الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدّ السابع بعد الجزر- قصص قصيرة جداً

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2010 / 6 / 9
الادب والفن


خطّ

حتى قرصة صغيرة من موظف الباص المكلّف بالسؤال عن التذاكر كانت تسعده. قرصة صغيرة تعبر بطيبة ورأفة فوق خدّه وهو يناوله التذكرة ويبادله الإبتسام. كان كعادته اليومية يبتدع الحلم ويرنو الأمل في المدرسة والشارع والباص ليخدّر يتماً أزلياً.

وجه

لم يبدِ أيَّ اهتمام حين أخبرته، بحماسي المعهود، أنّ بإمكان تلك القطعة الإلكترونية الصغيرة أن تحمل داخلها أكثر من مئة كتاب أدبي وفكري وعلمي عربي ومترجم وأجنبي. لا بل أبدى ملله من حديثي وهو يغرق في بحر من الشرود واللامبالاة.

تداركت الأمر مباشرة بعدها وشددته إليّ وهو يفتح فمه دهشة من كلماتي: ...يمكن لها كذلك أن تحمل أكثر من عشرين شريط فيديو جنسياً.

أيّار

أمطار أيّار حين تهطل بغزارة مفاجئة يكون لها دوماً وقع مختلف عن شقيقاتها في باقي الشهور. فالأجساد تحررت من عبء معاطفها وشالاتها، والشوارع أوقدت نيران شموسها فوق الأسفلت، والغبار استقل بأوطانه فوق زجاج سيارات التاكسي. لا مظلة تخطر على بال ولا أسفل مصطبة يشغل الفكر إلاّ لحظة الإنهمار، تغطي السماء بخطوطها ومزاريبها.

لا تشذّ منطقة الحمرا في بيروت بشوارعها الضيقة ذات الإتجاه الواحد عن قاعدة طرقات الأمطار حين تتحقق معادلة سرمدية قائمة على ازدحام السير المترافق مع الهطول. لا تشذ الحمرا أبدا عن تلك المعادلة، والزمامير المتعالية تكاد مع أصوات السائقين تخفي صوت ولوج الرياح مداخل الأبنية، وقرقعة بركات السماء فوق الأسطح المعدنية.

موقف

لم يكن نجيب حاضرا لحظة نزلت السيدة، من منزلها المجاور إلى سيارتها التي ركنتها في موقفها المعتاد، لتفاجأ بسيارته، التي لم ترها من قبل، تقفل طريق الخروج عليها. ردّدت بهدوء كلمة: يا الله، مرات متتالية لكن بامتعاض واضح، أتبعتها بصوت متعال بلا حول الله يا رب، ولا نتيجة. نظرت واستطلعت من حولها فلم تجد أحداً. سألت صاحب الدكان فلم يجلب سؤالها سوى المزيد من التوتر الذي جعلها تطلق زمور سيارتها ولسانها معا، بشتائم متعددة تطال السائق وسيارته، والشرطة، والبلد بأكمله والحياة القذرة فيه. عندها وصل نجيب وأزاح سيارته دون أن ينظر إلى السيدة.

برهة

تراكض طفلاها خلف بعضهما بخطوات صغيرة متعثرة تطأ للمرة الأولى أرضاً مشبعة بالشمس متبحرة بالإتساع. كان يوم العطلة الأول الذي تمضيه معهما خارج المستشفى بعد عامين أمضتهما فيها بين غيبوبة كاملة وتحرك محدود.

تلك البسمة ترسم ثغرها، وتشعل عينيها تلاحقان خطوات الصغيرين وهما يبتعدان، انهمرت داخل روحها وانسكبت في فؤادها، حتى أطلقت قدميها تنشد الوصول إليهما فانكشف الجسد الطري من ثنايا الذاكرة، يسابق ساقيه لاختراق الزمن الآتي. كانت تعاود الغياب عن لحظة حاضرة حين سبقت طفليها، وانطلقت للإمساك مجدداً بمستحيل اخترق ما فيه نبضاتها.

خصوبة

لم ينعكس ضوء الشمس وهو يصطدم بصفحة الماء هذه المرة. ارتجفت المياه وخلقت مئات من الأمواج الصغيرة بغرابة غياب الهواء. تحوّل لون البحر وانقلب إلى الأخضر الغامق المرتبك الزرقة، ولم ألمح أثراً لزبد عند أطراف الصخور.

في تلك اللحظة، كنت أغوص في بحر أحلامي، فلم أستيقظ إلاّ على انشقاق الماء عليها، وهي تخرج بشلال من ذيلها العملاق وشعرها الذهبي.

حلقة

اهتزّ رأس القصبة بشدة فسارع إلى رفع خيطها من الماء؛ ليخرج، للمرة الأولى منذ احترافه الصيد شهوراً من البطالة، سمكة كبيرة.

لم يتجرأ على انتزاع غدّارة قصبته من فمها، فأحد الأمور النادرة التي علقت في ذهنه عن الصيد، أنّ ذلك النوع من الأسماك يسبّب لسعة فورية حين يلمسه. خاف من الغنيمة أكثر رغم سعادته بمولد باكورة رزقه البحري ضخما بهذا الشكل.

لفرحه الكبير بها تخيّل لو كانت راتباً وكيف كان سيعلّق أحد أوراقه النقدية في إطار على حائط غرفته لشهر كامل على الأقل. لكنّ خوفه منها، وكانت كما لو أنّ الخيط يلتف على أشواك حسكتها، جعله يلوّح بها ويضربها بالأرض، حتى استكانت تماما بعدها وتوقفت عن التلوّي. حينها فقط مدّ يده لينتزعها بجرأة مختلفة عن لحظة التفريق بينها وبين منزلها، ولم يكن يعلم أنّ لسعتها بعد الموت تكاد تكون أشدّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومضات حميمة
رياض الامين ( 2010 / 6 / 10 - 11:44 )
الومضات بالنسبة لي هي لمعات سريعة تحمل طياتها النور والامل زائد سر أو مفاجأة أو أي شيء غير يومي أو مألوف
لديك يا عصام هذا الشعاع الطويل من الومضات في نصوصك القصيرة
الحميمية النابعة من عمق صادق غير مدعي
تحياتي لك

اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب