الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لحماية التراث الحي من الانقراض

سعد هجرس

2010 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


مرارا وتكرارا.. قلنا وكتبنا أن الحرف اليدوية والفنون الشعبية هي جزء رئيسي من »التراث الحي«، في حين أن الآثار هي بمثابة »التراث الميت« الذي مضي ولن يعود ولا نملك سوي المحافظة عليه.. أما التراث الحي فهو ليس فقط في حاجة إلي أن نحافظ عليه بل يحتاج أيضا أن نروي أشجاره المتنوعة باستمرار، وأن نحمي هذه الأشجار المدهشة من الأعشاب السامة، ومحاولات القتل ــ سواء من جراء عوامل »التعرية« أو عمدا مع سبق الإصرار والترصد في ظل طوفان »العولمة« ومحاولة طمس الهويات الوطنية.
ونحن في مصر نمتلك كنزا حقيقيا من هذه الحرف اليدوية والفنون الشعبية التي تحمل بصمة هويتنا الوطنية، والتي تمثل في نفس الوقت منجما اقتصاديا لا نحسن استثماره، بل نهدره بغرابة شديدة، رغم أنه كفيل بحل كثير من المعضلات الاجتماعية التي تؤرقنا ليلا ونهارا.
لكن دماء الحرف اليدوية والفنون الشعبية والتراثية المصرية ظلت متفرقة بين »القبائل البيروقراطية«، حتي أصبح كثير من هذه المهن مهدد بالانقراض الفعلي في ظل غياب اهتمام حقيقي بالقضية، بل أيضا في ظل التضييق البيروقراطي الحكومي علي المبادرات الأهلية بهذا الصدد.
علي هذه الخلفية المحبطة جاء »منتدي القاهرة 2010« كنقطة ضوء ــ كما نرجو ــ في نهاية نفق مظلم طويل.
هذا المنتدي عقد في القاهرة مؤخرا لكنه للأسف الشديد مر في صمت دون أن يحظي بالاهتمام الذي يستحقه بالنظر إلي أهدافه الرئيسية وهي:
* رفع الوعي بأهمية الفنون والحرف بالنسبة للجذور الثقافية لأي بلد وتنمية الاقتصاد به.
* توفير فرص تسويقية للفنانين والحرفيين والمنتجين.
* تكوين شبكة عمل دولية لإقامة حوار فعال لتبادل المعلومات فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بالإنتاج الفني والحرفي وتسويقه والحفاظ عليه وتوثيق أفضل الممارسات.
* تعزيز روح التعاون والمشاركة بين الفنانين والحرفيين والمنتجين ونظرائهم في مختلف أنحاء العالم.
من أجل هذه الأهداف الطموحة قام بتنظيم المنتدي مركز تحديث الصناعة المصري والمجلس الثقافي الفرنسي لاتحاد دول البحر المتوسط، برعاية وزارة الاقتصاد والصناعة والعمل الفرنسية ووزارة الصناعة والتجارة المصرية.. كما يندرج المنتدي ضمن أنشطة عام تقارب الثقافات 2010.
أما لماذا مركز تحديث الصناعة من مصر والمجلس الثقافي من فرنسا.. فيعود من ناحية إلي أن مركز تحديث الصناعة يستهدف أن »يصبح بمثابة الجهة التنموية المصرية الرائدة في قطاع الصناعة بما يسهم في زيادة قدراته التنافسية وتنميته الاقتصادية وتحقيق نموه التصديري وإيجاد فرص العمل«.
ويضيف أدهم نديم رئيس المركز بهذا الصدد أنه »يؤمن بالمقومات الهائلة التي يتمتع بها قطاع الصناعات الحرفية لاسيما فيما يتعلق بتوفير فرص العمل المستدامة منخفضة التكلفة.. كما يقوم المركز بتشجيع الإبداع والابتكار في نماذج المنتجات الأصلية من خلال برامج تطوير التصميمات الموجهة نحو ربط الصناع المحليين بالمصممين الدوليين، علاوة علي تحسين وتطوير مستويات جودة المنتجات من خلال برامج الدعم الفني وتسويق منتجات الحرفيين داخل الأسواق الدولية.. بالإضافة إلي ذلك يشجع المركز مختلف سبل التعاون الإقليمي والدولي من خلال دعم التعاون بين الحرفيين والخبراء، وذلك بهدف تحسين الظروف المعيشية والعملية للحرفيين، وحماية الابتكارات وتوحيد مصادر جمع المعلومات المتعلقة بالحرف«.
لكن ماذا عن الشريك الفرنسي؟!
تبدأ القصة بإنشاء الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي المجلس الثقافي لاتحاد دول البحر المتوسط في ديسمبر 2008 برئاسة رينو موسيلي وزير الثقافة السابق والنائب الحالي لرئيس جمعية الشئون الخارجية بالمجلس الوطني الفرنسي.. وتتلخص رسالة المجلس المعلنة في الترويج للمبادرات العامة والخاصة التي تعزز البعد الثقافي للاتحاد.. ولترجمة هذه المبادئ إلي أفعال قام المجلس بوضع برنامج عمل ينتهي عام 2013 يتضمن العديد من الأنشطة، من بينها الحفاظ علي التراث الثقافي غير الملموس لمنطقة البحر المتوسط وتعزيزه.
وجاء منتدي القاهرة الذي ينظمه مركز تحديث الصناعة المصري بغرض عرض مختلف الأنماط التقليدية للفن والحرف مثالا نموذجيا لهذا الطموح، خاصة وأن الحرف التقليدية في منطقة البحر المتوسط تمثل خبرة فريدة بما تنطوي عليه من قيمة ثقافية عالية ولكنها مهددة أحياناً بالانقراض أو قلة الترويج لها.
ويطمع الشريكان - المصري والفرنسي - في أن يكون هذا المنتدي نقطة انطلاق لسلسلة من المنتديات والمعارض السنوية التي تؤدي بدورها إلي استخلاص أعمال ملموسة تهدف إلي استمرار وتعزيز الدور الذي تؤديه الحرف التقليدية في الاقتصاد العالمي.
هذه الأفكار انتقلت من عالم »الأحلام« إلي »وثيقة« مهمة، هي الوثيقة الختامية لمنتدي القاهرة.
»وثيقة القاهرة« التي تم توقيعها في 3 يونيه 2010 تنطلق من رؤية حضارية إلي »الفنون والحرف سواء كان استخدامها لأغراض نفعية أو فنية - باعتبارها تمثل شكلا عالي القيمة من التعبير الثقافي، والثقة بالنفس والكرامة واحتراماً للبشرية جمعاء«.
وانتهت إلي »تعهد« من الموقعين بالآتي:
1- تعزيز تبادل رصيد الأفكار والمعرفة، وهو أمر ضروري للنشاط الإبداعي، مع احترام الهوية المميزة، والتنوع الثقافي لكل بلد.
2- إقامة شبكة متجانسة لحصر الحرف في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
3- حماية الملكية الفكرية والحقوق ذات الصلة وبصورة أعم تعزيز وتنفيذ الاتفاقيات الدولية والأدوات القانونية لوضع المعايير اللازمة.
4- التعليم والتدريب والتأهيل المهني لكفاءات الحرفيين، ورفع مستوي نقل الخبرات الفنية.
5- تصميم أدوات القياس لتقييم أثر التراث الثقافي والسياحة الثقافية علي التنمية الاقتصادية للدول.
6- تشجيع الابتكار والبحث والتصميم والجودة في المنتجات الحرفية.
7 - تخصيص الميزانيات المستهدفة وتسهيل عمليات التوثيق والحماية والتنمية والتعليم والتدريب والتسويق الدولي لمصلحة الفنون والحرف التقليدية وادماجها في الاقتصاد العالمي، وبالتالي ايجاد نماذج للتنمية المستدامة.
ووافق الموقعون علي »وثيقة القاهرة« علي الاجتماع سنويا لتقييم الوضع الراهن للفنون والحرف ومراجعة مدي التزام جميع المشاركين ببنود هذه الوثيقة.
وليس المهم فقط أن »وثيقة القاهرة« جاءت نتيجة مداولات مكثفة بين عدد كبير من الخبراء العالميين والمصريين بما في ذلك رئيس المجلس الثقافي للاتحاد من أجل المتوسط ومدير مكتب اليونسكو بالقاهرة وسفير الاتحاد الأوروبي بمصر ورئيسة المجلس العالمي للحرف »ويوجد مقرها بالهند« ورئيسة المكتب القومي التونسي للحرف ورئيس الجمعية المصرية للتراث الشعبي، والرئيس السابق لمكتب اليونسكو للصناعات الإبداعية والحرف اليدوية، وكبيرة مسئولي التنمية الصناعية بوحدة تنمية ريادة الأعمال الريفية والتأمينات الإنسانية باليونيدو، ومدير الدراسات بإدارة مستعيدي الإرث الثقافي بالمعهد القومي للإرث الثقافي في باريس، ومندوب الاتحاد الأهلي للحرف اليدوية في إيطاليا، ومندوب السكرتارية الأهلية للحرف اليدوية في المغرب، ومرصد الحرف اليدوية في إيطاليا ومدير المعهد العالمي للحرف بفرنسا، وجمعية تشجيع الحرف الفنية بفرنسا، فضلا عن المسئولين المصريين والشخصيات العامة المصرية ذات الصلة.
كل هؤلاء شاركوا في مناقشة التحديات والفرص بهذا الصدد من خلال جلسات تناولت مشاكل الإبداع والتصميم، وحقوق الملكية الفكرية، وأدوات تمويل الحرف التراثية، والتدريب، والحرف اليدوية كتراث حي، والمنتجات الحرفية كأداة للتنمية الاقتصادية والمستدامة
ومن المخجل أن كل هذه الاشتباكات تمت في ظل تعتيم إعلامي شبه كامل.
لكن حسنا فعل أدهم نديم عندما زرع »منتدي القاهرة« في قلب معرض »فيرنكس« للمفروشات، فضمن بذلك مشاهدة 70 ألف زائر للحرف التقليدية المصرية المبهرة علي هامش مشاهدتهم للمفروشات والأثاث.
***
هذا تطور لافت للنظر قد يسفر عن إخراج الحرف التقليدية المصرية من مأزقها الراهن.
لكن هذا الأمل يبقي مرهونا بعدد من الأمور:
أولها أن الحرف التقليدية في مصر متعددة جدا وتضم آلافاً مؤلفة من أبناء هذه المهن المتنوعة وهؤلاء لا توجد في حدود علمي ـ قاعدة بيانات موثقة عنهم وهذه القاعدة المعلوماتية هي نقطة البداية الضرورية التي لا يمكن لأي عمل علمي جاد ومدروس الاستمرار بدونها.
ثانيا: هذه الحرف التقليدية مثلها مثل الأيتام علي مائدة اللئام، فهي بلا راعٍ أو حامٍ، ولا توجد جهة مركزية تهتم بشئونها، علما بأن كثيرا من البلدان خصصت حقائب وزارية لها.
ومع الاعتراف بالدور الممتاز الذي لعبه مركز تحديث الصناعة ورئيسه الشاب والمتحمس أدهم نديم فإن القضية تظل أكبر من هذا المركز وصلاحياته، فنحن لسنا إزاء »صناعة« فقط بل هناك جوانب ثقافية وتمويلية وتسويقية وتشريعية وخلافه، مما يجعلنا نقترح إنشاء هيئة عليا مركزية، وديموقراطية لا بيروقراطية، تضم مختلف الجهات ذات الصلة ويكون مركز تحديث الصناعة من أهمها بطبيعة الحال.
ثالثا: توجد جهات أهلية أخذت علي عاتقها حماية الحرف التقليدية، وهذه الجهات تعمل بإخلاص في هذا المجال منذ سنوات عديدة، لكنها غائبة عن المشهد وأخص منها بالذكر جمعية »أصالة« برئاسة الفنان التشكيلي الكبير عز الدين نجيب.
»أصالة« لم تكن غائبة فقط.. بل عرفت من الصحف أن رئيسها عز الدين نجيب كان في نفس موعد انعقاد »منتدي القاهرة« موجودا في العاصمة المجرية، بودابست، علي رأس وفد من الفنانين والحرفيين المصريين. الأمر الذي يعكس غياب التنسيق، ويعكس تنافر الجهود وازدواجيتها وتلك آفة مصرية يجب أن تختفي.
رابعا: الاحتكاك بالثقافات الأخري في حوض البحر الأبيض المتوسط أمر مهم ومطلوب ومفيد، لكن الهاجس الذي طرح نفسه هو الخوف من أن يكون هذا الهدف الطيب سحابة دخان للتغطية علي أجندات خفية، من بينها فتح ثغرة جديدة للتطبيع مع إسرائيل.
وهذه نقطة خطيرة ليس فقط من حيث التوقيت حيث يتزامن ذلك مع القرصنة الإسرائيلية الإجرامية التي تمثلت في جريمة أسطول الحرية، وهي جريمة في حق الإنسانية كلها وليس في حق الفلسطينيين والعرب فحسب.
وإنما هي نقطة خطيرة أيضا من حيث حساسية الساحة هذه المرة فنحن نتحدث عن الحرف التقليدية والفنون الشعبية التي هي جزء لا يتجزأ من هوية الشعوب. وهذا خط أحمر لا ينبغي الاقتراب منه أو إعطاء إسرائيل فرصة اللعب فيه.
وقد نقلت هذا التخوف إلي أدهم نديم الذي أكد أن إسرائيل لم ــ ولن ــ تشارك في هذا المنتدي من قريب أو بعيد.
لكن عدم وجود إسرائيل لا يعني أنه لا توجد لدينا مشكلات فيما يتعلق بهويتنا الثقافية وعلي سبيل المثال فإن ما تفعله الصين لفانوس رمضان، المصري حتي النخاع، هو أحد الأمثلة الصارخة التي تبين لنا أن الطريق طويل أمامنا للحفاظ علي تراثنا الحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه الهدم المقدس والفساد الحكومي
محمد البدري ( 2010 / 6 / 15 - 02:01 )
يا استاذ هجرس مش عايزين نعمل زي جحا ما عمل. سالوه ودنك منين لفع و لف دراعه اليمين من فوق راسه وامسك باذنه اليسري. ليجيب علي السؤال البسيط والسهل والذي له اجابة مباشرة وبسيطة حسب قول اقليدس الخط المستقيم اقصر مسافة بين اليد اليمني والاذن اليمني. فلا نحن حافظنا علي مبادئ اقليدس في اي شئ ولا نحن تجنبنا غباوة وجهل جحا. علي هذه الدولة السفيهه ان توقف تيار الدجل الاسلامي المعبر عن الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي والحضاري الذي يريد هدم كل شئ. الفساد يخرج زكاه امواله لتنمية الخطاب الديني عبر فضائيات ضج منها العالم ومساجد تحتقر البشر والمرأة. فهل يمكن المحافظة او الانتباه الي مؤتمر علي اي شئ في ظل هدم مقدس. ولماذا نقيم مؤتمرات باليد اليمني للحفاظ علي اشياء نهدمها باليسري.

اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة