حزبنا الشيوعي وتأثيره في الأحداث، من بين شروط أخرى، ارتقاءه بعمله التنظيمي والسياسي والفكري، وتطوير صلاته بالناس لا عبر أساليب العمل التقليدية حسب، وانما عبر المبادرة وابتكار الجديد من الأساليب للتواصل مع الناس. وهذه من بين أكثر مهمات منظمات الحزب وهيئاته ورفاقه إلحاحاً.
ومن نافل القول إننا لسنا بحاجة الى تكرار مزايا مشاركتنا في الانتخابات. فقد تجلت هذه المزايا، على نحو ساطع، في توجه منظمات حزبنا ورفاقه الى الناس، على أننا لسنا أسرى الرضا عن النفس، ونحن ننظر الى ما تحقق في إطاره الواقعي كتمرين كفاحي. ومما له أهمية استثنائية أن هذا التمرين أسهم في خلق أساس جديد للعمل وسط الناس والتوجه الى مناطق جديدة، وتدريب رفاق وتحفيزهم على المزيد من النشاط الجماهيري وتقديم نموذج جذاب أمام هيئات ورفاق آخرين لممارسة هذه التجربة المثمرة، الجديرة بالدراسة والتقييم والانطلاق منها في نشاط متسع ومتجدد على الدوام.
ولا ريب أن إنجاز هذه المهمة الجليلة يستند الى أسس في مقدمتها وجود منظمات قادرة وكوادر حزبية كفوءة ورفاق مستعدين، من النواحي التنظيمية والسياسية والفكرية، للنهوض بمثل هذه المهمة.
ومن هنا تأتي أهمية التنظيم الحزبي القادر على التطبيق المبدع للبرامج الواقعية. ومن المؤكد أنه بدون الصلة الحية بالناس، الدائمية لا الموسمية، وتبصيرهم بواقعهم وامكانيات وضرورات تغييره، وتبني مطالبهم وتحفيزهم على النضال من أجل ذلك، وربط هذا النضال اليومي بآفاق المستقبل، لا يمكن للحزب إنجاز ما ينشده من أهداف.
وتستدعي الصلة الحية بالناس، قبل كل شيء، خروج الشيوعيين، قادة وكوادر وأعضاء، من برودة المكاتب، حيث السكون التجريدي، الى دفء الحياة، حيث الحركة الحسية، وحيث التعلم من الجماهير والواقع، وحيث تدريب الشيوعيين الحقيقيين على أن يتحولوا الى طليعيين.
إن التنظيم هو الأساس الذي يستند اليه النشاط السياسي والفكري. ويتطلب الارتقاء به الانسجام الجدلي بين خيار الوعي والممارسة الابداعية، وبناء الكادر، دائم التطور والتجدد، القادر لا على العمل الحزبي الحي حسب، وإنما، أيضاً، على الموقف الطليعي في العمل وسط الناس، والتعلم منهم في مدرسة الحياة والسعي الى المستقبل. وهؤلاء الرفاق هم الذين يهبون حياتهم لقضية الحزب العادلة.
ولا حاجة بنا الى القول إن الممارسة التنظيمية، حيث وضوح الرؤية وواقعية البرنامج ووجود مهمات ملموسة لكل رفيق وآلية متابعة فعالة وتقييم نقدي، ترتبط بآصرة عميقة مع ممارسة الفكر والسياسة لتشكل مثلث الحزب اذا جاز التعبير. وهذا المثلث هو الذي يضمن تحويل الأفكار الى قوة مادية حالما تستحوذ على الجماهير.
ويشيَّد التنظيم، الذي يشكل الذاكرة والعقل الطبقي، على أساس النضال اليومي والبعيد المدى، ذي المحتوى الاجتماعي، والذي يأخذ بالحسبان، من بين متغيرات أخرى، الطبيعة غير المستقرة للصراع الاجتماعي. ففي فترات الجزر يحلل الحزب أسباب التراجع ساعياً الى إبقاء جذوة الكفاح متقدة حتى يندلع اللهيب من الشرارة في موجة صعود جديدة. وفي فترات المد يتمثل انتقادياً دروس الهزائم والانتصارات، ويعممها بقصد الاستفادة منها في جولات الكفاح الجديدة.
ومن الطبيعي أن الحزب الثوري يستهدف اجتذاب تأييد الناس حتى يقود حركتهم، لكن طبيعة هذه القيادة في الحزب الشيوعي مختلفة عن طبيعتها في الأحزاب الاصلاحية. فالحزب الثوري لا يمارس دور الحلقات الصغيرة، الفوقية والمعزولة، الموهومة بحجم تأثيرها، حيث "القادة" يلجأون، وهم في غرف مغلقة، الى الأفكار النظرية بدلاً من واقع الصراع الفعلي والمسعى الى التغيير. ولا يمارس الحزب دور قائد عسكري يحمل الحقيقة المطلقة ويصدر أوامره البيروقراطية الى جنوده.
فقيادة الحزب الشيوعي هي التي تمارس الجدل الدائم لا مع الأعضاء حسب، وإنما مع الناس ووسطهم، حيث يتعلم الحزب من خبرة الحركة الجماهيرية. وقد وجدنا أمثلة على هذه الممارسة، وإن كانت أولية ومحدودة، في ما أبدعه رفيقات ورفاق حزبنا في النشاطات المتنوعة التي سبقت الانتخابات البرلمانية، وخصوصاً في طرق الأبواب وأشكال التواصل الحية الأخرى مع الناس.
* * *
الحزب، الذي يطمح، من بين أمور أخرى، الى نشر أفكاره الثورية وسط الناس، لا يستوعب فقط هذه الممارسة بعيدة المدى، وإنما يخوض المعارك اليومية من أجل مطالب ملموسة محددة، رابطاً، على نحو جدلي، بين الستراتيجية والتاكتيك، عبر المرونة الواقعية والتطلع الى الأفق.
وليس استيعاب هذا التناقض الجدلي بالأمر اليسير. وبوسعنا أن نتذكر موقف روزا لوكسمبورغ منه إذ تقول إن "أفضل وسيلة لتقدم الحركة هي السير ما بين الخطرين اللذين يهددانها على الدوام: فقدان الطابع الجماهيري والتخلي عن الهدف النهائي. الأول خطر الانزلاق في حلقة معزولة، والثاني خطر الانزلاق في حركة إصلاحية ..."
ويتطلب تفادي الانزلاق في هذا الخطر، من بين أمور أخرى، التماسك حول تحليل ماركسي يفهم جوهر الواقع واتجاهات حركته وآفاق تغييره، وبناء تنظيم قادر على إنجاز مهمات وأهداف الحزب السامية، القريبة والبعيدة، ومد الحزب جذوره العميقة وسط الناس والسير معهم وفي طليعتهم.

طريق الشعب 8/6/ 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية