الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرأة نقدية بقلم نعمة السوداني للنص المسرحي -- الثالوث -- للكاتبه فليحه حسن

نعمة السوداني

2010 / 6 / 11
الادب والفن


مسرحية الثالوث : تأليف فليحه حسن
اشراف الدكتور الفنان اسعد راشد

التعبير والانفعالات النفسية وانفعال الوعي

قرأة نقدية : نعمة السوداني

مسرحية - الثالوث - مسرحية من فصل واحد، من تأليف الشاعرة والكاتبة العراقية فليحه حسن .. تتحدث هذه المسرحية عن الاوضاع المزرية لمعاناة الانسان وصراعاته بين فضاء الحرية و دهليزالسجون المختلفة ، ذلك الانسان الذي خاض اهوال الازمات الكبيرة السياسية والفكرية والاجتماعية ، وتآلف مع اكثر المشاكل العصية عليه وعلى المجتمع ، ومع هذا نراه قد تعود على حجم الخسارات وثقلها، وقد انتج حلولا عديدة لبناء المجتمع من خلال التطور عبر المنظومة المعرفية والمنظومة الاجتماعية على مر التاريخ ومازال يطمح لذلك ايضا ليومنا هذا .
من عمق المأساة الانسانية تنطلق فليحة حسن من اعماق التاريخ السحيق حيث خسارات الانسان العراقي الكثيرة والتي مازالت ليومنا هذا تتدفق كالنهر الجارف بين وديان وسهول ..
سنحاول هنا تقديم مشهدا عاما يوضح اسلوب الكاتبة للمسرحية واستعدادها في تنمية قدراتها على تقديم ما هو رمزي وبلغة شعرية فيها البساطة والقوة والجمال لتشكل لنا ( لغة فنية او لوحة فنية ) مميزة لابد من التوقف على عتباتها لتشخيص ايقوناتها الثلاثة ( هي ---هو ---انا او الاخر )اي بمعنى اخر --الشخصيات-- التي التفت بشكل عمودي على محور -- فعل الهروب الى المجهول-- من خلال ذلك --الباب -- من دون ان تكون هناك خيارات اخرى ..
وقبل الخوض في تفاصيل المسرحية - النص الادبي المسرحي- لابد من الاشارة الى ان هناك تعاونا فنيا تم الاشتغال عليه من خلال ورشة عمل فنية اقيمت بين فليحه حسن والفنان المسرحي الدكتور اسعد راشد من اجل خلق صياغات متعدده لحالات التعبير والانفعال النفسي وانفعالات الوعي للافكار والاحداث التي جاءت في متن النص وهي تشكل خطوة اولى جديدة مشتركة بين الاثنين لتقديم ماهو اجمل واكثر متعة على اعتبار ان هذه المسرحية- الثالوث -هي مجموعة من انحيازات تبحث في-- المجهول في المستقبل-- وماوراء اسوار السجن-- وكذلك في السجن الكبيرايضا -- فالجميع يبحث عن الحرية والخلاص... لذلك جاء التعاون المشترك بينهما على النحو الذي جعل من فضاءات المسرحية مؤثرا تبعا للمناخ العام الذي يسود الان في المجتمع العراقي ، بالاضافة الى مضمون هذه المسرحية التي تنبع من مشاعر انسانية امسكت خيوطها الكاتبة بشكل محكم طارحة معها مجموعة من الاسئلة الفلسفية المحيرة اتي تبحث الجميع عن الاجابة الحقيقية عما يدور في الواقع العراقي ونصرته بعيدا عن الايمان بالقضاء والقدر.
و لابد ان نشير الى ان المسرحية تهتم - بحوار دقيق جدا وعميق - لحد ما اكسبها قوة ومهارة فنية مما يجعلنا ان نتمسك باحداثها بشكل او باخر لنهاية -الباب - او المطاف لكونها تصب في المألوف وغير المألوف من الاشياء في حياة الناس فالسجن والحرية والمصير والمستقبل المجهول والنهايات الأمنة ومفترق الطرق والعلاقات والصداقات كلها عناوين كبيرة ومسميات تدور في خلد الانسان الواعي المتعلم الذي يطمح لحياة جديدة تدور رحاها بين المألوف وغير المألوف وهي أخيرا تمثل دلالات واشارات .
الصور تكمل الحوار
مسرحية - الثالوث - من النصوص التي تساهم في الاطلاع على تكوينات الانسان وفي قدرته على ادراك الاشياء و تشكيلها حسب ثقافته وكيفية تعامله مع مفردات الحرية،السجن، الشك، الثقة، اليقين المفاجأة الى اخره.. وايضا ترمي الى سبر غور ذلك الانسان الباحث عن الحرية هروبا نحو عالم غير معروف او من خلال طرق مسدودة وترمي بذلك الى تحليل نفسيته وهو يفكر بالابتعاد عن الموت عبر (بوابة موصدة ) فيها سر الحياة ربما !! نحو فضاءات سليمة صحية خالية من اي تلوث يقمع الانسان، وتقدم لنا كيفية التعبير في حالات الانفعالات النفسية بالاضافة الى انفعال الوعي ،الذات المنفعلة المعبئة بالخوف والقلق والمصير المجهول ...
من هنا ينبع التقييم المختلف لهذا المستوى من - الكتابة المسرحية - لان فكرة العمل ثمينة وغنية و جيدة وبالتالي يستحق التوقف عندها و التقييم فيها .. وانا رأيت في ذلك نصا شيقا يحمل في دواخله لغة رشيقة وممشوقة حوارات مختزلة خالية من الاسترسال الطويل والسرد انما جاءت العبارات او الحوارات مختزلة تعبر عن فلسفة خاصة تنبع من قلب تلك الحوارات المنطلقة صوب فضاءات الحرية بحثا عن الحقيقة البعيدة المنال ...
ان هيكل المسرحية يعتمد على فكرة مهمة واصيلة هي فكرة البحث عن الحرية والهروب من اسوار السجن الكبير العالية .. وثمة فكرة اخرى نابعة من خيال متألق تعتمد على ( بوابة ) الخروج الى العالم الاخر غير المعروف ...ربما هناك من احداث متوقعة او غير المتوقعة في السلب او الايجاب هل تخرج (الشخصيات ) من هذا الباب لكي تموت ام تنجو.
وشخصيا انا قد عشت التجربة في سجن ابي غريب وتمت هناك عمليات هروب ناجحة واخرى غير ناجحة حيث وقع البعض من السجناء السياسين في قبضة العوائل المحيطة في هذا السجن (وهم من سكنة القرى المحيطة بالسجن والتي كانت تعمل مع السلطة انذاك) في السجن السيء الصيت وبالتالي سلموا جميعا الى فك السلطة المفترس المرعب انذاك ...
هذا ما استوقفني للاشارة الى هذا المقطع من هذا الحوار الانساني :
هو ـ (يخاطب قدميه الظاهرتين في الضوء) بسرعة.. بسرعة. لا تكلا. لا تتعبا. لن نسمح لهم ان يلحقون بنا . هيا ..
( يرتطم رأسه باحدى وجوه الباب .. يرتفع خيط الضوء حتى رأس الـ هو )
آخ ماهذا ؟ من أين أتى..؟ ماذا يعني هذا ؟ بأي اتجاه أسير؟ ِلمَ وضع هذا هنا ؟ ( يحاول اكتشاف المكان ويدور حول نفسه )
اللعنة لم أنا هنا؟ لم ؟
( يقترب من الباب رويدا. ويهمسه أنينه)
أبعد كل هذه الطرق التي عبدت بالمخاطر تكون نهاية المنتهى؟ ابعد كل هذه العناءات والعرق المتصبب وتشقق الأقدام تكون أنت نهايتي؟ اللعنة! اللعنة ! ...
(يصرخ بفزع ويضم قبضته ضاربا الباب بعنف وهو يصيح)
من أين لي بفأسك يا كلكامش؟؛ ما أحوجني الآن الى قبضتك يا انكيدو؟؛ من أين؟ من أين؟
( يتهالك ساقطا على الأرض، يسحب نفسه ويقرفص أقدامه، ويحدق بصمت على طول خيط الضوء)

الهدف في فلسفة النص :
ان الهدف في النص الادبي ( النص المسرحي ) جاء ليعبر عن معالجة الهروب الانساني للبشر من جحيم السجون والحريات المخنوقة المختلفة او الى ضيق الحريات في المجتمع العراقي بشكل خصوصا، وبالتالي يقودنا النص الى التعبير عن الصدق الفني في الاحساس لمحكاة - للحياة - ... على اعتبار الفن هو عملية خلق جديدة وليس هو نقل للواقع وما هو موجود على الارض يتم نقله الى المسرح لان الخطوات المرسومة في ثنايا النص والارشادات التي ستلحقه من رؤيا اخراجية ستجعله نصا محكما للغاية.. لان النص يحمل في خطابه المعنوي صور مرئية بصرية حولت الحوارات المتضمنه الشعور بالخوف والقلق الى منظومة صورية يكمن فيها التجلي في تقديم تلك الاهداف في قيمة العرض المسرحي حين تقديمه على خشبة المسرح .. واعتقد ان الكاتبة اعتمدت للنص هذا الهيكل الذي نسجت عليه نظرتها الفلسفية واعطت لنا ثلاثة نماذج انسانية هاربة صوب الحرية ( هو ...هي ..انا او الاخر ) ولكل واحد من هذه النماذج طبيعة بشرية مختلفة عن الاخر.ونموذج مختلف، تعرفنا عليه من خلال طروحاته في حل الازمة المثارة بينهم، فمرة يجتمعون على ان يتفقوا ومرة اخرى يجتمعون على ان يختلفوا وهذا هو حال الامة بكاملها ... شخصيات لونها الهروب من السجن لانها تعيش حرمان الحرية وتبحث عن مخلص لحياتها ...
المسرحية تحمل رؤية بنيت عليها موضوعا عاما يتعلق بالحرية وليس خاصا.. انه مهما جدا في حياة الشعوب ... المسرحية محملة باشارات ودلالات وايحاءات مختلفة ومتنوعة لتفسير ظاهرة الهروب صوب المجهول مع التفكير بالجانب المشرق صوب الحرية، وهنا عملية خلق من نوع خاص هو البحث عن ماهو موجود وتحويله الى فكرة جديده لذلك الجميع كان متفق على ان يتحرك صوب الباب وفتحها او التحرك يمينا او يسارا ، ان الشخصيات الثلاث والحدث - القاسم المشترك - الذي ساهم في تكوين الفعل الدرامي لها ، جعلها تحتوي على مقومات بنائها الدرامي في استقلال هذه الشخصيات عن بعضها البعض وبالتالي بكل شخصية تصدر عنها افعال خاصة بها واقصد (فعلها الدرامي )...
بمعنى اخر لقد راينا على الورق كيف ترسم هذه الشخصيات افعالها وتشكل لها مدارات انسانية وتحكمها علاقات مختلفه ببعضها البعض فالكل خائف من الكل والكل له الشكوك في الاخر ولحين الوصول الى يقين واحد يجعلهم في ضفة واحدة بعيدا عن مخاطر الجحيم والسجن يحتاج عنصر الزمن .والزمن لاندركه لاسباب كثيرة. فنحن نرى هذه الشخصيات في صراع دائم بين الاتفاق والاختلاف في المشاركة او عدم المشاركة لفتح البوابة الموصدة بسبب عدم معرفة او جهل كل طرف بالاخر او جهل العلاقة بين الجميع وهنا حينما نراقب هذه الشخصية التي تعبر عن نفسها وخوالجها بألم وحيرة ... فهي تحاول الخروج من هذه البوابة الى طريق مجهول ولاتعرف اين المصير ..بعدما خسرت كل الاشياء ...كما سنقدمه في هذا الحوار :
هي - كنت قبله وحدي
لا مقياس لدي، لا امتداد لحلمي
كنت أكل وأنام واصمت.
جاء...رأيته ...أشار بيده أن كوني
فكنت. فتاة بأحلام منتقاة
صارت عيناه بقائي على قيد الحلم
عشت على غيمة وطفاء، واثبت لي إن في الفرح متسعا
ابتسم فأولدني وأغمضت روحي إلا عن التكهن بما سيصير
وسألت بصّارة الحي ورودها الجواب في الهزيع الأخير
وقبل بسملة حلمي الأخضر
التصق الدم بالخناجر والظل بالحناجر
وأوت النساء الى البيوت الكالحة
وخلع الذئب وجهه فصار مدينة
وأنا في آخر سجدة لملاك تكويني
ارتعشتْ أيامي وهربتْ مني الألوان
لتترك روحي بوتقة سوداء تصيح: آه من أين لي بكَ الآن
كي أقيم عليكَ حداداً احمر؟؟؟؟؟
ان الصراع الدائم في هذا النص المسرحي الفني المؤثر بايحاءاته هو الذي يعتبر الاساسي في هذه الحوارات لان الشخصيات من شكلها وهيكلها هي شخصيات طيبة مسالمة هاربة من الجحيم السجن الكبير صوب الحرية عبر منفذ واحد موصد .. لايمكن اختراقه وهنا اشارات مهمة في فلسفة الحوار على اعتبار هو واقع حال موجود على الارض وهذا ما ارادت الكاتبه ان تعبر عنه
وحدة الموضوع :
اما في وحدة الموضوع ...رأيت نصا ادبيا يمتلك وحدة عضوية متكاملة .. واقصد هنا وحدة الحدث ترابط الافعال والاحداث عبر اسلوبية الحوار المتألق والمتصاعد نحو الاعلى في قيمة الحدث والفعل وتطورهما اللاحق في البحث عن فكرة الحرية والخلاص من فكرة السجن والاحباط. بالاضافة الى (وحدة الثيمة ) التي تعتبر هي وحدة الاحساس بالشخصيات والتي تشكل الخطوط العريضة للحدث من - فكرة - الى شعر - الى ايحاء- الى شيء غير مباشر- كذلك هناك تصوير (للتوقع غير المعروف ) وهو يحمل جانبا من التشويق، وبالتالي هذه الثيمة تجعلنا ان نغوص في اعماق هذه الشخصيات المتعدده والمختلفه التفكير، بسبب مهم هو ان نبض الحياة اليومية الذي يتمركز في (الجانب الفلسفي والفكري ) لمحتوى هذا النص الذي يتناول فيه البحث عن الفردوس ( الحرية ) عبر بوابات مغلقه وربما( وهمية ) حتى اذا فتحت ، كحاصل تحصيل .. فالقضية هي تنحصر تماما في الهروب من اشكال ومحتويات (السجن ) و الغاية من ذلك الوصول الى عالم خال من هذه البوابات والممنوعات الى افق رحيب الى بر الامان.
فبعدما تتفق الشخصيات الثلاث ( هي ... هو .... الاخر او انا ...) على الانفصال والانطلاق الى عالم مجهول لم تحدد مصائرهم بعد .. علما انهم يعلمون ان السجون تبنى في نهايات امنه .. تتكسر صداقتهم عند مفترق الطرق ثم ينطلقون في ثلاث اتجاهات مختلفة .... وبعد حين يرجع كل واحد منهم الى النقطة نفسها التي انطلق منها ....وهنا في هذا الحوار نتعرف على قيمة الهم الانساني في زحمة الصراع مع النفس في الانعتاق والتحرر امام العودة الى ما هو مظلم ومأساوي والوصول الى نقطة العودة .... كما في هذا الحوار :
الأخر ـ أنتما ثانية؟ أنتما؟ ِلمَ لم ترحلان؟ ( ثم ينتبه) ولكني أنا من ترككما. لماذا أعود إليكما َِلمَ لا تجيبوا؟ والباب. ِلمَ هو أول طرقي وأخرها؟؟ تناءيتُ عنه بطريق آخر. قلتُ ستكون لي الصحراء مأوى. ولم آبه لأكف رمالها المتجهة صوبي. قلت يا صحراء خذيني أبناً باراً لهجيرك وجنيناً يلتم في رحم ٍ لا تخلو من غيره. صرختُ: أمي أمي صحرائي ....أنا قادم اقتربي ضميني إليكِ . ( الى الباب) فلِمَ أجدكَ أمامي ؟ تنغلق عن حضن أمي الرملي وقد تحولتْ روحي الى مسام ؟ (الى الـ هي) من أنتِ؟ لم تلاحقيني؟ (الى الـ هو) وأنتَ أليسَ لك غيري تطارده (وللاثنين ) ِلمَ علي ّ أن أجدكما في كل مكان ؟
وهذا الموقف في حقيقة الامر يكون مثار للعواطف الانسانية وبطبيعة الحال يؤثر في النفوس البشرية من اجل ممارسة عملية تطهير ذاتي لكل انسان مر في مثل هذه التجارب المؤلمة ونعتبرها عملية استيعاب وتفريغ ..ثم العودة من جديد ( النقطة البداية ) ولابد من ان يكون هناك موقف انساني شريف في اختيار نقطة لبداية الانطلاق والخروج من الازمة وهذا ما جاء عبر مواقف دراميه للشخصيات التي تأزمت في لحظات النقاش الذي حصل فيما بينها والذي يعتبر نوع من انواع الصراع الحقيقي لان النص المسرحي هذا هو تعبير عن مواقف متأزمة تحكى لنا على مايدور في الواقع الحالي من اجل الوصول الى الحقيقة ...
ان فليحة حسن بلورت هنا الشخصيات التي تعبر عن فكرها هي .. وما تشعر به وما يحيط بها من اسوار كبيرة تشكل لها سجنا حقيقيا .. فنقرأها كيف كتبت و رسمت تلك الخطوط التي يتعامل بها الانسان مع مفردات الحياة اليومية في ظل سخطه ويأسه وحرمانه وحتى من الاشياء التي لايدركها وما يتمناها ايضا ...لقد انتقل الصراع في المسرحية من خارج الانسان الى داخله اي بين عقله وعاطفته بين ماهو مسموح وماهو ممنوع وهذا ميزة من مميزات النص للكاتبة على اعتبار ان الشاعر لايجوز له ان يعبر عن فكرته الفلسفيه بشكل تقريري او مباشر انما تحول حركة النص وفعله بفضل الاشارات والصور الرمزيه التي تجمع بين الخاص والعام...
ومن جانب اخر رسمت لنا ايضا الكاتبة لوحة فنية جميلة صورت فيها الشخصيات وهم يعانون من فقدان الامل والحلم يعملون على ذاكرة اصابها الصدء يحاولون القيام بعملية موازنة بين حياتهم الحالية والقادمة ان نجوا من هذه -- البوابة اللعينة -- للبحث عن السعادة اوالبؤس او الحرية اوالسجن.. هؤلاء الثلاثة يحاكمون الواقع المؤلم المليء بالاضطراب وعدم الاستقرار بطريقة كشف النقاب عنها في الحوارات التي اجادت رسم خطوطها المبدعة والتي عبرت فيها ايضا عن قصور في معرفة الذات البشرية التي تسعى الى السعادة والحرية والاستقرار. كما هو اكتشاف لما يتضمن النص عبر تلك الصراعات الدراميه للشخصيات حول مفهوم الهروب من السجن --اي سجن -- لان المصدر هو البحث عن الحرية .. او الحرية نفسها بمسار متميز حيث يختلط ماهو اجتماعي وسياسي .....لنقف هنا ونقرا هذا الحوار :
هي ـ ياألهي كيف ؟ كيف سأهرب؟ أين سأذهب؟ لم هذا الباب هنا؟ من جعله نهاية طريقي؟ هل هو فخ؟ (تنتفض) نعم ، لابد من إنهم يعلمون بمروري من هنا؛ لابد إنهم من خطط لذلك. (بعد برهة تتنبه) ولكنهم لايعلمون بفراري أصلاً؟ لم أُعلم ولم يعلم احد بمروري في هذه الطريق؟
( تنتبه لوجود الـ هو الجالس القرفصاء. تخر هي الأخرى مقرفصة خائفه وتسأله دون ان تنظر اليه)
هي ـ من أنت؟ هل أنت منهم؟ لم جئت ورائي؟ انأ لم افعل شيئا؟ انأ .....
(يرفع الرجل رأسه وينظر إليها وهو يتكلم بهدوء )
هو ـ لا عليك لست منهم، أنا مثلك.
هي ـ (باندهاش) مثلي!؟
هو ـ نعم مثلك... لي ما اهرب منه، ومن يلاحقوني . لي ضياعي.
هي ـ (بتحفظ ) ملامحك تبدو مألوفة إليّ. وكأنني أعرفك؟
هو ـ ربما قد رأيتني في حلمك أو في مراياك أو في ما تركضين إليه؟
هي ـ ( بإصرار) ولكني أعرفك؟
هو ـ ومن منا لا يعرف الآخر؟ أنت و أنا نهرب من شيء و نصطدم بحقيقة واحدة؟
هي ـ ماذا أي حقيقة ؟
هو ـ (بغضب بادي) هل تتغافلين؟.. الباب. انظري إليه انظري؛ يقف حائلاً دون حريتنا،دون حياتنا. ما بك انظري افتحي عينيك أم .....انك لا تبصريه ؟
هي ـ (تتأوه) ما جدوى العين ؟ما جدوى النظر إذا لم يكن وسيلة للنجاة؟ هل ستساعدني عيوني في الخلاص من هنا ؟هذا الواقف هنا كالسد ؟
وفقت الكاتبة بعملية التوازن بفرض سيطرة خاصه بين التحليل النفسي والبناء الدرامي القائم على عملية الشك واليقين والمفاجأة ..بالاضافة الى المهارة التي اعتمدت فيها على البناء الفني لحركة الشخصيات وافعالها وكيفية التدرج في كشف دواخلهم في في منظومة علاقاتهم الغير مستقرة .
بالتالي ممكن القول الى ان النص محترف و غني ( مكتنز ) في تكويناته الفنية ولكونه هيكل تساهم في بنائه مفردات العمل جميعا، كما ويتحمل من العمل الكثير على تطويره ، وتطويع الافكار التي جاءت في هذا النص عبر منظومة السينوغرافيا المؤثرات الصوتية والديكور الملابس اللون الاضاءة ... الى اخر مكونات العرض المسرحي التي تقام على خشبة المسرح ...
كنت اتمنى ان تحدد الكاتبة نوع هذه الشخصيات وخلفياتها الثقافية والاجتماعية اي حياتهم الثانية لكي يتوضح لنا فهم حقيقة درجات الوعي وكيفية طرح الاسئلة عبر قضية الهروب من السجن الى فضاء الحرية واغناء الحلول لمثل هكذا قضية مهمة جدا في واقع الانسان. ومع هذا لايخفى علينا هناك براعة فنية في بناء هذه المسرحية التي هي من فصل واحد و التي خرجت من خيال واسع وخصب يبدو في ظاهره في ( البوابة ) بعيدا عن الحياة الانسانية ولكنه في واقع الحال يغوص في اعماق تلك الحياة ومتطلباتها عبر خيال وتأمل فكري عميق يحبس الانفعالات العاطفية ويترك لنا خيار الامور وتنصيبها حسب تجارب الاخرين ...
اتمنى للكاتبة والشاعرة فليحه حسن التوفيق وان يكون هذا العمل الخطوة الاولى نحو النجاح الدائم وكذلك لابد من الاشارة الى جهود الدكتور الفنان اسعد راشد في استنطاق هذا النص وتحريره من القيود متجها صوب فضاءات واسعة و الذي يستحق القرأة والتوقف عند عتباته المهمة جدا..
نعمة السوداني
ناقد فني هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو