الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعم إسرائيل في قلب خطاب اليمين الراديكالي الأوروبي الجديد

ياسين تملالي

2010 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عن فوز "حزب الحرية" بالمرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الهولندية
دعم إسرائيل في قلب خطاب اليمين الراديكالي الأوروبي الجديد

تمخضت انتخاباتُ 9 يونيو النيابيةُ في هولندا عن حصول حزب الحرية بزعامة خيرت فيلدرس (مخرج فيلم "فتنة" الذي وصف القرآنَ بـ "الكتاب الفاشي") على 16 بالمائة من أصوات الناخبين و24 مقعداً (من أصل 150 يشكلون غرفة البرلمان السفلى)، مقابلَ 5,9 بالمائة من الأصوات و9 مقاعد في 2006. وكان احتلالُه المركزَ الثالث وراء الحزب الشعبي للحرية والديمقراطية (31 مقعدا) وحزب العمل (30) و قبل الحزب المسيحي الديمقراطي (21) تكذيباً مدويا لمراكز سبر الآراء التي تنبأت له بالمرتبة الرابعة وبعدد من المقاعد أقلَ بستة مما حصل عليه.
وكان لهذه النتيجة وقعُ الصدمة على اليسار واليمين الهولنديين كليهما، لكنها ليست في الحقيقة سوى تصديق لنتائج هذا الحزب طيلة السنوات الأخيرة : حلولُه في المركز الثاني في انتخابات يونيو 2009 الأوروبية بـ 17,5 بالمائة من الأصوات و5 مقاعد (من أصل 25) وفوزُ قائمتيه في انتخابات 3 مارس 2010 المحلية بالمرتبة الأولى في ألميرت (21,6 بالمائة من الأصوات) والمرتبة الثانية في لاهاي (16,8 بالمائة).
وجدد فيلدرس خلال الحملة الانتخابية دعواته إلى "منع الحجاب" ("الخرقة"، حسب تعبيره) في المصالح العمومية و"وقف الهجرة القادمة من بلدان مسلمة". وإذا كان خطابُه العنصري عن المسلمين كلَفه المثولَ أمام العدالة، فهو لم يكلفه بعدُ مستقبلَه السياسي في بلد الأجانبُ فيه أولُ من يضحى بهم على مذبح حل الأزمة الاقتصادية ("فوبيا الهجرة" انتقلت إلى الحزب الشعبي، صاحب المركز الأول، الذي قال رئيسُه مارك روت قبل الاقتراع بأيام إنه "لا يجب السماحُ للمهاجرين المُعدَمين بدخول المملكة").
ونظرا إلى أن تحذيرَ حزب الحرية من "أسلمة" هولندا وأوروبا (رئيسه استقال من الحزب الشعبي معترضا على قبوله عضويةَ تركيا في الاتحاد الأوروبي) هو أحدُ دعائم دعايته، يُطرح السؤال اليومَ عن أي تيار إيديولوجي يمكن إدراجه فيه. عندما سُئل فيلدرس في الموضوع رفض أن يُشبَه بالفرنسي جان ماري لوبان وأن يقارَن تنظيمُه بالجبهة الوطنية الفرنسية أو الحزب القومي البريطاني "العنصري" حسب وصفه (حوار مع موقع Riposte laïque العلماني الفرنسي، 2 مارس 2009).
ويشبهُ هذا التنظيمُ أقصى اليمين التقليدي في مواقف كثيرة (الإسلاموفوبيا، مناهضة الوحدة الأوروبية لـ "تعارضها مع مصالح هولندا"، الإيمان بأسطورتي "النقاء الثقافي" الهولندي، الميل التوسعي الواضح في مقترح ضم إقليم الفلاندر البلجيكي الناطق بالهولندية...)، إلا أنه يختلف عنه في مواقف أخرى بما لا شك فيه. يكفي دفاعُه عن حقوق المثليين لتمييزه عن أحزاب هذا التيار التي تقدس "القيم العائلية" (الحركة من أحل فرنسا، التي يتزعمها فيبيب دوفيليي مثلا). تكفي إدانتُه "الذكية" للفاشية (أي من خلال تشبيه الإسلام بها) لتمييزه عن الحركات التي تعتبر إيديولوجيا موسوليني أو هتلر مثالا لما يجب أن تكون عليه الأيديولوجيات الوطنية (الحركة الاجتماعية الإيطالية أو الحزب القومي الديمقراطي في ألمانيا).
يكفي كذلك تبريرُه كراهيةَ للإسلام بـ"انتفاء حقوق النساء والمثليين" في هذه الديانة لتمييزه عن منظمات أقصى اليمين ذات الصبغة المسيحية (الجبهة الوطنية في فرنسا). يكفي أخيرا لتمييزه عن مكونات هذا التيار المعادية لإسرائيل من منطلق معاداة اليهود لا "حب العرب" طبعا (الجبهة الوطنية، بلجيكا)، أنه موال للدولة الصهيونية التي قال عنها زعيمُه إن "معركتَها معركةُ الغرب"، مضيفا : "إذا كنا، كآباء وأمهات، في الغرب ننام ملءَ جفوننا، فلأن الآباء والأمهات الإسرائيليين لا ينامون ولأن أبناءَهم يقاومون الجهاد" ("جيروزاليم بوست"، 9 يونيو 2010).
ولا يتوقف إعجابُ فيلدرس بإسرائيل عند تمني نجاحها في احتواء "الجهاد" فنراه يساندُ أكثر تياراتها السياسية مقتا للفلسطينيين، كـ "إسرائيل بيتنو" الذي قال عن رئيسها أفيغدور ليبرمان : "هو ذكي وقوي، لذا لا أستغرب أن ينمو حزبه بمثل هذه السرعة" ("هارتس"، 18 يونيو 2009)، بل وبلغت مساندتُه المشروعَ الصهيوني حدَ المزايدة على اليمين الإسرائيلي قائلا إنه يدعم "حل الدولتين" إذا اعتبر الأردنُ "إحدى دول الفلسطينيين" (نفس الصحيفة).
ولا ينم هذا الدعم غير المشروط لإسرائيل عن حسابات جيوسياسية واضحة (الوجود الهولندي شبه منعدم في الشرقين الأدنى والأوسط إذا استثنينا حضورا عسكريا محدودا في أفغانستان)، بقدر ما تنم عن موقف دوغمائي يعتبر المسلمين برابرةَ القرن الواحد والعشرين ويمجد الحضارة الغربية كحضارة متسامحة مقارنةً بحضارة "شرقية" متخيَلة قوامُها التزمتُ الديني والرغبةُ في اكتساح العالم الأوروبي من جديد.
وليس حزبُ الحرية التنظيم اليميني-الراديكالي الوحيد في أوروبا الذي يهيم حبا بالدولة العبرية فبعض التنظيمات المماثلة في اسكندينافيا تتبنى فكرة "الحلف المقدس الأوروبي-الإسرائيلي في وجه الإسلام" (التي نظرت لها المؤرخة البريطانية بات ياور في كتاب "أورابيا، المحور الأوروبي العربي"، 2005)، ونذكر منها الحزب الشعبي الدنمركي وحزب الرقي النرويجي، وكلاهما أيد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة مبررا كل الجرائم التي ارتُكبت خلالها.
من المؤكد أن تنديدَ هذه الأحزاب اليمينية الجديدة بـ "الخطر الإسلامي" هو أساساً وسيلةُ تعبئة انتخابية لكن إعجابَها بإسرائيل، "هذه الجزيرة المتسامحة في محيط من الظلامية والتعصب" (بنيامبن نتانياهو)، يبدو إعجابا صادقاً. من هذا المنظور، يختلف تقاربُها مع الكيان العبري عن محاولات بعض أحزاب أقصى اليمين التقليدي كسب ود اللوبيات الإسرائيلية لتتخلص من عبء تاريخها المثقل بالعنصرية ضد اليهود وتزيدَ، في ذات الوقت، وزنَها الانتخابي (فلامس بيلنغ البلجيكي، الحركة الاجتماعية الإيطالية، الخ).
يبدو الأملُ إذاً قائما في طي صفحة الإيديولوجيا اللاسامية الأوروبية ببدء توبة أقصى اليمين التقليدي عنها ورفضها الواضح من طرف اليمين الراديكالي الجديد (حزب الحرية الهولندي والحزب الشعبي الدنمركي وحزب الرقي النرويجي)، لكن إيديولوجيا الأخوة الإنسانية لن تحل بالضرورة محلها. ما حل محلها لحد الساعة هو معتقدُ عنصري مُحوَر، يرى الإسرائيليين "جنسا متفوقا" جديدا ويجعلُ من مسلمي أوروبا "يهودا جددا"، يكدرون صفوَ القارة ويهددون "نقاءَها".
ياسين تملالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب