الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترقية فتاة قبيسيّة

نارت اسماعيل

2010 / 6 / 11
الادب والفن


تستيقظ رفيف عند الفجر، تتوضأ، ترتدي ملابس الصلاة البيضاء وتصلي صلاة الفجر، تبقى جالسة على سجادة الصلاة ثم تتناول مسبحتها الطويلة التي أحضرتها لها خالتها من مكة عندما عادت من الحج
أستغفر الله، أستغفر الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أستغفر الله أستغفر الله ....تقضي ربع ساعة بالاستغفار والدعاء والتسبيح، بعدها تتناول القرآن القريب منها وتقرأ ما تيسر لها لمدة ربع ساعة أخرى، تترك السجادة مكانها ثم تخلع ملابس الصلاة
تذهب إلى المطبخ وتتناول بعض الشاي والخبز وقليلآ من الجبن والزيتون
تربط (القمطة) باحكام على رأسها ثم ترتدي الجرابات السميكة والمانطو الطويل، ثم تضع الإيشارب الأبيض على رأسها
تقبل رأس والدتها
- الله يرضى عليكي يا بنتي، ديري بالك على حالك يا بنتي
- حاضر ماما، السلام عليكم
تخرج مسرعة إلى عملها الذي التحقت به منذ مدة قصيرة بعد تخرجها من كلية التجارة، فرع المحاسبة.
تمشي بخطوات سريعة واسعة بقدر ما يسمح لها المانطو الطويل، وتأخذ أحيانآ مسارات منحنية لكي تبعد نفسها قدر الامكان عن المارة وخاصة الرجال، وأحيانآ تنزل عن الرصيف ثم تعود وتصعد عليه إذا لمحت(ذئبآ بشريآ) قادمآ باتجاهها.
نظرها مثبت إلى الأمام وقليلآ إلى الأسفل، لاتلتفت لا يمينآ ولا شمالآ، لا شيء يثير انتباهها، تعابيرها جامدة أو بالأحرى بلا تعابير، مثل تمثال شمعي في متحف الشموع، لا مكياج، لا عطور، لا اكسسوارات.
تدخل إلى المؤسسة التي تعمل فيها، تذهب مباشرة إلى مكتبها، تصادف بطريقها بعض زملاء عملها، نادرآ ما تتبادل معهم السلام، اعتادوا عليها، فهي لن تلتفت إلى أحد، أقصى ما يمكن أن تفعله عندما يبتسموا لها أو يسلموا عليها أن ترد بصوت خافت يكاد لا يسمعه أحد: السلام عليكم.
تدخل إلى مكتبها، تنهمك فورآ بعملها وأوراقها وحساباتها، مع مرور الوقت اكتشفت أن هذه طريقة جيدة لإبعاد الزملاء والزميلات فهي تشغل نفسها باستمرار، وفي الحقيقة هي الأفضل في المؤسسة كلها والكل يشهد بذلك، لاتتناول القهوة ولا الشاي أثناء العمل ولا تثرثر مع أحد ولا تترك مكان عملها حتى ينتهي الدوام، ولا يتصل بها أحد ولا هي تتصل بأحد إلا نادرآ عندما تتصل أحيانآ بوالدتها لتطمئن عليها.
تعود بعد انتهاء عملها مسرعة إلى البيت، عليها أن أن تلحق صلاة الظهر قبل حلول العصر وأن تساعد والدتها بتحضيرالطعام وبقية أعباء المنزل.
عند وصولها إلى البيت تخلع الإيشارب والمانطو والجرابات، تعيد الإيشارب إلى الخزانة فيقع نظرها على الإيشارب الأزرق الذي اشترته منذ مدة طويلة، ينقبض قلبها وتشعر بالأسى لأنها لا تستطيع ارتداءه فهي ما زالت مبتدئة بنظر( الآنسة ) ولا يسمح لها إلا بارتداء الإيشارب الأبيض الخاص بالمبتدئات.
انتسبت رفيف للحلقة الدينية في الحي الذي تقطنه قبل خمس سنوات وهي مواظبة على الدروس بانتظام
كان هناك شيء يحول بينها وبين (الآنسة) فهي بطبيعتها خجولة تفضل أن تكون في الصفوف الخلفية، لا تطلب شيئآ، وتنتظر من الناس أن يعطوها ما تستحقه، يحمر وجهها لأقل إطراء، مخلصة في كل شيء، دائمآ ما تكون آخر من يطلب ولكنها أول من يستجيب.
حفظت القرآن منذ مدة طويلة ولكنها مازالت ترتدي الإيشارب الأبيض الخاص بالمبتدئآت، بينما معظم زميلاتها من عمرها سمح لهن بالتحول إلى الإيشارب الأزرق .
كم كان يحز ذلك بنفسها ويؤلمها ويشعرها بالغبن، كانت تتساءل : بماذا أنا مقصرة ياربي؟
هل هي خلفية أسرتي المتواضعة غير المعروفة ؟ هل لأن لا أحد من أسرتي له مركز مرموق في البلد؟ هل السبب هو خجلي وقلة كلامي وعدم تقربي من (الآنسة) والتودد إليها كما تفعل بقية زميلاتي؟
في المساء تذهب رفيف إلى فراشها، تخاطب نفسها: غدآ سأطلب من (الآنسة) أن تسمح لي بارتداء الإيشارب الأزرق، سوف أصرّ على ذلك، هذا حقي وسأفهمها ذلك، هل دعاء وعفاف ووفاء أفضل مني؟
في اليوم التالي وبعد انتهاء درس من إحدى السيدات المتقدمات في الحلقة، تستجمع رفيف شجاعتها وتقترب من (الآنسة)
- شو يا بنتي بدّك شي؟
بصوت متلعثم ومتردد
- آنسة بتسمحيلي بكلمة؟
- تفضلي يا بنتي
- بتسمحيلي ألبس الإيشارب الأزرق؟
(الآنسة) تأخذ بعض الوقت في التفكير ثم تجيب: طبعآ يا بنتي، انتي بتستاهلي، كان لازم من زمان تلبسيه
تنكب رفيف على يدي (الآنسة) تقبلهما والدموع تنهمر من عينيها، لم تكن تدرك أن الأمر بهذه السهولة، كل ما كان يحتاجه الأمر هو أن تطلب فقط !
تعود رفيف إلى البيت وهي تطير من الفرح، تذهب مباشرة إلى خزانتها متجنبة أمها، تريد أن تفاجئها، تخلع إيشاربها الأبيض وتلبس الأزرق ثم تذهب إلى والدتها
- ماما شوفي
- مبروك يا بنتي، ألف مبروك
تأخذها والدتها بأحضانها وتضمها بحنان إلى صدرها
- ما قلتلك انّو الله ماراح ينساكي
في تلك الليلة وعندما استسلمت رفيف للنوم، كان وجهها مبتسمآ، لم تشعر بمثل تلك السعادة حتى عندما زفّوا لها قبل خمس سنوات خبر نجاحها في البكالوريا ومتفوقة على كل بنات مدرستها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفاضل استاذ نارت اسماعيل
مرثا ( 2010 / 6 / 12 - 10:53 )
سلام ونعمة أخي
هل المقصود بالحياة بهذا الشكل التدين او الإلتزام الأخلاقي ،؟ وهل تقبل فتاة جامعية ان يكون دليل تعمقها الديني هو لون الإيشارب ؟
هل الإنعزال عن الناس والمجتمع هو غرض التدين ؟
القصة بها الكثير من المعاني وكذلك الكثير من الأسئلة
خاصة ان ماكتبته يعبر عن حال الكثير من الفتيات في الألفية الثالثة من التاريخ
تقديري واحترامي


2 - الأخت مرثا
نارت اسماعيل ( 2010 / 6 / 12 - 13:12 )
نعم هذا بالضبط ما قصدته من هذه القصة البسيطة الصغيرة وهو غظهار كيف تضمحل أحلام فتاة متعلمة وخلوقة بفعل الغيبيات ليصبح أقصى طموحها أن تترقى في حلقتها الدينية الكئيبة
أشكرك على حضورك الجميل، تحياتي لك


3 - جميل
ماريان ( 2010 / 6 / 12 - 13:16 )
حلو كتير .. المظاهر و القشور والألوان و الحضور و أن تكون مقبولاً من المجتمع .. هي صفات الانسان الساذج و الذي به أو بدونه لن يسجِّل فارقاً في الحياة فردياً أو جمعياً .. آنياً أو تراكمياً.

تحياتي


4 - الأخت ماريان
نارت اسماعيل ( 2010 / 6 / 12 - 20:48 )
نعم، هؤلاء لا تهمهم الحياة، إنهم يبنون مكانآ لهم في الجنة، هنيئآ لهم جنتهم الموعودة،أما نحن فسنكتفي بحياتنا الدنيوية بحلوها ومرها فهي جنتنا، تحياتي لك

اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب