الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة بوابة لتحولات إقليمية جديدة

معتز حيسو

2010 / 6 / 14
القضية الفلسطينية


فلسطين لم يهجرها خيال المواطن العربي وذاكرته، فهي مقيمة في ضميره ووجدانه، وحلم استعادتها ما برح يوماً تفكيره، رغم محاولات النظام العربي الرسمي جعلها شأناً فلسطينياً، لكنها تأبى أن تكون إلا قضيته المركزية والمحورية، وإعلانها دولة ديمقراطية علمانية على كامل ترابها، لا بد أن يمر من بوابة التضامن العربي ووحدته على قاعدة التحول الديمقراطي.
وإن أُبعد المواطن العربي عن ساحة الفعل والفاعلية، إلا أنه وفي لحظات التأزم يعود بعزيمة الثائر المتوج بحلم الانتصار، حلماً تسوره القيود والحدود ...لتنتقل قضية العرب لساحات التناقض والتجاذب الإقليمي، وتتحول دول العرب ظلالاً لمشاريع إقليمية ودولية تحاول رسم معالم المنطقة وجغرافيتها السياسية بما يخدم مشاريعها السياسية، لتتحول منطقتنا العربية في ظل الضعف والتراجع الرسمي إلى حقل صراع لمشاريع السيطرة والهيمنة الإقليمية والدولية، وإلى أصداء صوتية.
لكن ورغم أهمية الطابع الديني للقضية الفلسطينية،و ما يمثله في الوجدان العربي / الشعبي، إلا أن كلا الطرفان الإيراني والتركي يعملان على توظيفه واستثماره، لأسباب تبتعد أو تقترب من جوهر ومضمون القضية الفلسطينية التي تبقى في العمق إشكالية سياسية. والابتعاد عن مضمون وجوهر الصراع العربي الإسرائيلي السياسي وإلباسه لبوساً دينياً يصب في نهاية المطاف فيما تذهب إليه بعض القوى الإقليمية والدولية التي تحاول الابتعاد عن كنه الصراع ومضمونه. وهذا ما يريده اليمين الديني المتطرف في إسرائيل، ويتقاطع مع ميوله في تهويد فلسطين. أي تحويل الصراع لصراع ديني. مما يحوّل الأنظار عن جوهر المشروع الصهيوني السياسي والطبقي والاستيطاني، الذي يتشكل ككيان وظيفي في سياق علاقة عضوية و ارتباط بنيوي مع المشروع الأمريكي الإمبريالي في المنطقة.
لذلك لا يبدو غريباً اشتغال القيادات الإسرائيلية الدينية المتطرفة على تحويل الكيان الإسرائيلي لدولة يهودية، مما يزيد ويعمّق البعد الديني لشكل تناقضها مع الفلسطينيين والعرب، وهذا بحد ذاته تعبيراً عن الميل العام للمشروع الأمريكي الذي يعمل على إظهار الصراع الدائر في المنطقة بمظهر صراع ديني ومذهبي وطائفي، ليتجلى هذا التحول على أنه صراع بين اليهود والمسلمين، ليغيب جراء هذا جوهر القضية بكونها صراع وجود وليس صراع حدود، وهنا مكمن الخطورة.
ورغم التناقض الظاهري والشكلي بين القيادتين الأمريكية و الإسرائيلية بفعل تحول السياسات الإسرائيلية العنصرية المتعنتة والمتجاوزة لكافة القوانين والأعراف الدولية لعبء حقيقي على أمريكا ، إلا أن هذا لا يقلل من تصميم أصحاب القرار الأمريكيين وجماعات الضغط اليهودية ( إيباك..) على فرض مشروعها على المنطقة العربية من بوابة المصالح الإسرائيلية، أي فرض خارطة سياسية إقليمية تمكّن بقاء الكيان الإسرائيلي كقوة إقليمية مسيطرة.
وإذا فشلت إيران في قيادة العرب خلف مشروعها المعادي لإسرائيل، فإن تركيا قد تنجح بذلك ،في سياق عملها على استعادة دورها التاريخي >>الخلافة الدينية،سواء كان شكلها الديني معتدلاً أو متطرفاً<< على قاعدة الضعف العربي المنقسم بين المشروعين الإيراني والتركي، إضافة إلى المشروع الأمريكي بكونه المشروع الرئيس.
لكن ما نقوله يجب ألا يقلل من أهمية التعاون الدولي لرفع الحصار عن شعب غزة، الذي يعيش مأساة إنسانية كخطوة أولى يفترض أن تكون بداية لحل القضية الفلسطينية بشكل كامل، لكن الضعف العربي الرسمي وتقييده لأي تحرك شعبي، وتعلّقه بما يطرح من مشاريع إقليمية ودولية تزيد من حدة التبعية والتنابذ العربي البيني، هو ما يستدعينا للتنويه لمخاطر هذه المشاريع التي باتت آفاقها شبه واضحة. والخلافات الجزئية بين كلا المشروعين الإيراني والتركي مع الدور الأمريكي في المنطقة، يجب ألا ينسينا مستوى التعاون الاستراتيجي بين هذه الأطراف. ويجب ألا ننسى مستوى العلاقة والتنسيق بين القيادة التركية وإسرائيل من جهة وبينها وبين الأمريكان من جهة ثانية، إضافة لكونها أحد دول الناتو، وما زالت تحتل لواء اسكندرون. أما في العراق فإن إيران تسعى بشكل واضح لبسط نفوذها من خلال ترتيب الأوراق السياسية بما يتلاءم مع توجهاتها السياسية وبما يخدم مصالحها الحيوية، وتدخلها العسكري المتكرر في عدد من المناطق العراقية، وهذا ليس بعيداً عن أنظار القيادة الأمريكية، إضافة لشكل علاقتها مع الأهوازيين وعملها على تغييب هويتهم السياسية والقومية، إضافة لاستمرار احتلالها لجّزر الثلاث،.. . وكلا الطرفين التركي والإيراني يتقاطعان في قمع الأكراد.
لذلك نرى بأن المنطقة العربية تتنازعها مشاريع إقليمية ودولية تزيد حدة الاستقطاب والاستتباع. وجميع الدول صاحبة هذه المشاريع تسعى للعمل على قيادة دول المنطقة في سياق زيادة ثقلها الإقليمي والدولي. بالتالي فإن الخاسر الأكبر والأبرز منها هو الإنسان العربي،نتيجة لتّناقض والتّنابذ والتّجاذب الذي يسيطر على دول المنطقة، والذي يتقاطع مع هيمنة نظم شمولية تقوم على قمع شعوبها، وقمع أي مبادرة شعبية مستقلة. وما القضية الفلسطينية أو فك الحصار عن شعب غزة رغم أهميته إلا مدخلاً لتنفيذ هذه المشاريع التي تندرج في عمقها الإستراتيجي مع السياسية الأمريكية التي تقع في حقل التناقض مع مصالح المواطن العربي. لكن يبقى مصدر الخطورة في الأشكال المقدمة لحل القضية الفلسطينية، أو لفك الحصار عن شعب غزة،هو إبراز الصراع العربي الإسرائيلي على أنه صراعاً دينياً، وهذا ما يعطي المشروعية لدول الجوار من ركوب موجة الصراع كمدخل لفرض سيطرتها على المنطقة في سياق تشكيل تحالفات إقليمية جديدة،أمام تزايد حدة الضغوط الدولية، وتحديداً الأمريكية. وجملة ما أوردناه يستدعي التأكيد على أن المدخل لحل التناقضات السائدة في المنطقة يمر بالضرورة من بوابة استنهاض المجتمعات العربية والتأسيس لنظم ديمقراطية تقود مشروعها التنموي الذي يشكل البداية الموضوعية لحل كافة التناقضات والصراعات على أساس صياغة مشروع عربي نهضوي، وإلا فإن مستقبل العرب سيكون خارج التاريخ والجغرافية، وهذا ما لا نتمناه، وندعو لتجاوزه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران