الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنسنة الجنس في التصور الإسلامي

محمد قانصو

2010 / 6 / 14
العلاقات الجنسية والاسرية



إعتُبر الكلام عن الجنس أو في الجنس حتى زمن قريب كلاماً في الممنوع أو خوضاً في المحذور, والمؤسف أنَّ البعض إعتبر البحث في هذا الجانب اللصيق بالتكوين البشري خدشاً للحياء ومنافاةً للعفة , وبقي الوضع على حاله إلى أن غزانا الغرب بالتكنولوجيا الحديثة ووسائل العرض التي حملت لنا إباحية مبتذلة لم تشهد لها مجتمعاتنا مثيلاً فيما مضى , وأصبحنا نشهد المعرفة الجنسية بمتناول الجميع صغاراً وكباراً وبأيسر الطرق وأقلّ الإمكانات , فمع انتشار الفضائيات والإنترنت وغيرها لم يعد متعسّراً أن نعرف كلّ شيء عن الجنس سواء ما صح منه أو فسد , وفي المحصّلة وصلنا جميعاً إلى اقتناع أنّ الحديث عن الجنس لم يعد محرَماً أو ممنوعاً ـ إن لم نقل واجباً وضرورياً ـ في زمن سقطت فيه المحرمات والممنوعات.
لم يهمل الإسلام الجنس ولم ينظر إليه نظرةً دونية , ولم يرَ فيه تدنيساً للجسد, أو حائلاً في طريق السير والسلوك الى الله, ولم يعتبر الحديث عنه إثماً, كيف؟ وقد سمى العلاقة الزوجية التي هي كلٌّ باسم النكاح الذي هو خصوص العلاقة الجنسية الحميمة بين الزوجين, ولم يدع القرآن الكريم في آياته إلى الرهبانية وتجاهل حاجات الجسد, بل على العكس من ذلك فإننا نجد في آياته تنديداً بالرهبانية من جهة, ودعوةً إلى الإستجابة لنداءات الجسد بالطرق المشروعة من جهة أخرى :" ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد27, وبالنظر إلى السنن الإسلامية فإننا نجد حثّاً على التزاوج والتكاثر فقد ورد في الحديث عن النبي (ص) : "تزوجوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ".
ولم يقف الإسلام عند حدِّ التبنّي والتشجيع على إشباع غريزة الجنس كحاجة فطرية جبل عليها الإنسان وهي لازمة كغيرها من الحاجات كالطعام والشراب وو.. , وإنما قدّم رؤيته المتقدمة لهذه الغريزة فدعا إلى أنسنتها وإبعادها عن المادّية التي تنحدر بها إلى البهيمية الرخيصة .
لقد إعتبر الإسلام مشاعة الجنس إحتقاراً له, ومن هنا نراه يحرّم العلاقات الجنسية خارج الدائرة المحكومة لضوابط والتزامات أخلاقية , كذلك فقد دعا إلى احترام خصوصية الجسد وحرّم انتهاكه والإعتداء عليه ,وقد سنَّ لهذه الغاية التشريعات القضائية الرادعة , كما نبّه إلى ضرورة التعاطي مع الإنسان باعتباره قيمة معنوية مع ما يمتلكه من جمال بنيوي , ولم يجعل الأصالة للجسد وإنما جعلها للروح , حتى لا يكون الجسد هو الغاية التي تنتهي إليها المقاصد وتختصر امامها المسافات .
ولو أمعنا النظر فيما تبنّاه الإسلام في هذا الخصوص لأدركنا البعد الإنساني الذي ينطلق منه, فهو يعتبر الجنس حقّاً مشتركا بين الرجل والمرأة يجب على كلا الطرفين إحترامه إلا في الحالات التي تتعذرعندها الاستجابة , لعذر مرضيّ أو نفسيّ ملحّ , كما أكّد على أهمية صباغة هذه العلاقة بصبغة المشاعر الرقيقة التي تجعل منه مصداقاً حقيقياً للتسمية الشائعة :" ممارسة الحب " , فتجريد الجنس من مشاعر المحبة والطهارة الروحية والإقبال العاطفي اتجاه الأخر يفرغ العلاقة الجنسية من محتواها الانساني .
وقد حذّر الإسلام من الأنانية التي ينطلق من خلالها أحد الطرفين في إشباع حاجاته دون الإلتفات للشريك, والتجاهل التام لحقّه في الإشباع المماثل , ما يعقّد العلاقة ويصيبها بالفتور والفشل , ويجعل منها سببا للبغضاء والتباعد ومبعثا للكراهية والنفور .
وربما يسأل البعض عن موقف الإسلام من المحدثات الدخيلة على العلاقة الجنسية والتي فرضها تغيّر العصور, ويظن البعض أنها تساهم في استمرارية العلاقة والإبتعاد بها عن الروتينية والفتور, وبكلمة مختصرة فإنَّ الإسلام لا يرفض أيَّ وسيلة أو أسلوب يهدف إلى إستمرارية اللقاء الحميم ونجاحه , ويجعل منه أكثر إنسانية وجمالية , إلا أنَّه في الوقت عينه يرفض رفضاً قاطعاً كل ما من شأنه أن يحوّل هذه الرغبة النظيفة إلى شذوذٍ قبيحٍ والتقاء حيواني مفرغ من القيمة السامية , ولهذا فإنّ الابتذال القذر والعنف الجنسي الذي يمكن أن نسميه إغتصاباً زوجياً , ومشاهدة الأفلام الرخيصة وغيرها محرّمة من جانب التشريع الفقهي الإسلامي .
إنّ الحاجة إلى ثقافة جنسية أمر ضروري لا يقل أهمية عن غيره من الجوانب التي تضمن إستمرارية الحياة الزوجية , ولا يجوز النظر إليه بازدراء , خصوصاً عندما نعرف أن عدم التوافق المؤدي إلى الطلاق وهدم الكيان الأسري مردّه أحياناً الى الفشل في فهم ضوابط وأسس العلاقات الجنسية .
من هنا ينبغي تعميم ثقافة المعرفة لتدخل إلى هذه الدائرة علّها تبعث فيها روحاً جديدة ولا يتأتّى ذلك إلا بالإعتماد على الكتب والمراجع العلمية واستشارة المتخصصين في هذا المجال , وحذار من اعتماد المصادر اللاعلمية التي لا تنسجم مع تعاليمنا الدينية وثقافتنا المجتمعية وأعرافنا المحافظة ..

الشيخ محمد قانصو
كاتب وباحث لبناني
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قولوا الحقيقة
hamed ( 2010 / 6 / 14 - 17:24 )
كاتب المقال يعتبر ويعتقد أن القراء ما زالوا يعيشون فى زمن الجاهلية الإسلامية وعصور النفاق التى لا وجود لها فى عصرنا الحديث وكثرة أدوات البحث والمعرفة .
إن القارئ لا يكتفى بما يقوله أى كاتب ، لكنه يقرأ كل ما يتيحه له الأنترنت من موضوعات ومقالات ويقارن فيما بينها ، لأنه قارئ أذكى من أجداده الذين لم يعيشوا ليروا نور الأنترنت.
لذلك فإن قيام الكاتب بتحسين صورة الإسلام بكلمات بلاغية لا أعتقد أنها ستقنع إلا من يجهل ولا يقرأ التراث الإسلامى وكتبه المقدسة.
القارئ قرأ وأستمع إلى تلك الكلمات الإنشائية آلاف المرات ولم يعد فى حاجة إليها لأنه لم يعد طفلاً صغيراً ، بل أصبح كبيراً وتفتحت أفاقه وتنوعت معارفه.
مع الشكر


2 - انساني
حمورابي ( 2010 / 6 / 14 - 17:36 )
ولكن يا شيخ محمد.....ايمكن اعتبار زواج المتعة الذي اقره محمد في وقت من الاوقات ذات بعد انساني ؟ وما هو موقفكم من الزواجات الحديثة مثل المسيار والمصياف والوناسة والفريند وغيرها هل هي ذات بعد انساني؟


3 - تعليق خفيف
محمد الخليفه ( 2010 / 6 / 14 - 18:23 )
هذا الشيخ مع احترامي لعاطفته الدينية كذب كثيرا في مقاله هذا -مقال كأنه يلقيه على تلاميذ في المرحلة الإعدادية، ولكنه معذور طالما هو شيخ، وشكرا


4 - سمك مشوي يطير بالمجرة
T. Khoury ( 2010 / 6 / 14 - 18:53 )
الشيخ محمد قانصو
كاتب وباحث لبناني
عذرا مولانا , ما معنى شيخ باحث ..؟؟ الذي اعرفه بانه بالاديان يمنع التفكير والبحث لان كل شئ لديهم هي اوامر وشرائع الهية!!

بالنسبة لي عندما تقول شيخ باحث كان تقول سمك مشوي يطير بالمجرة

مع التحيات


5 - مواجهه خلف مواجهه
عبدالله العطوي ( 2010 / 6 / 15 - 14:00 )
الاخ الشيخ والاخ الملحد .. المشكلة ان اي طرح يقوم به ( شخص بلقب ديني ) او شخص بسحنه ( علمانيه او الحاديه ) يتحول النقاش فجأه من الموضوع الى ما خلف الموضوع
حاول الكاتب اقناعنا ببعض الجوانب الانسانيه ( كما يدعي ) وكما يراها هو في التشريع الاسلامي ... غالب الردود اتجهت الى نقد الاسلام في اصله ونقد وجود الإله .
كيف نكون حياديين في الطرح وفي التلقي وفي الرد .. دون ان نتأثر بخلفيات
اخرى سواء الدين او الالحاد ... كيف نتخلص من تأجير عقولنا لغيرنا ؟
انا ارفض اغلب احاديث الشيوخ او مقالاتهم الفكريه .. لانها لا تخرج من تبعية عمياء ..كما ارفض ايضا اي ترديد لمفاهيم العلمانيه الخارجه من ردود الافعال الضيقه
وفيما يخص المقال اسئل الشيخ هل هذا كلام القران ام كلامك انت بحسب فهمك عن القران ؟ ان كان حديثك انت فثغراته اكثر من التغطيه وان كان حديث القران فأنت لم تضف اكثر من ضبابيه اخرى للفكر الديني ..
اما الاخوه في مداخلاتهم وتسائل احدهم عن زواج المتعه والمسيار .. هل انت متأكد ان هذا الامر اتى من الدين ؟ ام من مفسري الاديان ؟ وبحسب فهمهم ؟
ارجو ان لا نتجاوز الحلقات المفقوده ..!! وشكرا لكم

اخر الافلام

.. قانون الإجهاض الجديد في ولاية فلوريدا يدخل حيز التنفيذ


.. لهذا قُتلت لاندي جويبورو التي نافست على لقب ملكة جمال الإكوا




.. الدول العربية الأسوأ على مؤشر المرأة والسلام والأمن


.. إحدى الطالبات التي عرفت عن نفسها باسم نانسي س




.. الطالبة التي عرفت عن نفسها باسم سيلين ز