الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الهولندية نزهة بين الزهور ..

جاسم المطير

2010 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الانتخابات الهولندية نزهة بين الزهور ..
يوم 9 – 6 – 2010 كان موعد الانتخابات البرلمانية في هولندا ، بلدي الثاني ، حيث لا يلامسني فيها أي خوف ولا أي شيء يمكن أن يؤذي ما أفكر وأؤمن به . رأسي دائما مرفوع إلى العلاء لأن كرامتي كمواطن هولندي محفوظة مهما كان رأيي في هذه القضية أو تلك . بل أنني أكون سعيدا جدا ، بوجودي داخل قاعة الانتخابات ، إذ في تلك اللحظات برهان على صدق الديمقراطية وعلى واقع أن الاختلاف السياسي لا يفتح هوة بيني وبين آخرين .
صلتي بكل انتخابات تجري ، هنا ، هي صلة حب قوية كصلتي مع أوراق كتب بلزاك وكارل ماركس ورجاء بن سلامة وادونيس وغيرهم من الكتاب . أتعلم من أيام الانتخابات أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى ، أولها وليس آخرها ، معرفة الفرق بين الانتخابات في وطني الأم (العراق) وبين وطني الحبيب (هولندا) وثانيها معرفة الفرق بين الإدارة الانتخابية الهولندية ، التي لا يحب أي عضو من أعضائها لا الظهور الانفجاري في الفضائيات ولا الظهور السريالي ، وبين المفوضية العليا المستقلة في العراق حيث تمردها الخالص على الديمقراطية وعلى المواطنين العراقيين . لا نجد ، عند المفوضية ومنها ، غير إثارة العواصف التلفزيونية بصرعات انتهى زمانها إلا عند بعضهم من قادتها منهم أمل البيرقدار وفرج الحيدري وحمدية الحسيني وقاسم العبودي الشاعر الذي نسى الشعر (خبزا ثقافيا) وانشغل بـ(قنابل) التصريحات الصحافية اليومية وغيرهم من رجال الشاشات الفضائية ومدمني الثرثرة فيها .
كنت قد أدليت بصوتي في صندوق انتخابات المجلس البلدي الهولندي يوم 3 – 7 – 2010 ، وبعد أربعة أيام أدليت بصوتي في الانتخابات العراقية البرلمانية ، حيث أدركت أن الفارق بين انتخابات البلدين ليس أربعة أيام ، كما يبدو للناظر في أجندة وتفاصيل العمليتين التصويتيتين ، بل الفرق الحقيقي يقارب ألف عام وربما أكثر .
إذا تسألني ، أيها القارئ العزيز ، كيف ..؟ أو إذا وجدتني مبالغا ، فأرجو أن تسمح لي بمواصلة الحديث معك كي استطيع تقديم الفكرة الحقيقية عن الفرق في ما واجهته يومي 3 اذار حيث (الانتخابات المحلية الهولندية) ويوم 7 آذار حيث (الانتخابات البرلمانية العراقية) هو أنني شعرت بالانتخابات الهولندية كأنني قضيت دقائق معدودة في نزهة لشراء زهرة ، بينما في الانتخابات العراقية قضيت وقتا حربيا استغرق بضعة ساعات . في الانتخابات الهولندية لم يتطلب مني ، كناخب هولندي ، أي جهد ، لا في الوقت ولا في الحركة ، لأن كل شيء كان مهيئا ً بكمال ٍ تام ولأن كل موظف انتخابي يبسط ذراعيه أمامك لمساعدتك إن كنت بحاجة إليها أو لم تكن فهم جميعا ملائكة في خدمتك . أما الانتخابات العراقية ، التي أجريت في مدينة (اوترخت) الهولندية العصرية الجميلة في الأيام 5 و 6 و 7 – 3 – 2010 فقد وجدت نفسي عند الإدلاء بصوتي أنني في صحراء عراقية موحشة بسبب العادات البالية التي تمسكتْ بها هيئة مرسلة من المفوضية العليا للانتخابات برئاسة وائل الوائلي الذي جاء من بغداد إلى لاهاي وهو لا يريد استيعاب الفرق بينهما ولا الفرق بين أساليب العمل وأفكارها بين بلد متخلف إلى الحد الأقصى وبلد متقدم إلى ما يقارب الحد الأقصى .
في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 9 – 3 زارني الصديق العزيز المهندس عباس ناجي لمصاحبتي إلى محطة الانتخابات القريبة من بيتي حيث يصعب عليّ الذهاب إليها ، وحدي ، بسبب وضعي الصحي المعيق لحركتي إلا على كرسي متحرك بعد أن قررت زوجتي ملك مرتضى حسين التصويت بعد ظهر اليوم نفسه حين عودتها من مشغل السيراميك إذ كنت معتادا على الذهاب معها إلى كل انتخابات هولندية . أثناء الاستعداد للذهاب رن جرس الهاتف . كان في الطرف الآخر الصديق الشاعر المخرج السينمائي حميد حداد فتم الاتفاق بالذهاب معا بصحبة كاميرته السينمائية إلى المحطة الانتخابية الأقرب إلى بيتي .
كان يومنا هذا يوما عذبا ضربتْ جذوره نسمات هواء منعشة منحتني قوة جديدة لمستها حال خروجنا من باب البيت . كان الشارع الممتد أمامنا من البيت إلى (المحطة الانتخابية) محاطا بالزهور والأشجار الربيعية المزهرة على جانبيه . بكل هينة ويسر دخلنا إلى قاعة التصويت . لا فوضى ولا ازدحام . لا تسمع صوتا ، لا صراخا ولا توجيها كما في القاعات العراقية. كل الطريق إلى الدخول مؤشر بعلامات بسيطة وكل شخص موجود داخل القاعة ملتزم بواجب معين . وقفنا أمام المنصة . عرض كل واحد منا جنسيته الهولندية ، ثم بطاقته الانتخابية ، التي كانت قد وصلتنا قبل أسبوعين . دققها أحد خمسة أشخاص جالسين وراء مناضد ، ثلاثة رجال وامرأتين . كان نصيبي مراجعة شابة في العشرينات لا يقل لقبها عن ملكة جمال لو شغفت إرادتها ذات يوم بالدخول إلى أية مسابقة جمالية هولندية . دققتْ البطاقة والجنسية خلال 10 ثوان ٍ وأعطتني ورقة الانتخاب بدلا من بطاقتي التي أبقتها وهي نفس بطاقة حق الانتخاب الواصلة لي بالبريد . عندها ذهبت إلى غرفة التصويت السري فأدليت بصوتي تأشيرا بالقلم الأحمر على الحزب رقم 3 وعلى اسم زعيمه الرقم الأول من دون أن يؤشر لي أحد بالحبر البنفسجي على أي أصبع من أصابعي . حين أنهيت التصويت كان الصديقان عباس وحميد قد انهيا ليس فقط الإدلاء بصوتيهما ، بل بتصويري خطوة خطوة بينما كانت على وجوه الإداريين الخمسة ابتسامة صامتة وعلى وجوه الناخبين الآخرين لاحظت ابتسامات يقظى وهم يحيونا بكلمة (مرحبا) .
انهينا عملنا (واجبنا) بعد أن قضينا 7 دقائق فقط في فضاء انتخابي يضوع أريجا عذبا من بيتي إلى قاعة التصويت ومن قاعة التصويت إلى البيت ثانية . لم نصدق ونحن الثلاثة نفتح عيوننا على ساعات أيدينا .. هل يعقل أن لا يستغرق تصويتنا وانتقالنا من البيت وعودتنا إليه غير سبعة دقائق ..؟
في الحال تبادر إلى ذهننا الطريقة الشاقة ، الطويلة ، القاسية ، التي ابتدعتها بعثة المفوضية الانتخابية العراقية التي جاءت إلى هولندا في شباط الماضي لقيادة انتخابات الجالية العراقية في 7 اذار . ربما كانت هذه البعثة قد بذلت جهدا كبيرا في الاستعداد والتحضير لانجاز مهمتها لكن لم يرمقها احد بالإعجاب أو التأييد . كل الأساليب التي اعتمدتها في ذلك (الجهد) كانت معتمدة على تفكير جامد وعلى أساليب انتخابية ساذجة ، ليس فيها أي شكل من أشكال التنظيم والنظام والروح العصرية حيث الطابور العراقي الخاضع للتفتيش والتصويت بأيام 5 و 6 و 7 من شهر اذار بأسلوب عراقي غاية في الفوضى والإرهاق . لا ادري هل هذا الذي رأيناه في سذاجة المفوضين الموفدين إلى هولندا هو نفسه الموجود في كل هيكلية المفوضية الانتخابية داخل العراق..؟ إذا كان الجواب بنعم ، فأنني لست على خطأ بأن يوم الانتخابات العراقية هو يوم (مقاومة التخلف) من دون جدوى ومن دون القدرة على (تحرير) المهارة الانتخابية ..!
أولا قرر وفد المفوضية العليا أن يكون في هولندا مركز انتخابي (واحد) في مدينة اوترخت وسط هولندا ، رغم وجود جالية عراقية عددها يزيد على الخمسين ألف منتشرة في كل المدن الهولندية . لقد اجتهد المسئولون عن الانتخابات العراقية لتقليل المصاريف ، كما يبدو ، فجعلوا المركز الواحد ليس فقط لعراقيي هولندا بل جعلوه للجالية العراقية في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وايطاليا فتحول مركز الانتخاب إلى ( فوضى ما بعدها من فوضى ) وامتزج فيها إيقاع الشكاوى واللعنات والسباب على المفوضية التي نظمت الانتخابات العراقية في هولندا بأساليب غوغائية كان من مظاهرها بقاء الناخبين العراقيين تحت البرد القارس وزخات المطر بانتظار دورهم في الدخول إلى القاعة.
أي عبث انتخابي هذا ونحن نعيش مطلع القرن الحادي والعشرين ..؟
أي عبث بالمال العام المنهوب من استحقاق الفقراء العراقيين ..؟
أي عبث هذا بجهد الدولة والموظفين ..؟
سأسلط الضوء على أنواع (العبث الانتخابي العراقي) بمقالة لاحقة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 13 – 6 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حمدية ام اللبن صارت سياسية
محمود ( 2010 / 6 / 13 - 10:39 )
تحية للاستاذ جاسم المطير المحترم وعائلته الكريمه المحترمة ومتمنيا لك دوام الصحه ليبقى قلمك وكلماتك طلقات مدوية وليس كاتم صوت ضد الانتهازيين والمزورين والسراق
وراودني سؤال لماذا نحترم الاستاذ جاسم المطير والاستاذ كاظم حبيب وعشرات الكتاب بالرغم من عدم معرفتنا الشخصية بهم اليس لان قلمهم واضح ومبدئي ولصالح الشعب
ولماذا لا نحترم السياسيين امثال جلال الصغير عبد العزيز 97 مليار المالكي علاوي هادي العامري وفرج الحيدري ومن لف حوله من اعضاء المفوضية اللامحترمة للانتخابات رغم عدم معرفتنا الشخصية بهم اليس انهم هم لم يحترموا انفسهم لقد غشوا الشعب وزوروا الانتخابات وسرقوا المال وسرقوا الاصوات وقتلوا العراقيين وتاجروا بالحشيش وسرقوا الخطوط الجوية العراقية وكل الصفات السيئة تطاردهم وتطارد عوائلهم واطفالهم
وتحية للاستاذ جاسم المطير


2 - كيف اصوت في فرنسا
مالك الجبوري ( 2010 / 6 / 13 - 13:30 )
السيد الفاضل جاسم المطير عندما اذهب للتصويت هنا في فرنسا لا يطلب مني سوى البطاقة الانتخابية التي لا تحمل صورتي علما بانني لا اعرف اي شخص من المشرفين في القاعة ويعني بان لاتطلب مني حتى هويتي مع تحياتي


3 - الانتخابات
مالك ( 2010 / 6 / 13 - 19:21 )
عندما ناقشت هذا الموضوع مع مجموعه من العراقيين كان الجواب انه من الظلم مقارنه انتخابات العراق مع الانتخابات في بريطانيا او هولندا او السويد لان الناس هناك تربوا علي الديمقراطيه من نعومه اظفارهم
مع ذلك يبقى السؤال لماذا لا نستفيد من تجارب الدول الاخرى ليس في موضوع الانتخابات فقط بل في كافه المجالات يجب ان نقولها بصراحه العراق ليس به كفاءات والعالم تطور بسرعه في العشر سنوات الاخيره في الطب والعلوم والتكنلوجيا والاتصالات بينما نحن مشغولين بالصراع الطائفي والعطل والزيارات يجب مواجهه الحقيقه ليس هناك كهرباء ولا ماء ولا شوارع ولا بيوت من غير الاعتماد علي الدول المتقدمه وليس الدول العربيه والمجاوره كمصر او ايران او حتي الدول الخليجيه لانها نفسها بنيت بخبرات اوربيه انا لا افهم لماذا يتركون الشركات السويديه او الهولنديه ويذهبون للتعاقد مع شركات عربيه او ايرانيه وعوده علي موضوع الانتخابات اللتي كلفت العراقيين مليارات الدولارات لماذا لم يستفيدوا من تجربه هولندا مثلا علما ان اغلب المسؤولين كانوا يعيشون هناك او في برطانيا ودول اخرى


4 - عيد ميلادي
محمد الرديني ( 2010 / 6 / 14 - 21:19 )
قد لاتصدقني ياخوية جاسم بس الحف لك، كلما يسألني شخص كم عمرك اجيب عمري 13 سنة واعرف انه يتعجب اي 13 سنة وهذا الشيب يغطي الراس ولكني اقول له مسرعا : لقد انتخبت لاول مرة في حياتي قبل 13 سنة افلا يحق لي وانا امارس حقا انسانيا ان تكون سنوات عمري وعددها مرتبط باغلى واهم حدث في حياتي؟؟
مرة اخرى اثرت المواجع يا صديقي المعتق

اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة