الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى وإن كان -نجيبا-

رمضان متولي

2010 / 6 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نجيب ساويرس يختلف عن معظم رجال الأعمال في مصر، فهو يهتم اهتماما واضحا بالقضايا العامة أكثر من أغلبهم، ويتمتع بشجاعة بادية في التعبير عن رأيه مقارنة بكثير غيره ممن تردعهم مصالحهم مع رموز السلطة عن إعلان آرائهم، خاصة لو تعلق الأمر بقضايا سياسية. هذا، علاوة على أسباب أخرى منها الثروة واحتكار خدمة التليفون المحمول لفترة طويلة، جعل من رجل الأعمال الشهير واحدا من أبرز رجال هذه المرحلة التي تمر بها مصر اقتصاديا وسياسيا.
مواقف الرجل المعلنة تعبر عن توجهات شريحة خاصة من رجال الأعمال المصريين الذين تربوا في أحضان الدولة إلى أن شبوا عن الطوق وأصبحوا يطالبون بمساحة أوسع للحركة والتأثير في صناعة القرار. وفي الظروف التي تمر بها البلاد حاليا، لم تعد تلك الشريحة من رجال الأعمال تستريح إلى الاعتماد الكامل على بيروقراطية الدولة في تحديد الطريقة التي تضمن لهم استقرار مصالحهم، خصوصا فيما يتعلق بإدارة النظام السياسي. ولابد أنهم يشعرون أن مساوئ هذا النظام جعلته فاقدا للمشروعية في أوساط النخبة السياسية ولا يتمتع بأدنى قدر من الثقة في أوساط الجماهير، وهو الشعور الذي ينتشر بين "نجباء" رجال الأعمال في مصر.
هكذا مثلا نجد من بينهم من يعترض على تجديد الطوارئ، وينتقد فساد الحياة البرلمانية، واحتكار الحزب الحاكم للعملية السياسية، والتعددية الحزبية الزائفة وتزوير الانتخابات، بعضهم بقوة ووضوح وبعضهم على استحياء. وفي نفس الوقت، نجدهم يؤيدون الخصخصة، حتى في المرافق العامة تحت عنوان الشراكة بين القطاع العام والخاص، كما ورد في حوار ساويرس مع جريدة المال يوم الأحد الماضي، حين علق على اعتراض المواطنين على مشروعات الشراكة بين القطاع العام والخاص في المرافق العامة قائلا أن المواطنين اعتادوا على الاعتراض دون الخوض في تفاصيل القرارات وجدواها لهم، وزعم أن استثمار القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية سيترتب عليه انخفاض الأعباء التي تتحملها الدولة في ضوء مواردها المحدودة بجانب إتاحة الفرصة لتحقيق عوائد جيدة لكل من القطاعين العام والخاص. ووصف هذه المعارضة بأنها غير مبررة وأنها تعترض طريق مسئولي الدولة في كثير من الأحيان عن تنشيط استثمارات القطاع الخاص. طبعا لا يهتم الرجل بمخاوف هؤلاء المواطنين الحقيقية جدا، والتي أثبتتها تجارب جميع الدول التي جربت ذلك، من ارتفاع أسعار ورسوم استخدام هذه المرافق عندما يسيطر عليها قطاع لا يأبه إلا بتعظيم أرباحه على حساب الفقراء مثل رجال الأعمال، حتى وإن كان تعظيم الأرباح يعني تدهورا في جودة الخدمة، وتكثيفا لاستغلال العمالة، وتمييزا في توزيع الخدمة لصالح من يملكون الثمن.
اتهم ساويرس شريحة المثقفين بأنهم يفتقدون إلى الثقافة الاستثمارية التي تستطيع النهوض بالشعوب. والغريب أن يضرب الرجل مثلا بخصخصة قطاع الأسمنت الذي لا تستطيع الحكومة نفسها الدفاع عنها حيث انتهت إلى احتكار قلة من الشركات الخاصة (مصرية أو أجنبية لا يهم) لهذه الصناعة، وارتفعت أسعار الأسمنت بمعدلات مخيفة، وقامت هذه الشركات بتصدير موارد ناضبة مثل الطاقة التي تحصل عليها مدعومة إلى الخارج، مستفيدة من رخص الأيدي العاملة المصرية وتوافر الخامات الرخيصة. وارتفعت أرباح هذه الشركات بمعدلات خرافية تزامنا مع ارتفاع أسعار الأسمنت وتكاليف البناء في بلد يعاني من أزمة مزمنة في توفير السكن الملائم لأبنائه. ومن أجل تعظيم أرباحها، تركت لهؤلاء الفقراء التلوث والتشرد. فهل هذه الثقافة الاستثمارية تنهض بالشعوب أم تنهض بأرباح المحتكرين على حساب حياة الشعوب وفرصها في العيش الكريم؟
يبدو أن نجيب ساويرس لا يمانع في احتكار الأسمنت طالما كان الاحتكار في أيدي شركات خاصة (مرة أخرى لا يهم إذا كانت أجنبية أم مصرية لأن رأس المال يستخدم فكرة الوطن طالما كانت في مصلحته ولا يحترم أي وطن إذا تعارض ذلك مع مصالحه – طبعا في كل تعميم ثغرة)، لكنه يجد مشكلة ضخمة في الاحتكار الحكومي في وزارتي الاتصالات والكهرباء على حد قوله. المهندس نجيب ساويرس لم يعد يتذكر الآن أنه احتكر خدمة التليفون المحمول عدة سنوات وقاومت شركته مع شركة فودافون طرح الرخصة الثالثة للمحمول ودفعوا "إتاوة" للحكومة عندما كان الدكتور أحمد نظيف وزيرا للاتصالات من أجل تأجيل طرح هذه الشركة. بل إن الحكومة، لكي تتمكن من بيع الشركات إلى مستثمر رئيسي أو ربما لشبهة فساد أو الاثنين معا، ضمنت في بعض عقود البيع وضعا احتكاريا للشركات التي تم خصخصتها، مثل شركة المعدات التليفونية مثلا، ومع ذلك انتهت إلى التصفية.
لم يرحب ساويرس وحده بالضرائب غير المباشرة التي تفرضها الدولة على المستهلكين، ولم يرحب وحده بعملية الخصخصة التي تركت آلاف العمال يتسولون وانتهت إلى تصفية عدد كبير من الشركات واحتكار كبار رجال الأعمال لبعض أهم الصناعات، ولم يرحب وحده بخطط الحكومة في خصخصة الخدمات الأساسية والمرافق عن طريق مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لم أسمع رجل أعمال واحد لم يرحب بهذه السياسات التي يشكو منها أغلبية المصريين لأنها انتهت إلى تخفيض مستوى معيشتهم، وتكثيف استغلالهم، وتشريدهم من أعمالهم، وتبديد آمالهم في حياة مستقرة وإهدار حقهم في العمل والتعليم والعلاج والسكن والعيش الكريم في وطنهم، ولأنها أدت أيضا إلى إفقارهم لصالح مؤشرات الحكومة الرسمية حول معدلات النمو التي ترجمت إلى أرصدة هائلة في الحسابات البنكية لشريحة قليلة من السكان هي شريحة رجال الأعمال والبيروقراطية الفاسدة.
دافع ساويرس عن الضرائب الجديدة التي فرضتها الدولة على السجائر وغيرها محتجا بأن الدولة تحتاج إلى تعظيم مواردها من خلال زيادة الضرائب الاستهلاكية. لا نستغرب ذلك، لأن في اختيار الدولة تعظيم مواردها بفرض الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك إعلان لانحيازها لطبقة رجال الأعمال خاصة عندما لا تقترب من التفكير في زيادة الضرائب المباشرة على الدخل، وخاصة عندما يكون الحد الأقصى للضريبة على الدخل في مصر هو الأقل مقارنة بأغلب دول العالم. يتناسى رجل الأعمال الشهير في هذه النقطة تحديدا أن الحد الأقصى لضرائب الدخل في مصر لا يتجاوز 20% بينما نجده في فرنسا وفي ألمانيا وفي بريطانيا وغيرها من دول أوروبا الغنية يتراوح بين 45% و 55% على الشرائح العليا في سلم الدخول، وفي الولايات المتحدة، حيث تنحاز الدولة تقليديا للأغنياء تصل نسبة الضرائب على الدخل إلى 35%، وقد أوشكت اليونان على الإفلاس وكانت تفرض ضرائب على الدخل حدها الأقصى 25%، لولا تدخل الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي في مقابل تحميل العمال والفقراء تكاليف خطة التقشف وأعباء الأزمة، وسداد الديون التي ترجمها الأغنياء إلى أرباح، مع فوائد الديون التي سيحصل عليها أيضا هؤلاء الأغنياء.
الدولة الظالمة هي الدولة التي تفرض ضرائب غير مباشرة على المستهلكين (وأغلبهم هم الفقراء)، وتخفض الضرائب المباشرة على الدخل (الذي يستحوذ عليه الأغنياء والشرائح العليا من الطبقة الوسطى). الدولة الظالمة هي التي تدعم من يحولون الدعم إلى أرباح (الغاز والطاقة لشركات مواد البناء والبتروكيماويات والأسمدة، وصادرات الغاز والصادرات الأخرى والأراضي المجانية للكبار) وتمنع الدعم أو تخفضه على أهم الحاجات والخدمات الأساسية التي يحتاجها الفقراء (التعليم والصحة ورغيف الخبز والوقود). دولة هذه سياساتها لابد من محاكمة رموزها، خاصة عندما يتورطون في فساد يزكم الأنوف ويشل الأعصاب، لا أن نبرر سياساتها ونتهم المواطنين بالسطحية في أنهم يعارضون فقط لأنهم اعتادوا الاعتراض.
ليست تلك مهمة ساويرس ولا نجوم رجال الأعمال الآخرين الذين استفادوا ويستفيدون من هذه الأوضاع الظالمة، وإنما مهمة أصحاب المصلحة الحقيقية في نظام سياسي واجتماعي أرقى يكون على رأس أولوياته مصالح الغالبية العظمى من أبناء هذا المجتمع لا مصالح حفنة من أصحاب الثروة والنفوذ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العالم واحد 1
المعلم الثاني ( 2010 / 6 / 16 - 13:08 )
نعيش في عالم واحد سقطت فيه كل الحدود الاقتصادية لم يكن ذلك بارادة مصرية لكنه قرار دولي ولن يمكن العودة بالتاريخ للوراء..فحتى فيتنام الشيوعية التي اسموتت في محاربة أمريكا تسجد اليوم للنظام العالمي الواحد بعد إفلاس الفكر الاشتراكي و ثبات فشله عمليا..
مواطني دول العالم الشيوعي السابق يدفعون اليوم ثمن مغامرات المنظّرين الاشتراكيين المهاويس

إن كان سعر البصل في مصر أقل من سعره العالمي فثق أنه سيرتفع لأن المصدرين المصريين سيبيعونه فورا..فنحن نسير نحو توحيد اسعار السلع عالميا ...ولنا في هذا بعض عزاء فنستطيع استيراد منتجات رخيصة من بلاد اجر الأيدي العاملة فيها متدني..أكتب وأنا أنظر لملابسي وحذائي وجلهم من الصين وأشكر الانفتاح الاقتصادي العالمي

مشكلة مصر الحقيقية هي الانفجار السكاني الهستيري الذي شجعته سياسات عبد الناصر العبيطة : تزوجوا وأنا على الأولاد من مدارس وتموين وجامعت وعلاج...كل شيء بالمجان .. رشاوى سياسية للجهلاء..

أنتجت تلك السياسات جيلا مختالا من ارباع المثقفين ينظرون إلى احتقار العالم لهم فيزيدون انغلاقا وتدينا


2 - العالم واحد 2
المعلم الثاني ( 2010 / 6 / 16 - 13:26 )
خلقنا جيلا ممن يحتقرون العمل اليدوي. فعبد الناصر وعد البواب والفلاح بابن طبيب!
لم نعد نجد النجار الماهر بل أمامنا الأطباء الجهلاء المتكالبين على المال
خرب عبد الناصر أجيالا وأجيال بعدما طارد وطرد الطبقة المتعلمة المثقفة القديمة

الحل (وأراه شبه مستحيل)

أن تتخذ الحكومة قرارات باترة لمنع التكاثر الأرنبي ..
باترة؟ نعم، أقترح طرد الموظف الحكومي عند ولادة ابنه الثالث مثلا ...ووقف بطاقته التموينية فلا يصح أن نساعد هذا الطفيلي على التخريب
الحل في وقف منح الشهادات الدراسية إلا لمن يستحقون...ولا أثق في مصري للقيام بهذه المهمة التي تتطلب العدل والتجرد من الميول والأهواء والعلاقات الشخصية والتعصب الديني
أن يشرف على التعليم أجانب أوروبيون فإن لم نحصل سنويا سوى على واحد من عشرين من عدد الأطباء والمهندسين الجدد فهذا أفضل للكل ويبقى الطالب البليد سنينا وسنينا حتى يفقد الأمل ويتوجه نحو صنعة تفيده وتفيد البلد أو يصل في آخر الأمر لدرجة تؤهله للتخرج

الحل يبدو إذن مستحيلا...لنتجه نحو الخزعبلات و الدعاء عسى أن تحدث معجزة وتعود مصر تستقطب الأجانب الذين يأتونها طلبا للرزق كما كانوا أيام العائلة المالكة


3 - فشلت السياسات الليبرالية يا معلم فما رأيك؟
رمضان متولي ( 2010 / 6 / 17 - 17:19 )
تحدثت عن رأسمالية الدولة ووصفتها بالاشتراكية وانتقدتها بحدة وعلى كل ما قلته ردود، ولكنك لم تتحدث عن فشل السياسات الليبرالية التي تدعو إليها في تعليقك، لماذا حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية التي نراها الآن إذا كان هذا النظام وتلك السياسات ناجحة، لقد تشرد آلاف العاملين من وظائفهم وملايين آخرين لا يجدون فرصة للكسب والعيش الكريم، والثروات الهائلة التي تتحدث عنها مكدسة في أسواق المال والمصارف، لكن الناس لا يأكلون الورق وسبائك الذهب في النهاية والأزمة مازالت تعصف بدولة تلو الآخرى واليونان ماثلة أمامنا.
وسوف تلحقها دول أخرى، الولايات المتحدة نفسها تفاقمت فيها البطالة ولم تخرج من الركود الاقتصادي حتى الآن مع زيادة المديونية والعجز الخارجي وعجز الموازنة إلى مستويات رهيبة ، ملايين العمال الذين يعملون في القطاعات الصناعية والمالية والتجارية وغيرها طردوا في الولايات المتحدة من وظائفهم والسبب هو نفس السياسات الليبرالية التي تدافع عنها. فما رأيك؟

اخر الافلام

.. طائرات بوينغ: لماذا هذه السلسلة من الحوادث؟ • فرانس 24 / FRA


.. رفح.. موجات نزوح جديدة وتحذيرات من توقف المساعدات | #غرفة_ال




.. جدل الرصيف الأميركي العائم في غزة | #غرفة_الأخبار


.. طلاب فرنسيون يطالبون بالإفراج عن زميلهم الذي اعتقلته الشرطة




.. كتائب القسام تقصف مدينة بئر السبع برشقة صاروخية